الـعائـدون
منار الشامي
مرت بمرارتها التي أمرت مرورهم في الحياة، فترة طويلة ، سنين عديدة ، أعوام متلاحقة، شهورٌ أوجعتهم وأسابيعٌ آلمتهم، أيامٍ فيها عانوا وساعاتٍ فيها ماتوا ، كل الدقائقِ تحكي أنهم حين لم يجدوا ما يسدوا به رمق جوعهم تكوروا وشدوا على بطونهم ، كافةُ اللحظات تشرحُ بِأسى أنها بكت، أنها تألمت، أنها كانت تتمنى لو يقتلعها الزمان لكي لا تسمع أنينهم ولكي لا تسترق أثناء مرورها ترانيم آهاتهم ، لم يكونوا أسرى بين من أحلوا الحرام وارتكبوا الجرائم وكسبوا المآثم واستوجبوا الإباحة، لم يكونوا بشر عند بشر فلا هم كانوا بشراً لُيرتكب بهم كلُ هذا ، ولا من ارتكبوا كل ذلك كانوا بشراً، وهكذا حنى الزمنُ كاهلهم أمام بشاعة الموقف وموقف اللإنسانية، عانوا ، تألموا ، جاعوا، حرموا من أبسطِ مقومات البقاء على قيد الحياة بالترافق مع تصرفاتٍ همجية وعدوانية وغايةً في الشر، في كلِ يومٍ يزدادون معاناةً يزدادون وجعاً .
هل ذكر التاريخ الرُعب بقصص مؤرخيه أم أن اليوم يعجزُ المؤرخ ويستسلمُ التاريخ، هل يسمى رعباً أم خيال، وهل الواقعُ والخيال يندمجان، هل هم في واقع أم في خيال تختلطُ الأمور؛ وهم الضحية .
كان الأسرى إن أُسروا في غزواتِ النبي فرحوا كون محمداً من أسرهم ، ونحن إن قيل أُسر ذاك ، أُسرت قلوبنا وتخلخلت أرواحنا وانهالتِ القطراتُ من مدامعنا، يا كرباهُ هم في الأسرِ يعانون .
أتسمون الجرائم العالمية محط إنسانية وتنسون أن الإنسانية أن تكونوا معهم، لقد كشفت لنا الحربُ الظروس التي شُنت علينا، أنهم كاذبون وليسوا بالحقيقةِ سوى متحركين في التيارات الشيطانية.
لقد أُرتكبت بحقِ أسرانا أبشعُ الجرائم وأقبحها، أسود التعامل وأدناه، أعدم التصرف وأعراه ، بينما هم يتفرجون ، يستمتعون ، يتلذذون، أسرانا في حين ظنناهم أمانة ، جعلوهم بظننا الخاطئ محطة لخوض غمار الباطل وللسعي لإتباع المنكر وللعبادة المطلقة للشيطانية الماكرة واليهودية الخبيثة ، حُسن تدبيرٍ فكرنا حين جالت أوهامنا أنهم يعاملون أسرانا كما عاملنا أسراهم ، هل يرغب العالمُ بعد كل هذا أن نسامحه ، أم يحبذ المقصرون في حماية الأمة لو توليناهم .
أنبكي نحنُ أم نترك المجال لإسفلت مطار صنعاء لأن يجعل الأرض تُمطرِ من قاعها، أننظرُ نحن إلى لحظاتِ الوصول أم نتيحُ الفرصة للأشجار والأحجار لتغلي وتبكي ونحني وتنجلي، أنكتبُ الموقف عاجزين أم ندّعُ التاريخ يصولُ ويجول ويصرخ ويصيح وهو يبحثُ عن أقلامٍ تحدثت به أساطيره، أُيستحق أن نذكرهم خيبةً أم نتنحى جانباً لكي نجعل الزمان يأنُ ويتألم وتتبلور دموعه في وجنتيه بغتاً على حظه في تعذيبهم .
أسرانا اليوم عائدون، أسرانا حاضرون ولو بعددهم الضئيل ، أسرى جاهدوا وصبروا وصمدوا، أسرى يستوجبُ موقف وصولهم أن يصمت العالم ، وأن يرى بدون تعليق ، وأن يتألم بدون أنين .
هل هم أسرى أم أحرار وهل الأسر والحرية يجتمعان، وهل ياترى كانت اليمن بمن فيها معجزة حتى يجتمع التضاد وتتوحد المفردات بمقابلاتها ، طال انتظارنا ، طال صبرنا، أقروا عيوننا برؤيتكم، شرفتم البلاد بحضوركم ، ونورتم اليمن بشعاعِ ضيائكم، عدتم وليت الكلُ عائدين، طبتم سلاماً حتى تبلغُ سُبل السلام ذروتها .
#اتحاد_كاتبات_اليمن.