شرارةُ ثورة 14 أُكتوبر تشتعل من جديد في جنوب اليمن.. (تفاصيل)
إب نيوز ١٤ أكتوبر
في ظل احتفالات بلادنا بالذكرى ال 57 لثورة 14 أُكتوبر1963م المجيدة المنطلقة من جبال ردفان؛ باعتبَارها ثورة تحرّرية ضد الاستعمار البريطاني والحكم السلاطيني العميل، ومن أجل حماية ثورة 26 سبتمبر 1962م والدفاع عنها؛ باعتبَار أن الثورتين كُـلّ لا يتجزأ.
واعتبار الكفاح المسلح في جنوب الوطن ضد المحتلّ البريطاني شكلا من أشكال النضال البطولي لشعبنا اليمني وهو اللغة الأكثر تناسبا مع المستعمرين الذين استخدموا أشنع وأقذر الأساليب تجاه شعبنا اليمني.
تنظيم العاصفة
تعود الخلفية التاريخية للكفاح الوطني ضد المستعمر البريطاني إلى عام 1958م إلى تجربة تنظيم (العاصفة) وهي منظمة سرية أسسها محمد عبده نعمان، حَيثُ عمل على تنظيم عدد من العناصر التي يثق بها في منظمة العاصفة للقيام بعمل مسلح ضد المواقع البريطانية ووفر للمجموعة متفجرات ومسدسات. وقد توالت سلسلة من الانفجارات هزت المستعمرة (عدن) بشكل متلاحق ابتداء من شهر مارس وحتي يوليو 1958م أَدَّت إلى مقتل ضابط بريطاني، وتلي ذلك المزيد من الانفجارات والقنابل والمحاولات التخريبية، ولمواجهة هذا التهديد للأمن أعلنت حالة الطوارئ وتم القبض على عدد من الأشخاص وتوقف نشاط المنظمة. وإزاء ذلك انشأ محمد عبده نعمان تجمعا آخر بقيادته تحت اسم (هيئة تحرير الجنوب اليمني المحتلّ) وكان مقرها مدينة البيضاء وانضم إليها عدد من الشخصيات والمشايخ من الوطنيين الذين نزحوا من الجنوب إلى الشمال لمواقفهم المعادية للوجود البريطاني ولمشاركتهم في الانتفاضات المسلحة. شكل هؤلاء قيادة للهيئة برئاسة الأُستاذ محمد عبده نعمان أجرت اتصالات مع قادة المؤتمر العمالي ورابطة أبناء الجنوب للمشاركة وَالتنسيق في عملية الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني. ومن أجل الحصول على مساعدات قام وفد يمثلها بزيارات عدد من البلدان العربية غير أن الوفد لم يحصل إلا على وعود فقط عدا جمهورية مصر فبعد مقابلة الرئيس جمال عبدالناصر قدمت مصر للهيئة كمية من الأسلحة وصلت غلى ميناء الحديدة عام 1960م لكن النظام الإمامي صادرها إذ لم تكن سياسة الإمام أحمد جادة في تحرير جنوب الوطن.
إرهاصات ثورة
وفي 24 سبتمبر 1962م قبل يومين من اندلاع ثورة 26 سبتمبر بشمال الوطن تصاعد النضال الوطني المعادي للمشاريع البريطانية إلى أوجه حين تضامنت القوى الوطنية، حَيثُ كان العمال في مقدمتهم وأعلنت الأضراب العام وتسيير المظاهرات لإفشال اجتماعات المجلس التشريعي لعدن والتي خصصت لاتِّخاذ قرار لضم عدن إلى اتّحاد الجنوب العربي لإكمال المشروع البريطاني وتشكيل دولة اتّحادية تمنحها بريطانيا استقلالا صوريا ولتظل تحت حمايتها وإبقاء القواعد العسكرية البريطانية في عدن.، حَيثُ كان لهذا المشروع أبعاد خطيرة أهمها أن يكون لدولة اتّحاد الجنوب العربي شرعية دولية تعيق تحقيق وحدة الوطن اليمني شمالا وجنوبا. واجهت المظاهرات خلال يومي 24-25سبتمبر عملية قمع شديدة فقد زحف المتظاهرون إلى مبنى المجلس التشريعي الواقع في مدينة (كريتر) بعدن وطوقوه وحالوا دون وصول أعضاء المجلس، مما اضطر الاستعمار البريطاني إلى استعمال الطائرات المروحية لإيصال الأعضاء إلى مبني المجلس لتأمين اجتماعهم كما استعانت بالجيش البريطاني الذي واجه الجماهير الغاضبة بالقنابل المسيلة للدموع والرصاص الحي مما أدي إلى استشهاد وجرح عدد من المتظاهرين وشنت الشرطة حملة اعتقالات واسعة وكان عدد من قادة المؤتمر العمالي وحزب الاشتراكي بين المعتقلين. وفي ظل اشتداد الاحتجاجات في اليوم الثالث للمظاهرات انطلقت ثورة 26 سبتمبر 1962 م في شمال الوطن وإنهائها عهد الإمامة وإعلان الجمهورية العربية اليمنية وكانت مظاهرات يوم الخميس 26 سبتمبر مختلفة فلقد شهدت شوارع عدن مظاهرات تؤيد الثورة السبتمبرية وتهتف بسقوط الاستعمار وحكومة الاتّحاد وتطالب برحيل الاستعمار البريطاني والاستقلال. لقد قلبت ثورة 26 سبتمبر الأوضاع رأسا على عقب ليس على الساحة اليمنية بل وفي الجزيرة العربية. لذا فقد تعرضت ثورة 26 سبتمبر إلى العدوان منذ الأيّام الأولي لقيامها. وكانت بريطانيا واحدة من الدول التي رفضت الاعتراف بالنظام الجمهوري وجعلت من ساحة جنوب الوطن مكانا لإيواء الملكيين وتدريبهم وتسليحهم؛ بهَدفِ إسقاط الثورة والجمهورية بل شنت عدوانها المباشر على المناطق الحدودية إدراكا منها أن النظام الجمهوري يختلف اختلافا كَبيراً عن النظام الإمامي الذي تعايش مع استعمارهم ونفوذهم في الجنوب.
تلاحم وطني
لهذا أدرك ثوار ووطنيون جنوب الوطن أن الشمال أصبح قاعدة ثورية واسنادية وخلفية للنضال؛ مِن أجلِ تحرير جنوب الوطن ولا بد من حماية ثورة 26 سبتمبر ونظامها الجمهوري. وحينما وجهت قيادة الثورة والجمهورية في الشمال نداء للتطوع دفاعا عن الثورة الوليدة حتى تدفق الآلاف من عدن إلى تعز، حَيثُ فتحت معسكرات تدريب للمتطوعين من القوات الشعبيّة التي سميت (الحرس الوطني) كما لبى النداء أَيْـضاً أبناء الأرياف من ردفان والضالع بل شمل التطوع لدفاع عن ثورة 26 سبتمبر جميع أبناء الوطن جنوبا وشمالا. تفجرت ثورة 26 سبتمبر 1962م في الشمال لتعلن قيام أول جمهورية في شبة الجزيرة العربية – وما زالت هي الجمهورية الوحيدة وتحيط بها أنظمة ملكية وراثية الحكم – فكانت فاتحة بذلك عهدا جديدًا للشعب اليمني كله في الشطرين معا.؛ لأَنَّه بعد عام امتدت شرارتها لتنطلق من جبال ردفان شرارة ثورة 14 أُكتوبر 1963م بقيادة الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتلّ والتي تعتبر ثورة 14 أُكتوبر في الحقيقة أحد مترتبات ثورة 26 سبتمبر المجيدة التي قامت وقضت على النظام الملكي الرجعي البغيض في شمال الوطن.
النضال الشعبي
لهذا جاءت ثورة 14 أُكتوبر في جنوب الوطن متزامنة أَيْـضاً مع الغليان الشعبي، حَيثُ أصبح صوت الشعب عاليا وواضحًا يطالب بنمط جديد من العمل الوطني ينظم طاقاته الجديدة نحو غايات وأهداف تحقّق آماله في القضاء على الوضع الاستعماري الرجعي الجاثم على صدره، وقد يئس الشعب من الالتجَاء إلى الأحزاب السياسية التقليدية التي كانت آنذاك موجودة في جنوب الوطن وعلى رأسها حزب الشعب الاشتراكي وحزب رابطة أبناء الجنوب العربي نظرا لتجربته الطويلة معها من ناحية ومن ناحية أُخرى فإن هذه الأحزاب لم تستطع أن تطور نفسها مع إرادَة الشعب وأصبحت متخلفة سياسيًّا ونضاليا عن طموحات الشعب ومطالبه بل أصبحت تلك الأحزاب حجرة عثرة في مستقبل جنوب الوطن.
ثورة واستقلال
وفي منتصف عام 1963م عاد المناضل راجح بن غالب لبوزة ورفاقه من المناطق الشمالية التي كانوا يدافعوا عن ثورة 26 سبتمبر 1962م ليتولى بعد الدعم من قيادة ثورة سبتمبر والتنسيق من قبل الجبهة القومية غلى ردفان لبدا في إطلاق الشرارة الأولي للكفاح المسلح ضد المحتلّ البريطاني ومع استشهاده في 14 أُكتوبر اعتبرت الجبهة القومية ذلك اليوم إعلان ثورة أُكتوبر واعتبار لبوزة أول شهيدها لتشتعل بعدها العديد من الجبهات في مناطق جنوب الوطن لتكبد المحتلّ البريطاني خسائر فادحة ويستخدم فيها المحتلّ أنواع الأسلحة ضد الثوار فقتل شيوخا وأطفالا ونساء وشرد سكانا من قراهم ودمّـرها واحرق محاصيل زراعية كحرب إبادة جماعية بحق الشعب اليمني. لذلك أدركت قيادة الجبهة القومية ضرورة فتح جبهة عدن ونقل مسرح الاحداث العسكرية وميدان المعركة إلى مدينة عدن نفسها معقل المحتلّ ومقر ادارته وحكمة حتي يسمع العالم بنضال شعب يطلب حريته واستقلاله وزرع الخوف والقلق في نفوس المحتلّ البريطاني ورفع من معنويات الثوار وفئات الشعب المختلفة التي شاركت في التظاهرات والاعتصامات وساندت الثوار فكان ذلك بداية جديدة في مسار الثورة وفي طريق الخلاص والحرية والاستقلال الوطني ليتحقّق ذلك في عيد الجلاء والاستقلال 30 نوفمبر 1967م.
YNP – علي الشراعي: