عــــيد الــــمعلم .

إب نيوز ٦ أكتوبر

عــــفاف البعداني

أقبل عيد المعلم وبيده زهرة ذابلة، ووشاح أسمري الكآبة، يبدو أنه لم يأتِ للأحتفال ، بل جاء بملئ إرادته يحتفل بتراتيل بؤسه مع الأشباح، يبحث عن مجده المهزوم،و وظيفته القديمة،وراتبه النائم منذ زمن.

ومع صفو الصباح ارتدى المعلم معطفه النظيف، وأخذ كنزه الثمين “قلم أسود” وبابتسامة وضعه بجيبه الأيسر؛ مر… أمام مدرسته التي كان يعمل فيها مسبقا، وظلّ محدقا لفترة، وكأنه ينتظر مجيء تلميذ، أو طالب ليحييه ويقرأه السلام، في يوم عيده، ولكن عبثا هو يقف لم يخرج أحد؛ لأن الفصول الآن فارغة من كل شيء إلا من الدمار والعناكب، وقلة الاحترام.

لم ييأس !!… ..
اقترب من أحد الفصول المرممة، عله يجد شيء من لاوازم التقدير فوجد بعضا من الطلاب، تفاجئ كثيرا فطلابه قد تخرجوا ولم تبقَ إلا مآثرهم، قد أصبح عجوزا مغطى بالتجاعيد، وبثوب جيوبه معدمة.

اقترب أحد التلاميذ؛ ليتصدق على ذاك العجوز الواقف بصمت، وما إن اقترب التلميذ ليس ليصافح المعلم، وإنما ليخرج له مالا ميسورا ويضعه في يده!! انتفضت مشاعر المعلم وكاد أن يجهش بأنات التعب، رفض وأبدى ترفعه، فهو معلم وليس متسول!!!

مر من سيارة فاخرة…
لطالما كان يحلم بشراءها وهو شاب يافع،ولم يستطع شراءها؛ بسبب دخله المتواضع، بقي يتأمل تجاعيده ولونه الشاحب في مرآة السيارة، وبنبرة تملؤها النكران،هل أبدو فعلاً متسول؟؟

وماهي إلا هنيهة واقترب مالك السيارة مرددًا: خذ هذه (500)ريال أيها العجوز ونظف السيارة جيدا!! وبهشاشةيرد: أنا لست منظف أنا معلم!!

تراكمت عليه شضايا اليوم، وأصبحت جميع الاتجاهات تؤدي لجحيم واحد، قرر أن يعود للمنزل ولكن تذكر أن منزله لاينقصه تهاويل، فالمطبخ أصلع ولن يستطع الاحتفال.

راح ذاهبا إلى حيث لا يعرف،انتهى به المشي إلى مقبرة، رأى شابا ،بيده زهورا صبية،يقرأ وعيناه تتلألأ بالدموع.

اقترب منه المعلم متسائلا:
-هل الضريح أباك..
-لا.
-أخاك…. ؟؟
-لا.
-صديقك؟؟
-لا .
-إذا لمن هو؟؟
-إنه معلمي.
-أتحب معلمك؟؟

-أظلمه وأظلم نفسي إن قلت: لا، لقد كان نبراسي في كل نجاح، وها أنا أُقدم لزيارته في كل عيد ، ولن أكفيه قدرا إن بقيت أحبه، وأزوره دهرا بأكمله.

-حفظك الله ياولدي!!
لقد وجدت ما أبحث عنه منذُ الصباح، لقد تلقيت أطنان الشظايا في روحي، والآن عوفيت من كل شيء، كوني رأيت شخصا يقدر معلمه.

-أنت معلم صحيح!!
– كيف عرفت! ألم يخطر ببالك أني حارس المقبرة.

– لا…. لقد أخبرني قلمك الجميل همسا، بدون أن تعرف أنك معلم، هل كان صادقا معي أم أنه يكذب!!

– إن قلمي لايعرف الكذب،أنا معلم!! أنا لست متسول ولست منظف سيارات أنا معلم ، وها أنا ذا، وجدت معك عيدي الميت، حيا في أضرحة المقبرة.

تحية طيبة، مكللة بكل ماهو جميل، لكل معلم ومعلمة.

.

You might also like