المجتمع وهدى الله بين الواقع المر وطموح قائد الثورة (3)
إب نيوز ٩ سبتمبر
منير الشامي
أولى قائدُ الثورة اهتمامه الكبير بنشر الثقافة القرآنية في الوسط الرسمي، وحدّد دوره في تحقيق هذا الهدف، وكذلك حدّد الأطراف الرسمية التي يقع على عاتقها مسؤولية توعية المجتمع؛ باعتبَار ذلك هدفها الرسمي ووظيفتها الأَسَاسية ومهمتها الجوهرية، وأهمها وزارة الأوقاف والإرشاد، ووزارة التربية والتعليم، ووزارة الإعلام، ووزارة التعليم العالي، ووزارة التعليم الفني والتدريب المهني، وغيرها من المؤسّسات ذات الصلة بالتعليم والتوعية المجتمعية.
فالمعروفُ أن هذه الوزارات تحوّلت في عهد النظام السابق وفي ظل الوصاية الخارجية إلى مُجَـرّد وسائل تجهيل لفئات الشعب، لا تعليم ولا تنوير بل تضليل، وأدوات تحت سيطرة أعداء الوطن سخّروها لنشر الثقافات المغلوطة والمبادئ المنحرفة للمذهب الوهَّـابي التكفيري، ولخدمة مشاريع قوى الاستكبار والإجرام التآمرية بالعالم هي وأنظمة العمالة الخليجية المنبطحة لها والمسبحة بحمدها ليس في اليمن فحسب بل في جميع الدول العربية، ونفذوا مؤامرتهم هذه عبر المؤسّسات الرسمية التابعة لهذه الوزارات، كالمساجد والمدارس والمعاهد والكليات الجامعية وعبر أجهزة الإعلام ومؤسّساته المختلفة، المقروءة والمسموعة والمرئية.
فتم تغيير المناهج الدراسية للمؤسّسات التعليمية في مختلف مستوياتها على مراحل متتالية وفقاً لرؤية النظام الصهيوأمريكي، وتحوّلت كُـلُّ منابر المساجد وكل منابر الإعلام الرسمي إلى أبواق تضليلية للوهَّـابية وللأيدولوجية الصهيوأمريكية، حتى أصبح ملايين اليمنيين من مخرجاتها يدينون بدين أعداء اليمن من اليهود والنصارى والمنافقين، ومُجَـرّدين عن هُويتهم الإيمانية وعن أصالتهم اليمنية والعربية، ولولا ظهور المشروع القرآني لكان اليمنيون يحملون العلم الإسرائيلي بدلاً من صرخة الشهيد القائد، مثلهم مثل إعراب السعودية والإمارات ومن على شاكلتهم، وكان موقف العقلاء منهم كموقف بقية الشعوب العربية ملتزمين الصمت عن كُـلِّ الإجرام الذي تمارسه أمريكا وإسرائيل وأنظمة النفاق التابعة لهم، في حق العرب والمسلمين، ولأصبح ولاؤنا اليوم لهذه الأنظمة المستكبرة، والمجرمة.
وهذه حقيقة لا يمكن أن ينكرها أيُّ يمني، فالفضل بعد الله سبحانه وتعالى يرجع فيما نحن عليه اليوم من العزة والكرامة والتمسك بهُويتنا الإيمانية، والاعتزاز بها وبأصالتنا اليمنية والعربية كان ولا يزال وسيظل للشهيد القائد -رضوان الله عليه- ولقائد الثورة -يحفظه الله- وللمشروع القرآني وكل الذين حملوه تحت قيادتهما الحكيمة، فهؤلاء هم من حملوه وأوصلوه إلينا بعد أن دفعوا أعظم وأغلى التضحيات، وقاسوا لقرابة العقدين من كُـلِّ أنواع الظلم والجبروت، وخاضوا غمار أعتى وأشد الحروب التآمرية التي شنوها عليهم.
ولذلك فإن على تلك الوزارات أن تقومَ بمسؤوليتها اليوم في توعية المجتمع وتنويره وفقاً لرؤية المشروع القرآني بكل فئاته، وأن تبذل جهوداً مضاعفة للتكفير عما قامت به في الماضي في خدمة أعداء الله والوطن والشعب، وهذا أمر بديهي؛ باعتبَاره من صميم مهامها الرسمية وواجباتها الوظيفية وجوهر رسالتها المجتمعية.
وهو ما وجّه به قائدُ الثورة -يحفظه الله- مراراً وتكراراً، وما زال يوجه الحكومة والسياسي الأعلى بتوجيهاته الحكيمة للجانب الرسمي، والتي لو نفذت كما يأمل لنتج عن ذلك نقلة نوعية لوعي المجتمع وتصححت ثقافته خلال عامين أَو ثلاثة بالكثير، وسأذكر هنا أهمَّ توجيهاته للقطاع الرسمي في هذا الصدد على سبيل الاستدلال وليس الحصر فيما يلي:-
1- توحيد الخطاب الديني في مختلف المنابر الدينية والإعلامية وفقاً للرؤية القرآنية، والنأي عن كُـلِّ أشكال التعصب والتطرف والعنف والكراهية والتحريض.
2- حمّل جميعَ علماء اليمن من الشوافع والزيود وغيرهم في لقاءاته بهم وفي خطاباته ومحاضراته مسؤولية أداء الأمانة المعلقة برقابهم تجاه المجتمع وحثهم على أدائها في تعليم المجتمع وتوعيته وتصحيح ثقافته المغلوطة وفقاً لرؤية المشروع القرآني.
3- وجّه وزارةَ الأوقاف بالإشراف على المساجد وتوحيد خطبتي الجمعة فيها وطباعتها وتوزيعها والتأكّـد من وصولوها لجميع الخطباء، وبما يكفل لبيوت الله أن تصبح دوراً للتقوى لا بيوت ضرار وإضرار بالمجتمع ومنابر للفرقة والاختلاف.
4- الاهتمام بالمنابر الإعلامية في مختلف وسائل الإعلام، وإثراؤها بالبرامج الهادفة والنابعة من ثقافة القرآن، وبما يكفل من تصحيح مسارها التنويري في توعية المجتمع وتصحيح ثقافته المغلوطة التي تكدّست خلال عقود من الزمن من خارج الثقلين.
5- تصحيح المناهج التعليمية لجميع المراحل الدراسية في التعليم الأَسَاسي والثانوي والتقني والجامعي، وحذف كُـلّ المواضيع التضليلية التي تتنافى مع نصوص القرآن والهدي النبوي الصحيح المتوافق مع كتاب الله التي دست بالمناهج في الماضي، وإثراؤها بكل المواضيع المتضمنة لمبادئ وأَسَاسيات ديننا الحنيف القرآني، بحيث تقوي ارتباط النشء بالله وتولد الثقة به وتدفعهم نحو حسن التوكل عليه وتنمي يقينهم به وترسخ الهُوية الإيمانية في نفوسهم، وبما يضمن إعداد أجيال قوية متسلحة بالإيمان والوعي القرآني ومتحَرّكة وفق أوامر الله ونواهيه محصنة من كُـلّ استهدافات أعداء الأمة وقادرة على صدها وإفشالها وعلى حمل المسؤولية وعلى تأديتها وعلى مواجهة أعداء الله وفي سبيل نيل رضا الله سبحانه وتعالى.
فهذه هي بعض توجيهات قائد الثورة المستمرة للقطاع الرسمي من عام 2015م ولا زال مردّداً لها حتى اليوم، والمفروض أن المواطنين اليوم بعد مرور ستة أعوام من بداية توجيهه يقطفون ثماراً ناضجة وملموسة وبمستوى عالٍ لهذه التوجيهات الحكيمة في مختلف المحافظات المحرّرة ومديرياتها وعزلها وقراها، إلا أن الواقع يقول غير ذلك، فالتفاوت في ثمارها كبير بين محافظة وأُخرى ومن مديرية إلى مديرية، بل هناك مديريات وأرياف ربما لم ترَ حتى ثمرة واحدة، وما زالت على سقف النظام السابق وعلى الحال الذي أرادت الوصاية الخارجية أن تكون عليه، وهذا الوضع يوضّح الفرق الشاسع بين واقع المجتمع المر وطموح قائد الثورة الذي تعكسه جهودُه العظيمة التي لا زالت على وتيرتها منذ وهلتها الأولى..
فما سبب ذلك ومن المسؤول؟ وما هي العوائق ومن يقف وراءها؟
وهو ما سنتناولُه في المقال القادم والأخير بإذن الله تعالى.