لا شك أن ثقافة المقاطعة الكلامية أثناء النقاشات أو الحوارات والتفاوضات تعد ظاهرة غير حضارية بل يترتب عليها تعطيل فهم وترجمة أي قضية يدور الحوار أو النقاش حولها.
تبرز هذه الظاهرة كإدمان لدى البعض خصوصا من يعانون من الأمية الثقافية والسياسية وغيرها ويمارسونها دون إدراك نظرا لهذا السبب أو من لديهم غرور ونبرة تعال على الآخرين ليوهم ذاته أنه عندما يبرز منه هذا السلوك يقول عنه الآخرون إنه بطل غير مدرك أن ذلك يقلل من احترامه.
لكن ممارستها من قبل المتحررين من الأمية خصوصا عندما يكونون من نخبة المجتمع تعد كارثة بحق الشخص الذي يصدر منه هذا السلوك غير الحضاري و بحق المجتمع بشكل عام.
هذا السلوك حين يبرز من شخص ليس أمياً يصبح جزءاً من الآليات الاستهدافية غير المباشرة للمشاريع الثقافية والتوعوية والتنموية، ويفضي لقطع الرسالة التي يقدمها المثقف نحو التقدم والتنوير.
المقاطعة والفوضى الكلامية عندما تصبح إدماناً وسلوكاً لدى بعض الناشطين في الوسط الثقافي والإعلامي والسياسي والثوري تعد ظاهرة تدميرية للأفكار التي تخدم التنمية الفكرية وتصنف ضمن مشاريع السحل الداعشي.
تعد ظاهرة معادية لمشاريع التطور الموجهة لبناء الإنسان وتعَّمق الجهل والتوحش، وهي أحد التحديات التي تواجه قوى ثورة ٢١سبتمبر الأمر الذي جعل قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي ينصح بمكافحة هذه الظواهر ويكرر نصحه بتوعية العامة وإيصال رسائل الإنقاذ الثورية لكل شرائح المجتمع لأن قائد الثورة لديه إدراك متقدم ووعي مستنير بهذا الصدد، وما علينا سوى نقل نصائحه إلى حيز التنفيذ ويستحسن أن لا يفهمها البعض بشكل مشوه، كون الفهم المشوه تكون مخرجاته مشوهة.
المقاطعة الكلامية – كما أسلفت – هي فعلا هدامة و تسعى المطابخ الصهيوأمريكية لتسويقها ونشرها كمادة استهلاكية وناعمة في بلدان العالم الثالث، وبتعبير أدق هي ضمن مشاريع الحرب الناعمة التي تأتي من مستودعات الإمبريالية بشقيها الغربي والعربي وتندرج في إطار مشاريع التدمير المصنَّع في واشنطن، أي الذي تم تسميته قبل عقدين من الزمن ( مشروع شرق أوسط جديد يقوم على قاعدة تقسيم المقسَّم والفوضى الخلاقة ).
لهذا نقول إن هذا السلوك (المقاطعة الكلامية) ونبصم بالعشر هو إحدى الآليات المبطنة لتسويق الفوضى الخلاقة التي أنتجتها المطابخ الأمريكية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هناك متأثرين بهذا الفيروس ويحملونه دون أن يدركوا وجوده لديهم، بل يتجلى من خلال سلوكياتهم كما نشاهدها في بعض وسائل الإعلام عندما تستضيف عناصر مدعشنة فتجد طرحهم ونقاشهم يتسم بالمقاطعة الكلامية والفوضوية غير الحضارية.
ينبغي أن ندرك ولنأخذ ببالنا أن إدمان أي شخص متأثر بالمقاطعة الكلامية فإن ذلك إما مؤشر على درجة حقده على رموز التنوير وعلى من يحملون رسالة التقدم وتأكيدا أنه لا يحترم مشاعر الآخرين ومن لا يحترم مشاعر الآخرين بهذا السلوك غير الحضاري فهو لا يحترم القيم الجميلة والنبيلة التي تضع كل اعتبار لآدمية الإنسان كإنسان، أو أن لديه عقماً فكرياً وتصحراً ثقافياً.
هذه الظاهرة لو نقبنا عن الفئات التي تأثرت بها سنجد أن الكثيرين أصبحوا مدمنين على هذا السلوك الهدام، فقد يكون بعضهم مسؤولين عن مؤسسات عامة أو خاصة حتى في المنابر الثقافية والإعلامية.
هذه الظاهرة أصبحت لها برامج ومؤسسات إعلامية تسخِّر جزءاً من نشاطها لنشرها على سبيل المثال، ومن يشاهد برنامج فيصل القاسم على قناة الجزيرة سيجد أن ذلك البرنامج يصب نحو نشر هذا السلوك عبر المنابر الإعلامية، ليتماشى مع مشروع واشنطن ( شرق أوسط جيد، وفوضى خلاقة ) وهنا تكمن سموم المطابخ التغريبية لكيان صهيون. والمؤسف أن بعض المنتمين إلى سلك الإعلام اصبحوا متأثرين بهذه الظاهرة، فتحولت إلى سلوك إدماني لدى بعض الإعلاميين هذه وجهة نظري الذاتية وترسخت لدي قناعة عنها بعد أن لمستها مطلع التسعينيات في وسائل الإعلام وهي تبث المناظرة التي كانت بين الدكتور اليساري فرج فودة والداعشي الشهير أيمن الظواهري الذي حشد جموعه التكفيرية إلى قاعة المناظرة فكانت مهمة الحشد التكفيري مقاطعة الحديث الذي يرد على لسان الدكتور فودة ورشقه بالتكفير لأنهم عجزوا عن مقارعته الحجة بالحجة وأخرس هراء الداعشي الظواهري وهنا ترسخت لدي قناعة عن كيف تستخدم هذه الظاهرة وسيلة لسحل الحقيقة وتوسعة الأفكار التقليدية وعلى رأسها المتوحشة وفي ذلك الحين كانت وسائل الإعلام قد بثت تلك المناظرة الشهيرة بما فيها المؤسسات الإعلامية للحزب الاشتراكي الذي كنت ناشطا في قطاعه الطلابي آنذاك ونظرا لقوة حجة الدكتور فودة حين فضحهم وتمكن من تعريتهم ببراهينه الساطعة وطرحه الحضاري وانتصاره على ذاك الداعشي الظواهري، ولهذا السبب قرر التكفيريون في ذلك الحين تصفية فودة وفعلا تم اغتياله، لأن الايدلوجية الداعشية تومن بسحل أدمغة التنوير المتسلحين بالمعرفة، لأن وجودهم ليس في مصلحة مشاريع التكفير والتفجير المتوحشة، ولو نظرنا لدور الشهيد -حسين الحوثي- حين كشف حقيقة مطابخ الغرب وأدواتها المتعددة على رأسها الداعشية، شنت عليه حروب وحشية من قبل أمريكا والنظام والدواعش حتى اليوم لأن الشهيد تسلح بالمعرفة والغزارة الثقافية ومثل شخصية قائد مستنيرا لإنقاذ أمة، فسلام الله عليه.
بالتالي أعتبر من وجهة نظري أن التسلح بهذا السلوك هو جزء من أيدلوجية السحل الداعشي لكل ما هو جميل على اعتبار أن السحل الداعشي أنواع مباشرة وغير مباشرة، فمنه السحل الدموي المباشر المتمثل بقتل البشر والتلذذ بعذاباتهم والتمثيل بجثثهم كما حدث في محافظة تعز، والسحل الآخر أي غير المباشر هو سحل الأفكار التنويرية والإنقاذية للمجتمعات الغارقة في صراعات وفساد وكل ما هو مضاد للتنمية.
تبرز مؤشرات المصابين بالفيروس من خلال المقاطعة الكلامية في المجالس والأندية بطابعها الفوضوي مع أن البعض ممن عرفتهم قريبا ينظر إليهم عامة الناس على أنهم نخبة المجتمع، لكنني صُدمت عندما تعرفت على بعضهم فوجدتهم مدمنين على ثقافة المقاطعة والفوضى الكلامية ،هذا ما جعلني أمقت وأزدرئ وأنتقد سلوكهم هذا وفي نفس الوقت أشفق عليهم لأن لدى بعضهم فائض من الغباء، فكأن ذلك دافعا لأن أكتب هذه السطور انطلاقا من ثوابت حضارية وأيضا قرآنية ترتكز على قاعدة “لقوم يفقهون.. يتأملون.. يعقلون”.. ولأن ضميري الإعلامي والثقافي والوطني والإنساني يحتم عليَّ نقد هذه الظاهرة غير الحضارية، لأن النقد الإيجابي شيء محمود لمن يحتكم لعين العقل والمنطق، وطالما أن هذه الظاهرة صنعت في الغرب لنشر الجهل في الشرق الأوسط علينا أن نكافحها وفقا لمشاريع مدروسة، وقد يكون نقدنا لهذه الظاهرة وسيلة لمواجهة مشاريع التطبيع مع الكيان الصهيوني ولإعادة ترميم الذات لمن هم مصابون بهذا المرض الإدماني باعتبار أن مشروع ٢١ سبتمبر يحمل في طياته مكافحة المشاريع الفوضوية التي تحدث عنها السيد القائد، عبدالملك الحوثي بعد أن نبه عليها الشهيد القائد حسين الحوثي -سلام الله عليه-.
لكن صدق البردوني حين قال:
ومسافرون بلا وداع
واصلون بلا تحية
حزم من الشَّعر المسرَّح
والعيون الفوضوية
كتلا من الأسمنت
لبست جلودا آدمية
فرحمة الله على شاعرنا الراحل البردوني.
على هذا الأساس أكرر قولي إن هذا السلوك يقاس بعين العقل.. إنه جزء من القتل الممنهج للجمال وللتطور والقيم الإنسانية.
هذا السلوك هو جزء من الأيدلوجية الوهابية المتوحشة التي تتنامى بصفة مستمرة، ومن المسلَّمات أن الذي يمارس المقاطعة والفوضى الكلامية في بلدنا وبالذات عندما يكون مسؤولا عن مؤسسة ثقافية أو إعلامية ومحسوباً على هذا الوسط خصوصا في هذه المرحلة التي تشهد فيها عدوانا بربريا يستهدف الأرض والإنسان منذ ٥ أعوام فهو مع العدوان وحليف لداعش حتى وإن حلق الذقن والشنب، فشعر ذقنه داخل الفم بين السنون.
كما يؤسفني أن نلمس تنامي هذا السلوك بشكل إدماني من قبل المحسوبين على الوسط الثقافي والإعلامي، لأن ذلك يستهدف المشاريع الثقافية الجميلة لثورة ٢١ سبتمبر.
لو نظرنا لهذه الظاهرة غير الحضارية كيف حلت على بلدنا وكثير من البلدان بعد أن أصبحت معدية سريعة الانتشار وتندرج ضمن آليات العدوان عبر نوافذ الحرب الناعمة سنجد أن السلطة ما قبل ٢٠١٤م التي لازالت مخالبها قائمة وتشارك تحالف العدوان في استهداف بلدنا منذ أكثر من ٥ سنوات وحتى اليوم كونها هي من كرَّست هذه الظاهرة.منهجا وسلوكا، فأصبحت تدميرية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
مع أن مكافحتها مشروعة من خلال ثورة ٢١سبتمر وتحتاج مزيدا من المشاريع المدروسة أولا لتشخيصها في الوسط الثقافي والإعلامي باعتبار أن ذلك يكفل المكافحة لثقافة الوهابية المتوحشة بكل أنواعها وأحجامها وألوانها على أن تخضع لتصويب دقيق وعميق باعتبار أن الثورة ضد هذه الظاهرة ( المقاطعة والفوضى الكلامية ) جزء من الانتصار للوطن وضرورة ملحة يفرضها واقع اليوم لمواجهة عدوان دول التحالف والأجندات الداعشية التابعة والمساندة لهذا العدوان..
وباعتبار مكافحتها هو محور الارتكاز لمواجهة مشاريع التطبيع مع الكيان الإسرائيلي خلال هذه المرحلة ويعِّمق ثقافة المقاومة المضادة للصهيونية وبنفس الوقت يعزز دور محور المقاومة، كما أن المصابين بهذا السلوك “المقاطعة الكلامية” خصوصا المدمنين عليها ننصح بحجرهم إلى أن يتعافوا من هذا المرض ومن ثم إخضاعهم للعلاج، كون بقاءهم مدمنين سيجعلهم يسحلون الأدمغة الثقافية البديعة ممن لديهم إدراك بالمشاريع المضادة لثورة ٢١.
نصيحتي لمن هم مصابون بهذا الوباء الداعشي أن يخضعوا للعلاج لدى مراكز مختصة في مشافي ٢١ سبتمبر والانتظام في تناول الجرع العلاجية..
لأن البلد بحاجة إلي مشاريع إنقاذية وبرامج مكافحة للمشاريع الداعشية برمتها، ولنترك الفرقعات السطحية ونتحرر من غرور الذات وجنون العظمة، وهو المراد والأمل لليمن وأبنائه، وتعظيم سلام لقائد أسطول ثورة ٢١سبتمبر سماحة السيد عبدالملك الحوثي.
أعذروني لعشوائية كتابتي لهذا الموضوع، والحليم تكفيه إشارة.

*فهمي اليوسفي
*نائب وزير الإعلام