الإخوان والسعودية .
أحمد يحيى الديلمي
المشاهد المتعاقبة للسجال القائم بين وسائل الإعلام السعودية وحركة الإخوان المسلمين كشفت بما لا يدع مجالاً للشك حالة التناقضات الكبيرة التي تعيشها هذه الدولة من الداخل ومع الآخرين، إذ أن المستغرب جداً أن هذه الوسائل التي قبل عام فقط كانت تتحدث عن الإخوان المسلمين وكأنهم من الفاتحين أو من عظماء التاريخ، واليوم نفس القنوات تقول إن إصلاح اليمن أخبث أجنحة الإخوان المسلمين على الإطلاق، أليس في الأمر غرابة!؟ ولماذا كل هذا التحول؟! قال أحدهم : إن الهدف هو خدمة دولة العدو الصهيوني لأن السعودية اغتاضت كثيراً كون حركة فتح وحماس ذهبتا للتفاوض في كل من أنقرة وطهران وألقت بالسعودية جانباً، وفي حين أن هذا التصرف من قبل هذه المنظمات أقدمت عليه مكرهة كون السعودية هي التي دفعتها إلى هذا الموقف بعد أن أصبحت مجرد طريق للعدو الصهيوني تمهد وصوله إلى الدول العربية والإسلامية والتطبيع معها واحدة تلو الأخرى، وصولاً إلى إعلان التطبيع المباشر بين هذه الدولة والكيان الصهيوني كآخر أوراق التنازل والتعاطي المخزي مع قضية الشعب الفلسطيني، لا ندري ماذا يُريد آل سعود من هذا الشعب المظلوم بعد أن تاجروا بقضيته حيناً من الزمن ووضعوا كل العراقيل التي تمكن هذا الشعب من الحصول على حقه المغتصب، بل وميعوا القرارات الجماعية للأمة العربية في سبيل تحقيق هذه الغاية، لكنهم فشلوا فهذا الشعب الجبار كما كان يصفه الشهيد المجاهد ياسر عرفات لن يستسلم أو يقبل بمثل هذه الخيانات ولن يصفق للخونة مهما امتلكوا المال ومهما نافقوا باسم الإسلام فهم مجرد حثالات، سيلفظها التاريخ إن شاء الله ويلقي بها في مزبلته النتنة، إنها معضلة ومعادلة صعبة لا يستوعبها المجنون ما بالك بالإنسان العاقل الذي يدافع عن أرضه وعرضه .
الغريب أن اتهامات السعودية لم تقتصر على الفلسطينيين لكنها امتدت إلى تركيا أيضاً، وهناك مفارقة عجيبة فلقد ظللنا لمدة عقود من الزمن نسمع ونقرأ عن السعودية وهي تدافع عن الدولة العثمانية وتعتبرها الدولة الشرعية، ووصل الأمر بأذنابها في اليمن إلى اعتبار الإمام القاسم بن محمد متمرداً على الدولة الشرعية، وهي المعلومة التي حاول الإخوان المسلمين إدخالها في مناهج التدريس، لولا أن المرحوم المجاهد الأستاذ عبدالكريم جدبان “رحمه الله ” كان حينها عضواً في لجنة المناهج فاعترض على الفكرة وطلب منا التضامن معه لمنع دخولها إلى منهج الدراسة، فتم الاتفاق على إسقاط اسم الإمام القاسم من المنهج نهائياً، مع أننا كنا نعرف أنه قائد الثورة الثانية ضد الاحتلال التركي في اليمن، ومن يريد أن يتأكد من هذه الحقيقة عليه الاطلاع على كتاب “ثروت أباظة” عن الاحتلال التركي الثاني لليمن .
المهم أن الإخوان كانت هذه نظريتهم والتقت مع المد الوهابي الحقير الذي عمد إلى تفكيك الإسلام وإثارة النعرات الطائفية والفتنوية بكل قرونها الشيطانية، لا لشيء إلا لكي يوجد له أرضية خصبة للانطلاق في العالم الإسلامي، واليوم تبدل كل شيء وأصبحت نفس الأبواق السعودية تتحدث عن تركيا بأنها دولة استعمارية، كما جاء على لسان أحد المسؤولين السعوديين وهو يتحدث عن غزو تركيا لجزيرة قبرص، وهكذا هي الأنظمة الديكتاتورية الطارئة على الوجود تتخلى عن كل شيء بمجرد أن ترى المصلحة هنا أو هناك، حيث نجدها اليوم تُنزل جام غضبها على حركة الإخوان المسلمين وتعتبرها حركة إرهابية بعد أن دافعت عنها ومولتها وعملت على اتساع نشاطها في كل الدول الإسلامية، بل واستخدمتها كأداة لقمع القوى السياسية الأخرى بالذات في الدول العربية، ما هذه الأخلاق التي يُفصح عنها هذا النظام تباعاً؟! ولنا أن ننتظر الكثير من الانتكاسات في مسار هذا النظام وعلاقاته، فكما نعرف أن السعودية لا صديق لها سوى المال وسقوط الأخلاق، عدا ذلك لا تجد لديها أي كلمة أو عهد لأنها اعتادت على مثل هذه المواقف كونها جاءت طارئة على الحياة وليس لها جذور في أعماق الأرض، إنها تمارس العُهر السياسي بكل أشكاله من أجل مصالحها الذاتية وحبذا لو أن الأمر يقتصر على مصالحها الذاتية فقط لكنها تستميت في سبيل خدمة مصالح أمريكا والصهاينة والبريطانيين وكل من تعتقد أنهم الظهر والسند والمرجعية للحماية وضمان الاستمرار .
تبعاً لهذه التحولات المريبة لا يجب أن نستغرب حينما نستمع للجبير وهو يقول إن أعمال الدمار والفناء التي قامت بها هذه الدولة مشروعة ولا ندري عن أي مشروعية يتحدث وهو قد سلخ الشرعية من جوانبها الأربعة كون الإخوان المسلمين كانوا أساس هذه الشرعية كما أفصح عن ذلك خالد بحاح عندما كان نائباً لرئيس الجمهورية المزعومة، فلقد قال بالحرف الواحد إن الإخوان المسلمين هم من يتحكمون في مسمى الشرعية الموجودة في السعودية باسم اليمن وإعادتها إلى صنعاء، يعني إعادة دور الإخوان المسلمين، وهذا أحد الأسباب التي جعلت السعودية تقف هذا الموقف من الإخوان، والمطلوب من الجبير أن يظهر الحقيقة وأن يقول أنه لم يعد للشرعية وجود في اليمن إطلاقاً، وأن السعودية التي دعمت هذه الحركة من البداية ومولتها بالمليارات وساعدتها على الانتشار في العالم وتفريخ العديد من الجماعات الإرهابية التي تناسلت من نفس الحركة وتحولت إلى مسميات أخرى، والسعودية هي الداعمة وهي مصدر التمويل والتوجيه المادي والفكري تبعاً للرؤية الأمريكية التي كانت تُريد هز الإسلام وزعزعة ثقة العرب بأنفسهم، وعندما وصلت إلى هذه الغاية ها هي تتخلى عن كل شيء وتُلقي بعلمائها إلى مزابل التاريخ، وهذه هي عادة الله في كل من يتآمر على الوطن أو على الدين، وهذا هو قدر اليمن واليمنيين، من يعتدي عليهم يتعرض لسقوط مروع وإهانة غير طبيعية ولا عزاء لأولئك الذين باعوا أنفسهم للشيطان وتحولوا إلى أدوات طيعة تحركها السعودية والإمارات كيفما شاءت .
وأختم هنا بشبه نكتة أطلقها الأخ المهندس/ عباس عبدالله المؤيد حيث قال : إن السعودية تقدمت بمبادرة لحل الخلاف بين ترامب وبايدن وقدمت لكل منهما مذكرة شرحت فيها طبيعة المبادرة، ففي حين أوحت لبايدن أنه هو الفائز ورجل أمريكا القوي، أوحت لترامب نفس الأفكار وأضافت عليها مقولة ( ولا تعبأ بأولئك الروافض والمجوس الذين رفضوا انتخابك ) لأن النظام السعودي اعتاد على هذه العبارات لذلك يرددها في كل الاتجاهات ومع من يعتقد أن سيحقق من خلالها غاياته المرجوة، فعلاً إنها قمة المهزلة أن يصل نظام إلى هذا المستوى من التدني في الأخلاق والسلوك والمبادئ .
تبقى العزة والعظمة والخلود لأبطال اليمن الميامين، الرابضين في السهول والجبال ويلقنون الأعداء أعظم الدروس، وإن شاء الله النصر حليفهم وحليف كل يمني شريف .. والله من وراء القصد .