من أي زمن أنا… ؟!!
إب نيوز ٨ نوفمبر
عــــفاف البعداني
لطالما بحثت عن ولوج أشياء جديدة، قديمة، كثيرة، قليلة، ثرية الاغتراب والتكيف ، المهم أن ترجعني لزمني الحالي بمؤنة تكفي لاشباع فكري المتمرد، الهارب من كل التوقعات المحدودة، والمتجه نحو الخيال الشاسع، ولكني أفشل في كل محاولة تجاوزية، فلست مؤمنة بأن البعد البصري هو من يعنون الأشياء، بل هناك رؤية مهيبة ساجدة بمحراب تصنيفنا الوجودي، وغارقة بين العصب البصري وماهية الروح .
أيقنت أن هناك سببا خفي لمهاجرة الطيور غير برودة الشتاء، هناك طير رابع مكسور الأجنحة يجرجر نفسه مع سرب الحمام المسافرة، هناك جرم سماوي آخر تنبعث منه فقاعات زرقاء، هناك في باطن الجبال حقولا عجمى معلقة بين النصر والهزيمة، هناك للأشجار قلبا أخضرا يصحو في الربيع وينام بكنف كهولة الخريف .
هناك أشياء تحتاج لدهر ، بل لقرن، ولعَقَد من التفسير، وأعمارنا المتسارعة لاتكفي لجل هذه التحليلات الحسية، وحتى لو عشنا بعضا من فتات الزمن، فنحن نفتقد لتلك الرؤية التي تميز بها شمس، وصديقه جلال، نحن لا نرى الأشياء على حقيقتها ، لم نجرُء أن نحاول قط ، فقاعدة الحياة العصرية متلاحقة بالسرعة ، و لاتتطلب أن نفسر ونحلل وتتأمل ولا أنكر ثمة عقول متكوكبة على ميعاد التفكر، ولكن تم مطاردتها وقمعها، حد قولهم: لاينقصنا هوس المجانين، فكل ما نحتاجه للعيش أن نرَ ونبصر ونسمع…. يالغرابتي منطق معتوه في قارورة فارغة، فحينما يصبح التأمل والنظر خلف المرئيات ضربا للجنون، فليسقط كل العاقلين ولينهض المجانين.
وعلى هذا الطريق المنصرم والمتدارك ، لم أرَ يوما أن هناك مازوشية تتوافق مع واقعية أفكاري، ربما أن الطبيعة وحدها من أستطيع أن أنفض جل تشابهاتي معها، فأتنفس مع الصبح وأرتوي من عقلانية الغروب، ويبقى عقلي مستغرق بالخيال بعيدا عن كوب واقعه المحسوب.
وتبقى هناك بوصلة روحية فاصله، لا تحدد الجهات على واقع الأرض الغابرة ، هي تستطيع فقط أن تسكن في السحاب وتتحرك مع تيارات الهواء حسب مزاج الأفق الباسم، عدى هذا فهي تختفي من سطحيات العالم البصري.
ولكي أستمر في هذه الحياة ، أجدني دائمة الهروب إلى محافل الكتابة، استدعي الشعور الغارب فيهجس في روحي منهكا بأنه يريد المغادرة حسب توقيت شفق الشمس الآسر، فأتوسل إليه بحق الحياة ، بأن يذيع سره بين تلك السطور، والأوراق البالية قبل أن يغادر، أخاف عليه أن يلفظ أنفاسه الآخيرة في غياهب الصمت، أخاف أن يرتجف خلف صقيع الجبال وحيدا فيهتز لضعفه العالم ، فيحنو عليّ الشعور تارة، بتارة .
أتزود بترجمانه حد الارتواء بل والاكتفاء ، لذا تصبح الكتابة ملاذا شافيا لكبرياء الصامتين، ومحمية طبيعية، من حشود الثرثارين، بل إنني أتوكأ عليها كعجوز فقد زعامته وأصبح منحني القوامة، أعتنقها كطفل يحتضن دمية آخيرة تركتها له أمه ولم تعد، أضمها كمحارة في قلب لؤلؤة متضعضعة تغرق ولا تعي لأي مقعد هي ستصل، كلما ماتعرفه أنها تريد أن تقطع شوطا حسيا بعيدا عن البشر لأعرف من خلالها من أنا ومن سأكون بعد قرن ونصف ….
.