ولسوف نلتقي.. 4-5 .

 

إب نيوز ٢٤ سبتمبر

ولسوف نلتقي.. 4

رويدا البعداني

مرت الأيام برتابة وفي يوما ما ضربت فكرة في قاع مخيلتها، الفكرة هي أن تصير الفراغ لعمل ناجع يفيد أهل المنطقة والأهم من ذلك أن لاتهدر وقتها عبثا. مضت نحو صديقتها مسرعة لتخبرها عما في جعبتها من أفكار، تجاذبتا الحديث وأخيرًا اتفقتا أن تقومابصنع أشياء تعود بالفائدة للمجتمع من نتاج أيديهن- أشغال يدوية- .

عادت للمنزل محصية نقودها التي تركها لها ثائر وصديقتها مثلها فعلت، ذهبتا إلى السوق لتشتريا كل ماتحتاجانه من أقمشة، ومعدات، إضافة إلى بعض الأدوات اللازمة لصنع أغذية ذات جودة عالية، وفعلا تم اقتناء كل مايسير العمل ويطوره، وماهي إلا بضعة أيام حتى توسعت دائرة العمل بشكل غير متوقع. أقبلت النسوة للمشاركة في العمل، أيضا شرع أهل المنطقة بالتوافد وشراء ماهم بحاجته وبثمن معقول على عكس الأسواق التي استعر فيها السعر في الآونة الأخيرة ناهيك عن نوعيتها الأمريكية التي كان لابد من مقاطعتها، وأخذ حد للمداولة بها.

وهكذا تم إنشاء مشروع جديد يعود بفائدة للجميع. وفي أحد الأيام كانت -صمود – منهمكة بالعمل بعد أن أكملت خياطة ثوب زهري فقط تبقى رص الخرز بشكل جميل على أماكن محدده فقررت أن تكمله في منزلها، أخذت الإبرة وباشرت بإكمال العمل وبلحظة ضاربة استعرت النبضات في جوفها، أحست بدنو شيء قريب لقلبها، شيء غاب مذ زمن وعاد ليستغفر ذنب غيابه. نعم أطل ثائر وكعادته مرتديًا بذلته العسكرية التي اختزلت في جوفها عظيم الانتصارات، زيه الذي قاتل معه إلى آخر رمق فيه، عاد ثائر لتنتشي هي وأهل المنطقة بالنصر الذي وعد الله به عباده المتقين مذ الأزل، نفشت ما بيدها من الخرز دون أن تعلم أين ستحط، ورمت الثوب بلاشعور بعد أن كان همها وراحت تعانق غائبها العزيز الذي غزاها حنينه لأشهر وحان لأن تغدو القطيعة إلى وصال.

 

 

 

ولسوف نلتقي… 5

 

حين يبلغ الصبر مداه، والشوق منتهاه، واللقاء مبتغاه، لاغرابة حينها أن تلهج أصوات الحنين أنه حيَّ على الفرح، حيَّ على الحياة، قد قامت السعادة وعاد ثائر. كانت عيناها مغرورقة بالدموع ، فهل تسيل من المقلتين فرحًا لعودته؟ أم تبكي لطول المدة التي غاب بها؟ تنفست الصعداء وراحت تسلم عليه بكل مااستطاعت من لوعة ولهفة.

حين ولج باب المنزل أخذت أرجاء البيت تتزيين فرحًا وابتهاجًا به وكأنها تتجهز لإقامة عرس بعد أن كانت ترتدي الحداد و تقيم بذلك مأتما. ما إن وطأت قدماه فناء المنزل تبرجت الأرض وكأنه ألبسها ثوب الربيع بعد أن توسدتها أطمارًا بالية خريفية لازمان لها حتى عودته. لم تصدق بعد ماتراه هل هي تحلم؟ أم أنها حقيقة وغائبها قد عاد فعلا؟ راحت تمسك به تتأكد هل هو حقيقة أم طيف يشاغبها كحال كل يوم. حينها أطال النظر في عينيها البنيتين وأمسك بيديها قائلاً:- صمودي الحسناء أنا هنا حقيقة أنا ثائر هاقد أتيت لأروي ظمأ شوقي منك، استفاقت صمود من دهشتها وحمدت الله على سلامته.

أخذت منه عتادته وكل ماكان بحوزته ودعته للاستلقاء في أحد الغرف ملقيًا وعثاء الطريق وتعبه، بعدها راحت مهرولة تجهز له المائدة التي لزمن افتقدته على مرافئها، جهزت كل شي من طعام من تنظيف وإعداد و..الخ وهو بدوره استراح وجهز نفسه من غسل وتبديل ملابس، وأخيرا اجتمعا في مائدة غزاها الحنين لشهور، كان يأكل بشهية بينما هي تتأمله في كل لحظة، يخبرها أن تأكل فتجيب:- يكفيني أن أشبع من رؤيتك وأحمد الله. يبتسم ثائر قائلاً:- أدامك الله ياكل أعماري. انتهيا من الأكل وحمدا الله غدا ثائر إلى متكئه الذي أعتدته صمود. بينما هي ذهبت لتنهي أعمال المنزل وبعدها شرعت في تجهيز نفسها لتبدو كزهرة تفتحت قبيل لحظة، أطلت عليه كعروس وكعادته يقرأ المعوذات كي لاتصاب بتعويذة. تجاذبا الحديث معا، أحاديث سماوية أجل من جل القصائد. وبعد أخبرها بشدة سير المعارك وكيف نشبت الحرب وأن ضرواتها كانت من تعيقه عن المجيء، وبعدها يسبل بعينه وقد امتلأت بالدموع مخبرا عن أولئك الضحايا والجرحى وكيف كانوا أبطالا أشاوس في ساحة المعركة رغم جراحهم وبعدها ترتقي أرواحهم شهداء، يتذكر قصة صديقة الحميم الذي ناضل لآخر قطرة من دمه وأنه قبيل أن يودعه مسك بيده وأخبره أن عائلته من بعد الآن في أمانته تقاطعه صمود لمَ البكاء ياثائر؟ فيجيب :- إنها نشوة الشهادة وفرحتها ليس إلا.

من بعد ذلك يخبرها: – أتعلمين ياعزيرتي أنكِ لم تغيبي عن ذهني ولا للحظة، مذُ ارتبطت بك أضحيت أقاتل معركتين، معركة انتصار القضية ومعركة الشوق إليكَ. ترد صمود: – وأنا ياعزيزي مافتئت انتظرك على أسنة الجبال وعلى جوانح التلال، أتذكرك في كل طلوع شمس كما الخنساء وأزد، وحين ألقاني الغياب في يم الذكرى فكرت أن أنجو من عذاب الفكر وأشغل نفسي بتأسيس مشروع يتفيأ كل الأهالي فائدته، مشروع يغطي عوز الأهل خاصة أهالي الشهداء الذين شردتهم الحرب وهكذا أكون قد منحت فرصة لكل النساء بأن يحركن رُحى الموهبة ويفدن المجتمع وأنفسهن. حينها قبل رأسها وهمس في أذنها (( أنا فخور بكِ جدًا ياقرة عيني )) صدقيني حين عزمت على أن امتطي جواد هذا الدرب كنت اعيَّ أنكِ لن تخذليني
وسوف تكونين عند حسن ظني. وفي اليوم التالي رافقها إلى مكان العمل وحين وصل أصابه الجذل مما شاهده، من نتاج وتميز وقدرة وكفاءة وهذا مازاده فخرا بزوجته المجاهدة صمود.

You might also like