ويبقى الحياد للبعض حلمًا .
إب نيوز ٨ سبتمبر
*حنان سلامة
في خضمّ الأزمة المالية والاقتصادية التي تكاد تعصف بالوطن والمواطنين، يقف لبنان عاجزاً عن القيام بأيّ إصلاحات في ظلّ الانقسام السياسي، وتترأس مسألة الحياد كلّ الإشكاليات، حيث نجد فريقاً في لبنان يطالب بالحياد بحجة أنّ الدول تتخلّى عنا بسبب مساندتنا لحليف ينافسها أو يعاديها، فتسلط الضوء على الوضع الاقتصادي المتردّي للضغط على حزب الله وإبطال شرعية سلاحه وفرض عليه مبدأ النأي بالنفس. في حين يرى البعض الآخر أنّ الحياد هو بمثابة فتح باب جديد لعودة الاستعمار.
كلّ وطن في العالم يسعى لأن يكون حراً مستقلاً صاحب سيادة، لكن طبيعة وسياسة وطننا فضلاً عن موقعه الجغرافي تفرضان علينا مساندة الدول المجاورة حرصاً منا على علاقتنا معها فضلاً عن حماية حدودنا.
نحن نرى الحرب الشعواء والظلم المتربص في البلاد الشقيقة التي هي في الأصل أمة واحدة قبل أن يشرذمها الغرب إلى كيانات ليقوى ويبسط نفوذه. وهنا، حيادنا يكون خذلاناً للحق. كما لا يمكن للبنان أن يكون محايداً وهو على حدود دولة مغتصبة ومعرّضاً في أيّ لحظة للاغتصاب. حياد الدولة يعني عدم انحيازها لطرف في النزاعات السياسية أو العسكرية، وهذا أمر لا يمكن تطبيقه في لبنان المعرّض للاعتداء الصهيوني، فلطالما كان بلدنا مطمعاً للغزاة، ولذا، من البديهي الانحياز للدول المجاورة كي تحافظ على قوّتها ووجودها كي نضمن حماية وقوة حدودنا.
من هنا، فإنّ مبدأ الحياد في القانون الدولي العام قد ينجح في بعض الدول كما حصل في «سويسرا» على سبيل المثال لا الحصر، لكن لا يمكن تطبيقه في الدول التي ترتبط مصالحها مع الدول الأخرى، خاصة إذا كان البلد ليس لديه الاكتفاء الذاتي. فقبل أن ننادي بالحياد، علينا تطوير أنفسنا لنكون دولة متماسكة وموحدة، وإلا سيكون الحياد مهدّداً سيادتنا بدلاً من حماية استقلالنا.
لهذا السبب، يلقى الحياد ممانعة لدى حلف المقاومة في لبنان الذي يسعى للحفاظ على الوحدة الوطنية بالبحث عن استراتيجية دفاعية تتمثل بالثلاثي القوي: جيش شعب مقاومة.
قد يتهيأ للبعض أنّ التخبّط الدولي قد يؤثر على سيادة لبنان، ويعتبر البعض أنّ مناهضة دولة على أخرى أو التنسيق مع محور ضدّ آخر يقلق استقرار وطننا. لكن إذا فكرنا بما حصل في سورية، لا أحد ينكر أنّ اصطفاف لبنان متمثلاً ببعض القوى العسكرية، لا سيما حزب الله، كان له الدور البارز في مساعدة الدولة السورية لصمودها في وجه الهجمة الشرسة التي تشنّ عليها منذ العام 2011، فالمقاومة لا تستطيع أن تصمد من دون سندٍ لها، والسند هو هذه الدولة الممانعة التي ما تخلت عن المقاومة رغم كلّ الإغراءات التي قدّمت لها والتي كانت تهدف إلى إضعاف المقاومة وضرب قوة الردع التي فرضتها على العدو الصهيوني الذي يتربّص لبنان والذي ينتظر أيّ فرصة للانقضاض عليه؛ وأكبر دليل الطائرات الغازية التي لا تفارق سماءنا.
بالحياد تنتهك أجواؤنا وتغزى أراضينا مجدّداً ويكون بلدنا مجهول المصير.
خلاصة الأمر، للذين يطالبون بحياد لبنان بحجة السيادة نقول:
أنتم لم تعوا أنّ اصطفافنا وفاء، وأنّ الانحياز مقاومة والحياد خيانة. لن نهدم جسر التواصل الذي يتوافق مع قناعاتنا، فردّ الجميل والعرفان به فضلاً عما يمليه علينا ضميرنا ووجداننا القومي هو من أسمى ما يميّزنا في مسيرتنا النضاليّة، وتخلينا عن هذه القناعة يُعتبر مهانة ونحن ما اعتدنا يوماً على الإهانة…