الرحمة المهداة
إب نيوز ٣ نوفمبر
رويدا البعداني
من بعيدٍ وتحديداً قبل أكثر من ألف وأربع مائة سنة. حدثَ أمرٌ جليل جلل، ففي شهر ربيع الأول من عام الفيل ولدَ حبيب الأمة، ونبي الرحمة، وسراج الظلمة. ولد من أقام دولة، وأحيا أمة، وأضآء الدروب متحديًا للعتمة. إنه الصادق الأمين، إنه النور المبين، إنه الحق اليقين، والذي قال عنه المولى في كتابه الكريم: -(( وإنك لعلى خلق عظيم)). إنه خاتم الرسل محمد صل الله عليه وعلى آله وسلم.
حين حانت ولادته أضاءت الأنوار، وأبتهج الكون بقدومه على هذه الأرض، تزينت الأكاليل، وابتسمت الرمضاء، وانهلت السماء حبًا وفرحًا بقدومه. فقد جاء ليبدد الجهل، ليخرجنا من الظلمات إلى النور، ليحطم معاقل الشرك والعبودية، لينتشل الأرواح من وحل الجاهلية إلى روح الإسلام.
واليوم ونحن نقف على أرائك هذه الذكرى اللامنسية، امتزجت فينا زحمة السرور، ولوعة الشعور. فكم نحن بحاجة للغوص في معارف أغوار الثقافة القرانية التي سار عليها نبينا الأكرم، وعليها أسس أمته. كم نحن بأمس الاحتياج لتلك الشجاعة، التي وقفت أمام هذا العالم كحد منيع، حين تكالبت عليه قوى الشرك والاستكبار بكل قواها، وإمكانياتها، وعتادها. كم نحن بحاجة لذلك الحلم، والصبر الذي تغلب على تعنت وتصلب الجاهلين والجبابرة الطاغين.
ففي الوقت الذي كان يخيم على ذاك العصر خرافة الجهل، في ذاك الزمن الكالح، أرسله الله نوراً للجاهلين، ودليلاً للحائرين، وقوة عظيمة للمستضعفين. لم يستعن بحكام عصره ولا بساسة زمنه، ولم يستظل بقوة غير تأييد ربه، ولأنه صاحب رسالة واحدةوخالدة، وغاية واضحة سار على مبدأ المعية الربانية، والقضية الجهادية، انطلق ولم يردعه ظالم، حارب قوى الباطل وقوض أسياد الظلم، رفع راية الحق، وبالحق قاتل.
جاءت النبوة فحمل النبي تلك الرسالة، ليؤديها على أكمل وجه، بلغ الرسالة وأدى الأمانة التي حملها على عاتقه، تلقى الكثير من الصفعات والمواجهة في سبيل دعوته، حاصروه، رموه بالحجارة، نعتوه بالمجنون لكنه كان صبوراً جدًا، حليماً يعفو عن كل من أساء إليه، من أجل أن تعلو كلمة الله وينتشر هذا الدين الذي أكرمنا الله بالإسلام. محمد رسول الله كان كريماً ،جوادا، ذو عطاء، متواضع بهيبة، يجيب الدعوة، ينصر المظلوم، رؤوف على الأطفال. لطالما واجه الكثير في إقناع الناس باعتناق الإسلام، ضحى بنفسه وماله، خاض المعارك ببسالة تامة ليهزم كل عدو يتربص بالإسلام شرًا، كان نموذجاً راقياً في القيادة الرشيدة، أمره شورى ما بينه وبين أصحابه.
كذلك لاننسى مسيرة المرأة الجهادية، ودورها البارز بداية من أم إسماعيل عليه السلام فقد كانت امرأة عظيمة تقف بجانب زوجها، لطالما رافقته في أيام دعوته ولم تثنه عن تطبيق أوامر الله في مرحلة دعوته للناس وتبليغ الرسالة، ليصبح أبو الأنبياء. ونأتي لأم موسى عليه السلام الذي ألقت وليدها في اليم امتثالا لأمر الله، رغم صعوبة الموقف وخوفها من بطش فرعون. كذلك قصة السيدة مريم حين تحملت الحمل لوحدها وهربت من أعين الناس كي تولد بعناية الله، وحين نعتوها بالفضيحة والعار إذ بوليدها الرضيع ينطق لتبرأتها من التهمة، وتتجلى بذلك حكمة الله وتأييده لمن صبر وتحمل، وليكون عبرة وعظة للعالمين.
كذلك السيدة خديجة فهي السند والمتكأ لنبينا الأكرم، إذ كانت ركن أساسي في بناء الإسلام ونشر الرسالة. ونأتي لسيدة النساء فاطمة الزهراء، ابنة سيد الخلق، فهي من دعمت أباها في دعوته، وجهاده، كذلك أعانت زوجها الأمام علي في نشر الدين الإسلامي ومواجهة اليهود والمنافقين وكان لها الدور الأكبر في تثقيف النساء وإرشادهن لأمور دينهن. ربت أبناءها الحسن والحسين عليهما السلام تربية حسنة لتكن البذرة لسلالة نقية طاهرة تواصل نشر الدين الاسلامي بعد وفاة رسول الله صلوات الله عليه وآله.
والمرأة اليمنية اليوم ضربت أروع الأمثلة في الصبر والتضحية والبذل والعطاء، ساهمت وجاهدت في إعانة الجبهات ورفدها بالمال والرجال فلديها الأسير ولديها الجريح ولديها المجاهد والشهيد لم يثنيها غدر العدوان ولا فقدان فلذات أكبادها. ظلت ثابتة في الميدان مجابهة للعدوان منتشلة صبرها من تحت الركام ومستمدة قوتها وعزيمتها من الثقة بالله والتوكل عليه.
واليوم هاهي الرسالة المحمدية تعبق في أرجاء العالم على أيد أنصاره وأمته الماضية على نهجه من رفضوا الذل والخنوع لقادات الجاهلية الأخرى ومنافقي العصر رفعوا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ولم يخافوا في الله لومة لائم هم أحفاد من ناصروا رسول البرية قديماً هاهم اليوم في أرض الجنتين يرفعون ذكره ويحييون مولده ليرى العالم أجمع من هم أنصار النبي الكريم والمنتهجين بنهجه ومن يتأسون به ويجعلونه منارتهم في كل درب . أحفاد المهاجرين والأنصار اليوم ينصرون نبيهم ويحييون ذكرى مولده ككل عام فمن أرض الإيمان نصدح بلبيك يارسول الله، لبيك ياحبيب الله.