الدم اليمني في ” بورصة ” الإعلام الدولي .
إب نيوز ١٢ سبتمبر
عبدالله علي صبري
بهدف التّعتيم على جرائمها في اليمن، اتجهت الرياض إلى إدارة حملة علاقات دولية اعتمدت على مخاطبة الغرب بلغة تختلف عما هو سائد في القنوات والوسائل الإعلامية العربية الممولة سعودياً وخليجياً. وبالفعل، تبنَّت وسائل الإعلام الغربية وكبريات الصحف البريطانية والأميركية الرواية السعودية للحرب على اليمن، التي زعمت أنها جاءت استجابة لطلب ما يسمى بالرئيس الشرعي في مواجهة الانقلاب الحوثي وفق زعمهم.
وعندما تكشفت الجرائم والانتهاكات المتوالية التي ارتكبها تحالف العدوان السعودي الأميركي بحق المدنيين، وظهرت أصوات خجولة تدعو إلى إيقاف الحرب، وإغاثة اليمنيين، وحثّ أطراف الصّراع على التفاوض والبحث عن حلّ سياسيّ، لزمت الصحافة أو “الإعلام الحر” في الغرب أيضاً الصمت المريب.
هيلجا زيب-لاروش، مديرة معهد “شيللر” الدولي، تنبّهت إلى الموقف الإعلامي في الغرب من حرب اليمن، فقالت في كلمتها المقدمة إلى مؤتمر برلين الّذي عُقد في 25 شباط/فبراير 2017، تحت شعار “جرائم الحرب المنسية في اليمن”: “لم يفضح النفاق الذي لا يُحتمل لمن يسمى بـ”الغرب الحر” شيئاً سوى الامتناع عن التغطية الإعلامية لجرائم الحرب التي ترتكب يومياً ضد الشعب اليمني منذ عامين…”.
وتساءلت في الكلمة نفسها: أين كل أنصار “التدخلات الإنسانية” الذين يحرّضون على الحرب تلو الأخرى، بذريعة الدفاع عن حقوق الإنسان، ولكنها مبنية في حقيقة الأمر على الأكاذيب؟ أين التقارير الصحافية حول قصف مجالس العزاء والمستشفيات، واستخدام القنابل العنقودية المحرم استخدامها دولياً، وموت ما يزيد على ألف طفل أسبوعياً بسبب الأمراض التي يمكن الوقاية منها؟ أين الاحتجاجات على التدمير المنهجي للتراث الثقافي والإرث الإنساني العظيم؟
لكن مع إعلان الأمم المتحدة أنَّ اليمن يشهد أكبر كارثة إنسانية في العالم بفعل الإنسان، كان على كبريات وسائل الإعلام الغربي أن تعالج حضورها المتأخّر في اليمن، وتكثّف التغطية الإعلامية بخصوص المأساة الإنسانية فيه. وإذا كانت المنظمة الدولية قد رفعت صوتها، فإنما بهدف ابتزاز التحالف السعودي، وجلب المزيد من الدعم المالي لأنشطتها وللمنظمات التابعة لها في اليمن (علماً أن الجزء الأكبر من الدعم الأممي يذهب إلى نفقات تشغيلية ورواتب ضخمة لكبار موظفي الأمم المتحدة في اليمن، وعلى رأسهم المبعوث الأممي).
ولأنَّ تحريك الرأي العام في الغرب يتطلّب المزيد من تسليط الأضواء على معاناة الأطفال في اليمن، فإن جرائم التحالف السعودي تكفَّلت بالمهمة، حين تعمَّد طيرانها استهداف منزل أسرة الطفلة بثينة الريمي في العاصمة صنعاء، في جريمة إبادة مضافة إلى السجل السعودي الأسود في اليمن، فقد طافت صورة بثينة – وهي الطفلة الناجية الوحيدة من آثار الغارة الجوية – معظم الوسائل الإعلامية والغربية، باعتبارها رمزاً ودليلاً على مأساة الحرب في اليمن…
المجاعة المتصاعدة كانت أيضاً مدخلاً إنسانياً لتعاطي الصحافة الغربية مع جرائم السعودية وحربها على اليمن. وقد انفردت صحيفة “نيويورك تايمز” بنشر تقرير مهم عن مأساة اليمن بفعل العدوان السعودي، مع صور حصرية ومأساوية لحالة المجاعة التي تفتك بحياة الأطفال، ومن بينهم الطفلة أمل حسين ذات السنوات السبع، والتي قال التقرير إنها لفظت أنفاسها الأخيرة بسبب الجوع… وحظي التقرير والصور المصاحبة له باهتمام كبير في مختلف وسائل الإعلام الدولية، التي طالب كتابها بإيقاف الحرب المدمرة في اليمن.
وكان لافتاً في تقرير الصحيفة الأميركية إشارتها إلى تزايد الانتقادات للحرب التي تقودها السعودية، والضربات الجوية التي أسفرت عن مقتل آلاف المدنيين في حفلات الزواج والمآتم وباصات نقل الطلاب؛ تلك الضربات المنفذة بالقنابل والاستخبارات التي تحصل عليها السعودية من الولايات المتحدة، كما ذكر التقرير.
لاحقاً، فجّرت أزمة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي بتلك الطريقة البشعة موجة سخط سياسية وإعلامية اجتاحت الكثير من دول العالم، الأمر الذي سمح بالمزيد من تسليط الأضواء على جرائم النظام السعودي بحق الإنسانية في اليمن، والمطالبة بإيقاف الحرب والمأساة الإنسانية الناجمة عنها، فقد تصاعدت حدة المواقف السياسية المناهضة لهذه الحرب، وتصاعد معها الاهتمام الإعلامي باليمن الذي تصدر نشرات الأخبار ومحادثات المسؤولين والقادة الغرب، على عكس التجاهل الذي كان سائداً قبل عملية الاغتيال.
كما أنّ المبادرات والقرارات التي اتخذت من بعض البلدان الأوروبية والمؤسسات الدولية، أكدت أن تغييراً واضحاً كان السبب فيه مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي بات يسيطر على كل القوى الدولية تجاه الأزمة اليمنية، ومن ذلك إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وتأكيده أنَّ قضية مقتل خاشقجي يمكن أن تتيح فرصة لإيجاد حل سياسي للحرب في اليمن…
وللتّخفيف من الضّغوط الكبيرة التي واجهت النظام السعوديّ وجعلته محشوراً في زاوية حرجة، بادرت الإدارة الأميركية إلى طرح أفكار تتعلَّق بالسلام في اليمن، وحظيت هذه الأفكار بترحيب غربي في فرنسا وبريطانيا والأمم المتحدة، بل وحظيت بترحيب من طرف صنعاء وحكومة الإنقاذ، مع التحفظ على بعض مضامينها المخادعة.
ففي 30 تشرين الأول/أكتوبر 2018، دعا وزير الخارجية الأميركي مايكل بومبيو جميع الأطراف إلى دعم المبعوث الأممي في إيجاد حلّ سلميّ للصراع في اليمن، استناداً إلى المراجع المتّفق عليها. وقال في بيان صحافي: “لقد حان الوقت الآن لوقف الأعمال العدائية، بما في ذلك الهَجَمات الصاروخية والطائرات من دون طيار، على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة”. مضيفاً: “في وقت لاحق، يجب أن تتوقف الضربات الجوية للتحالف في جميع المناطق المأهولة بالسكان في اليمن…”.
في الختام، أدت هذه الضغوط إلى جمع الأطراف اليمنية في دولة السويد، والتوصل إلى اتفاق ستوكهولم، الذي وضع حداً للحرب على مدينة الحديدة، وفتح آفاقاً لإمكانية إنجاز اتفاق سياسي أشمل، الأمر الذي ترجمته وسائل الإعلام في نشراتها، وفي الكتابات والتقارير والاستضافات التي ركزت على المشهد اليمني، وساعدت على صرف الأنظار عن قضية مقتل خاشقجي وتداعياتها على الداخل السعودي، غير أن حرب اليمن دخلت مرحلة جديدة من النسيان، ولم يعد هناك متسع من الألم أو الضمير لدى الصحافة في الغرب، ما يتوجب على اليمن، وبمساندة من الإعلام المقاوم، البحث في استراتيجية إعلامية مغايرة، ينصبّ اهتمامها الرئيسي على تحريك الرأي العام الدولي وإثارته، وتوظيفه باتجاه إيقاف العدوان والحصار، وإدانة الجرائم التي يرتكبها تحالف العدوان السعودي الأميركي بحق المدنيين، ويراد لها أن تمر من دون عقاب.