عبر بريد الأرواح أكتب إليك ياشمس .
إب نيوز ١٤ نوفمبر
عفاف البعداني
سبق وإن كتبت لك عن خبايا الروح، وعوازل الفكر، عن أخبار الزمن الجديدة، وعوارضه المتدحرجة، وأذكر مليا في الفترة الأخيرة عاينت الواقع بدقة، أفرغت حمولتي الفطنية ولم أجد الرغبة متشعلة في مساورة الأدراك، أُخمد شغفها بماء لاذع، أعلنت عليه التقاعس، فصرخت النوافذ بشتائم شتوية ، على إثرها، دب في مكتبتي صقيع هارب لسع الجدران، والمعاطف ، بنزلات باردة وكأنه استأنف الحكم بطريقته المستفزة، تجاهلت شؤم المكان وتحملت تيارته الخرفة ولم أجد في ماحدث أي سببا لكره الشتاء، ابتسمت بألم ، وأقفلت النوافذ وأسدلت الستائر الخرساء، وعلى ضوء الزوال… بدأت أرتب حروفي الشاردة حسب الشعور وليس حسب الأبجدية، تواريت خلف الحُجب، واكتسحت مكان لاتقربه فلسفة المتواجدين، كما أنني اخترت توقيت الغروب المتوج بالقمر الوحيد .
تحملت مشاق الكتابة، وكبحت أنين البوح، و بعثت لك هذه السطور عبر سرب حمامٍ متطايرة لاتعلم من عنفوان الحياة أي شيء، ولكني في برهتي لا أعلم هل كل ما أكتبه يصل إليك ؟؟!! وهل أنت فعلا تقرأ وتعي ما أصبو إليه، فجميع رسائلي السابقة لازالت معتكفة في محراب الروح ولم يصلها الرد حول مدائن العصور ، بات السلام يقع من خزانة قلبي مرات عدة، ويساورني على أثر ذلك الوقوع صداع مدوي فضيع لا أتحمله وليس بوسعي أن أترجمه ، وكم تلتحفني الريبة ، فأنا مؤخرا صرت أخاف….. أخاف أن أموت قبل أن أعرف الله، أخاف أن يمتلئ قلبي سحبا داكنة لاتعرف كيف تمطر بنقاء، ويا حسرتي إذا دق ناقوس المغادرة وبيدي سند ممتلئ برفات الدنيا الزائل.
صحيح أن تعلمت منك أن حصانة الروح تأتي… بالصدق وتجاوز رغبات الأنا…. أيضا ترتكن بصد الباطل وقول الحق ولو في وجه متسلط أشطن، ولكن لم أعي للحظتي كيفية الاستقواء بمعارك الانهزام ، ماهي صفات السفينة الموعودة بالنجأة من كل تسريف؟!! وكيف تلفظ الأ نفاس الأخيرة بدعامة الاطمئنان، لقد سمعت أن تلك الرحلة لاتغرق الملاحين بل تقودهم لمعرفة الله في كل تنبوء طقسي مفاجئ ،ترسوا بهم إلى شاطئ غني بالفضيلة والسكينة بعيدا عن قرش البحر وسطو القراصنة …
وكم تضامنت مع الحسيات النائية وانتهجت منها تعلقي بكل ماهو ليس مألولف ، فالظلام والسكون ووهج اكتمال القمر، وتراقص الأغصان، جميعهم صاروا يعرفوني بانسجام ، صرت صديقتهم المفضلة ولكني لم أصل لما رميت له… انتظر ت إشارة منك في نهاية كل منام…… كأن ترسم لي طريقا سحابية بحيث لا أعود فيه لمرارة العيش، وأعثر من خلالك خبر الزهد المستمر، كأن تعلمني تجويد القلب على كتاب الله الأزلي…. واللجوء للمناجأة الصوفية التي تحيل المراتب وتقاصر الطرق ، نحو الله مباشرة دون قيود متشدقة باسم الدين والتوحيد.
وعزني في رسائلي سؤال مهيب بداخلي عينه .. كيف اطمأننت بعصرك والكون مليء بألوان الأشباح الداكنة، كيف تعاملت بجودة الاحسان وتجاهلت مساوى الإنسان، ماهو السر في تقديم الحقيقة نفسها أمامك وتجريدها من كل خزعبلات العصر بالانسياب لك طواعية، هل يعني أن الوصول للمرتبة السابعة يعد منصبا روحيا لن نصله؟؟
هل هناك تفسير لكل مايحصل أم أن حديثي إليك كذبة أقتاد بها على نفسي لتحلية مرارة العيش ، في غمار بوحي ستجدني منتظرة ، فثمة صوتا بعيدا يصلني عبر هذا البريد الروحي، لذا سأعود والسلام حتى نلتقي مرة اخرى، ولتعلم أيها النائم في قبرك، حين أكتب إليك يعني أني أغادر الواقع، وأتجاوز حدود البرية.
.