ولسوف نلتقي… 9-10.

إب نيوز ٨ أكتوبر

 

ولسوف نلتقي… 9

رويدا البعداني

لازال العمل قائما، لازال الحنين حائما، لازال البكاء من مقلتي أم صماد ماطرا، كانت الريبة تساور فكرها بين الحين والآخر، أصبحت متأكدة أن ثائرا قد حدث له مكروه ولابد أن تعرف الحقيقة،ولأن الحقائق مؤلمة كانت الحقيقة التي ترنو إليها أشد إيلامًا.

هاهي في شهرها الأخير-الشهر التاسع- ولم تحظ بوصاله بعد، ارتدت عباءتها وقررت أن تبحث عنه بنفسها، وأن تسأل أصدقاءه ومن كانوا معه وعادوا بدونه، فتحت باب المنزل لتغادر وإذ بصديقتها تقطع عليها الطريق، كان محياها متخما بالحزن بعد أن تعودت اتسامه بالفرح، تتناوب الدموع جفونها بلا انقطاع، صرخت صمود بوجه شمس مابكِ تكلمي؟ ماذا حدث لثائر؟ أجابت وقد غص الحديث حنجرتها :-ثائر ارتقى شهيدًا ونال مُناه وسيتم تشيعه بعد أيام فأفرحي ولمصباك تصبري. صرخت صمود كطفل حديث ولادته لا ياثائر لِمَ فعلت ذلك؟ ظلت تصرخ وهي متسمرة في عتبة الباب بلاحراك أخذوك عني، سلبوك مني ياكرباه؟ حتى أُغمي عليها وارتمت على الأرض طريحة.

تم نقلها للمستشفى واتضح أن ولادتها قد حانت، كانت طريحة على الكرسي مخدرة بالألم وعندما شرع الطفل في الخروج كانت تصرخ أخذوك مني، تئن بصوت أجش: -ثائري أمسك بيدي وخذني أنا وابني لنعيش معا لاتتركني أنا وابني وترحل، ظلت تصارع عذاب الولادة ولهيب الوداع لساعات. وفجأة صرخ الطفل باكيًا بينما هي ارتدت الصمت وغابت عن الوعي. حملقت الممرضات فيها بخوفً أن تصاب بشيء، وصديقتها شمس كانت تحترق في الخارج متوجسة أن حدث مكروه لاسمح الله لصمود. وفجأة تبسم ثغر صمود بينما لاتزال غائبة عن الوعي أتدرون ماذا رأت؟ أتعلمون لِمَ تبسمت؟ رأت ثائرا يمسك بطفله-صماد- بفرحة عارمة، همس في أذنيه وأذن، ومن بعدها قال لها عزيرتي:-

يعز علي أن لاأشاركك هذه الفرحة المنتظرة، أعلم أن رحيلي قد زلزل أعماقك، وأن الشهور التسعة كانت قاسية بكل ماحملت، لكنها حتمية الحياة ياعزيزتي، نحن نموت لنولد من جديد، لنحيا ونمنح أجيالنا وأحفادنا شرعية البقاء، نحن ياصمود إن لم نُقاتل سنقتل وستقتلون لامحالة، نحن ياصمود لايهدأ لنا بال إلا بعد أن نأخذ بالثأر لمن تسبب في تشردينا وجوعنا وأفقدنا أغلى مانملك، لابد لجلادنا أن يُعاقب.

صمودي الجميلة: – تذكري أنني أرتقيت شهيدا بفضل الله لتولدي أنتِ وصماد من جديد، هذا الطفل الذي إحتواه جوفك سيذكرك بي أعدك بذلك، وجل ما أتمناه منك أن تربيه فتحسني تربيته، علميه أن الموت في سبيل الله حياة وأن الشهادة هي زمام الروح وسلوتها، وأني ياصمود لم أمت،أنا حيَّ في قلبك وعقلك، هيا خذيه مني وضميه لصدرك فقد حان رحيلي وآن أن تبدئي حياتك من جديد ، افيقي ياصمود، أنا لازلت حياَّ، افيقي ياصمود وما إن فتحت عينيها حتى رأت صديقتها شمسا وبيدها صماد الذي يشع من وجهه النور تماما كما رأته من قبل في حضن أبيه، أخذته لصدرها وظلت تتذكر آخر كلامه، أنا حيَّ فغدت تبستم وتقول الحمدلله، الحمدلله دائمًا وأبدًا اطمئن ياثائر فهمت مكنون الكلام، ثائري البطل أنت بداخلي حي ولم تمت وأخذته لصدرها لتنزاح عنها مشقة الولادة ولتحظى بشم رائحة ثائرها المفقودة.

في غضون أيام جرت مراسيم التشييع وكأنها عرس لا مأتم، احتشد الناس وزفوه كما ينبغي لجهاده واستبساله، وحين حملوه في صندوقه الأخضر ومروا به من جنب المنزل هبت مسرعة بعد أن سبق عبير شهادته إليها، أخذت الطفل من مهده وظلت تحدق في مراسيم التشييع تهمس في طفلها، بني أُريدك أن تكون كأبيك فهلا فعلت؟وحين اغرورقت عيناها بالدموع إذا بصوت شجي يخبرها، أن لاتبكيِ كي لاتفسدي زفته، لاتبكيِ ياصمود كي أكون بخير وكما أحببتِ أن أكون لاتبكيِ تالله وبالله سنلتقي.

ولسوف نلتقي… 10 الأخيرة

 

توالت الأيام وكبر صماد وأصبح يشبه أباه في أبهته وقوته وجهوزيته، التحق بالمدرسة وتعلم علوم القرآن، كان من أذكى الطلبة فأمه لم تقصر في شيء، من متابعة واجباته والعناية بتهذيبه، أما صديقتها شمس فقد رزقها الله بعد انتظار طويل بطفلة اسمتها صمود حبًا في صديقتها متمنية أن تحمل نفس السمات وتتسم بالحب وتتسلح بالصبر والصمود، علما بأن زوجها-غازي- لازال في معارك القتال يقاتل فلم يهدأ له بال، ولم تعرف عينه المنام حتى يلتقي بصديقه الشهيد ثائر.

في آخر العام قررت إدارة المدرسة أن تُقيم حفلا لتكرم طلابها المتفوقين، كأن أولهم صماد، أما من فئة البنات فقد كانت صمود والتي يعتبرها صماد أخته الصغرى، تم استدعاء الأمهات ومن هنا حضرت شمس وصمود، وهما من الأمهات اللاتي يضرب بهن المثل لصبرهن وتربيتهن فقد حان للزرع أن يثمر، آن موعد التكريم ونودي من قبل المدير: -صماد ثائر فليتفضل وثب للمنصة وأمسك بثمرة الجهد ومن ثم نودي على أم صماد زوجة الشهيد ثائر أن تتفضل. حين وصلت احتضنت ولدها وتذكرت أول ضمة ضمته لصدرها وكلام والده ربيه فأحسني التربية، بكت حينها وكان يصل إلى مسامعها ثناء الحضور على مافعلته وعلى جهودها الكبيرة مع ولدها وكان بكاؤهامترعً بالفرح والحزن معًا فكم تمنت لو كان ثائر حاضرا مع هؤلاء الجموع.

ما إن اكتمل الحفل وأقبل الحاضرون يقدمون الهدايا مباركين له، حتى ذهبا صوب ضريح الشهيد ثائر، بادرا بتقبيل ضريحه واستنشاق عبير ثراه، بعد قراءة ماتيسر لهم من آيات القرآن، كان صماد يقبل موطئ رجليه ومن ثم يذهب لوكر رأسه يخبره عما حصل اليوم وأقسم له بأنه سيسر على هدي القرآن وأن يكن لأمه السند والملجأ. أما صمود فقد أخذتها أمواج الحنين مدا وجزرا فحلقت بعيدا بمخيلتها وعادت بها الذكريات إلى أول لقاء وأيامها الجميلة مع ثائر، ذكريات لاُتنسى ، وما هي إلا لحظات حتى هز صماد كتفها بلطف مناديا أمي: – أذن لصلاة الظهر فلنعد إلى منزلنا. حاولت أن تستعيد جأشها لتقف من جديد، وقبل أن ترحل اقتربت منه قائلة:- ياأعز الناس وأغلاهم لا تنس وعدك لي حين قلتُ ولسوف نلتقي، نعم ياعزيزي سنلتقي وعادت إلى المنزل مع صماد متأملة أن تلتقي بثائر في يوما ما.

وفي الضفة الأخرى تم تحقيق الكثير من الإنجازات التي تعود بالربح للنسوة العاملات بفضل نتاج أيديهن العاملة ومن هنا تبين دور المرأة اليمنية واتضح للجميع مدى صبرها واستبسالها أمام غدر الظروف، وأنها ستكون أقوى مهما تكالبت قوى الشر وتلاحمت، ستبني أجيالا لاتهزم ستعلمهم وستربيهم بما يرضي الله ورسوله ستُصنع وتنجز وتجاهد، وإن أفقدتها الحرب أغلى ماكانت تملك ستبادر وتعطي ماتبقى ولو كانت روحها، هذا ماألفناه من المرأة اليمنية ولاشك أن القادم سيكون أعظم.

النهاية…

You might also like