من وحي الخالدين .
إب نيوز ١٢ سبتمبر
سعاد الشامي
إن طبيعة الحق دائما تخالف طبيعة الباطل والصراع بينهما حقيقة جلية لايمكن انكارها ، والمسؤولية التي كلف الله بها عباده هي مقاومة الباطل ونصرة الحق لذلك لايجوز في دين الله الخوف والهروب من هذا الصراع بل لابد من البحث عن الحق في أي صراع للتمسك به والبحث عن الباطل لمحاربته.
أهل الحق في كل زمان ومكان هم من يتميزوا بسمو الغايات وشريف المقاصد ونبل الأخلاق وقداسة المبادئ ويسلكوا مسالك العزة والحرية والكرامة ويرفعوا بيارق النصر بقوة العمل والجهاد وبمنهجية العطاء والتضحيات.
وفي مشوار الصراع الأزلي بين الحق والباطل برزت ثورة الإمام الحسين بن علي عليها السلام فكانت ومازالت نهج الحق لكل المؤمنيين الأنقياء ودرب التحرر من كل طواغيت الأرض ومشعل الحرية لكل الثائرين والذي عجز أهل الباطل إطفاءها أو اخماد جمرها وكيف لاتكون كذلك ودماء الحسين الزكية وقودها وطاقتها.
ظن الطاغية يزيد أنه انتصر ذلك اليوم وقضى على مسيرة الحق بقتل الحسين بن علي عليهما السلام وكل ابنائه ومن كان معه من أهل البيت ولكن تدابير الله وحكمته كانت تسير عكس نواياهم ، فلقد تركوا علي بن الحسين ذلك اليوم لما رأوه من ضعف فيه وأصفرار ظنا منهم أنه في حكم الأموات وليس شفقة عليه لمرضه وسن صغره فقد قتلوا من كان أصغر منه ورميا بالسهام !
ومن صلب علي بن الحسين خرج الإمام زيد عليهما السلام ليكمل مشوار جده ويقوم بثورة جديدة هي امتداد لثورة كربلاء والمحطة الثانية لانتصار الدم على السيف وبعد مرور “62” عاما من ثورة جده السبط.
خرج الإمام زيد عليه السلام إلى الشام وهو العالم المجاهد المدرك مسؤوليته أمام الله في انتهاج درب الحق ومقارعة أهل الباطل ومناهضة الظالمين واصلاح حال الأمة واحياء مبادئ الدين الاسلامي الذي كان قد شارف بنو أميه على دفنها وطمس معالمها.
وصل الإمام زيد بن علي عليهما السلام إلى الشام في عهد الطاغية هشام بن عبدالملك والذي ضاق ذرعا بتواجد هذا النجم المحمدي لما يعلمه عنه من غزارة علمه وحلاوة منطقه وكمال بيانه وحسن اخلاقه ومثل هذا الشخص لن يسكت عن ظلمه وفجوره وفسقه وفساده وكيف لاوشعاره عليه السلام ” والله مايدعني كتاب الله أن أسكت ” .
لم يدخل الإمام زيد على مجلس هشام سوى ثلاث مرات ولكنه في كل مرة كان يلقنه درسا قاسيا وهو يصرعه بمنطق الحق والحكمة وبلغة القوة الإيمانية ففي المرة الأولى قال مقولته المشهورة ” والله ماكره قوما حر السيوف إلا ذلوا” وفي المرة الثانية قال مقولته العظيمة ” من أحب الحياة عاش ذليلا” وفي المرة الثالثة صرخ في وجه هشام بعد أن امر حاشيته بإخراجه قائلا له ” ساخرج ولن تجدني والله إلا حيث تكره ” .
وفعلا خرج الإمام زيد عليه السلام من مجلس هشام إلى حيث يكره هشام وكل الطغاة من أمثاله ، خرج الإمام زيد إلى الشام في البداية ناصحا لله وداعيا إلى دينه وهاديا إلى الحق وآمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر ، إلا أن هشام بتعنته وجبروته أجبر الإمام زيد عليه السلام أن يختصر المسافة ويعدل عن الجهاد بالكلمة إلى التحرك الجاد واشعال شرارة الثورة المباركة ، فتحرك عليه السلام بمنهجية ثورة جده الحسين وفي نفس الطريق ، وهو يحمل نفس المشروع وعلى ذات المبدأ في مواجهة قوى الجبروت والاستكبار.
تحرك الإمام زيد بن علي عليهما السلام وأطلق ثورته في أصعب الظروف ودولة بني امية في أوج قوتها وعنفوانها وقد سيطرت على العالم الاسلامي في ظل وضع قاتم يسوده الخضوع والخنوع والكل يعيشون حالة الاستسلام المطلق للامر الواقع ، لايجرؤء أحد أن يعارض أو يحتج على مايقوم به بنو اميه في ظل انحراف عن كل قيم الدين ومبادئه وقواعده.
خرج الإمام زيد عليه السلام في الثاني والعشرين من شهر محرم وكان ذلك ليلة الاربعاء وفي صباح ذلك اليوم لم يكن قد وافاه ممن بايعوه سوى مائتين وثمانية عشر رجلا من عشرات الآلاف الذين كانوا قد بايعوه سابقا ، فادرك حينها حالة التخاذل في الأمة وأيقن بأن الغالبية العظمى ممن بايعوه نكثو بيعتهم له وآثروا حياة الذل والخنوع على حياة العزة.
لم يتراجع الامام زيد عليه السلام في قراراه بل استمر هو ومن صدق معه من القلة المؤمنين وبامكانياتهم القليلة في مواجهة جيش الطغاة الذي بلغ قوامه اثناعشر الف مقاتل في معركة أستمرت ثلاث أيام ، قتل في أول يوم منها مايزيد عن الفين مقاتل من جيش بني امية ولكن نتيجة الخذلان وقلة الناصر وكثرة العدو تغيرت موازين المعركة وفي نهاية يوم الخميس أصيب الإمام زيد عليه السلام بسهم في جبينه وادرك بلوغه الشهادة وأوصى ابنه يحيى بمواصلة الثورة من بعده وبمجرد نزع السهم نال عليه السلام الشهادة ودفن جثمانه الطاهر ولكن عندما عرف الاعداء مكان دفنه اخرجوه وقطعوا رأسه كماقطع رأس جده السبط وطافوا به البلدان كما طاف اسلافهم برأس الحسين عليه السلام ، لينتهوا في الأخير إلى احراق جثته الطاهرة والرمي برمادها إلى نهر الفرات .
أستشهد الامام زيد عليه السلام وبقيت القيم والمبادئ التي ارساها في ثورته المباركة ومشروعه التحرري ليجسدها أهل الحق في مواجهة أهل الباطل في كل زمان ومكان ولتمتد آثارها وأهدافها عبر العصور وإلى كل الاجيال .
ومن فضل الله على أهل اليمن أنهم تشربوا حب الامام زيد فاتخذوه إمامهم ورمزا لمذهبهم وهاهم اليوم يحملون مبادئه ويجسدون ثورته في واقع حياتهم وفي مواجهة طغاة هذا العصر من المعتدين الذين استباحوا ارضهم وعرضهم ظلما وجورا وبلا وجه حق.
هكذا هي ثورة الإمام زيد عليه السلام الاكاديمية التحررية للليمنيين والتي يتخرج منها وللعام السادس العظماء في زمن الذل والانحدار والأبطال في زمن الضعف والانكسار.