شبر مع الله ولا ذراع مع الدولة.
منصور البكالي
النص الصحيح للمَثَلِ السياسي القديم هو “شبر مع الدولة ولا ذراع مع القبيلي”، وهذا كان معمولاً به قبل مجيء العدوان والحصار وشحة الموارد.
وَلَكَمْ تقمّص الفاسدون هذا المَثَلَ فأحسنوا استغلاله وتعمقوا في معانيه ودلالاته، فبنوا القصورَ والفللَ ونهبوا المالَ العام، وصادرو الحقوقَ وعيَّنوا الأقارب والحاشية حتى تعرض الوطن للعدوان والحصار وباتت الموارد شبه منعدمة فضعفت الدولة في الجوانب المالية، تبدلت الأحوال وترك العديد من موظفي الدولة وظائفهم حين انقطعت المرتبات، وعادوا للبحث عن فرص عمل هنا أَو هناك أَو للزراعة في قُراهم وقبائلهم.
وما زاد الطين بلة على مثل هؤلاء، هو التوجّـه الجاد للقيادة السياسية في محاربة الفساد والمفسدين في زمن يقدم فيه أبناء القبائل اليمنية أروحهم وأنفسهم رخيصةً في سبيل الله والدفاع عن الدولة التي ظلت مرتعا للفاسدين الذين هرب غالبيتهم صوب دول العدوان، عندما لم يجدوا ما يفسدوا به، وبقي من بقي منهم في مؤسّسات الدولة للتشويه بالقيادة الثورية والسياسية الحالية بين المواطنين، بإيعاز من دول العدوان ولتنفيذ أجندة ومخطّطات تهدف لتدمير العمل المؤسّسي، ولكن قيادتنا الحكيمة كانت لهم بالمرصاد، حين أنشأت العديد من الهيئات التابعة لمكتب رئاسة الجمهورية لمراقبة سير الأداء المؤسّسي وحل مشكلات وهموم وشكاوى المواطنين.
ومع هذا وذلك، هل حان لنا الوقت أن نغيّر من هذا المثل الشعبي ونحول في نصه بالقول “شبر مع الله ولا ذراع مع الدولة”، أم أنه لا يزال أمام الفاسدين فرص وفّرتها لهم بعض القوانين والتشريعات الخَاصَّة بحماية كبار الفاسدين ومنع محاسبتهم.
مما لا شك فيه أن الأيّام القادمة مبشرة بالخير، وستجعل كُـلّ قيادات الدولة ومسؤوليها أمام حقيقة لا مفر منها لمن أراد أن يكون رجل دولة أَو يكون له فيها منصب أَو وظيفة عامة، إلّا وهيَ “شبر الدولة تحول إلى شبر مع الله”؛ لأَنَّ العمل مع الدولة سيتحول إلى العمل مع الله، ويتطلب المزيد من التضحية والإنفاق ومضاعفة الجهود برغم شحة الإمْكَانيات وانعدام الأجور.
وعند وصولنا إلى هذه الحالة نستطيع أن نقول للجميع: العمل مع الدولة التي يقودها رجال مؤمنون رئيسها لا يملك منزلا يأوي فيه أطفاله وأسرته، هو عمل مع الله ويتطلب المزيد من الزهد والتقشف مقابل الحصول على الأجر من الله سبحانه وتعالى، ومن يحاول الخروج عن هذا الإطار سيأتي اليوم الذي لم يجد ما يسرق فيه.
ونصيحتي للجميع، انذروا أعمالكم لله، فالوطن في عدوان وحصار، ومواردنا شحيحة تكاد تغطي تمويل الجبهات العسكرية والأمنية، وتوفير الخدمات الأَسَاسية للمواطن، هذا ونحن مستمرون في مواجهة أقوى دول العالم، اقتصاديًّا وعسكريًّا وسياسيًّا، وليس أمامنا من حَـلٍّ غير الاستمرار في القيام بواجباتنا ومسؤولياتنا، وأن نجعل كُـلّ ذلك لله ونرتقب النصر والتأييد والعوض منه.
ونقول لأنفسنا كما قال مجاهدو الجيش واللجان الشعبيّة لأنفسهم وهم في ميادين الجهاد المقدس بعيدين عن المكاتب والكراسي والراحة: “شبر مع الله ولا ذراع مع الدولة والقبيلي”، فصنعوا المعجزات ورفعوا رؤوسنا بين كُـلّ الشعوب والأمم، فنكون أمثالهم في جهادنا وصبرنا وصمودنا وتتحول مكاتبنا إلى متارس في مواجهة العدوان وخدمة الشعب، كما هي متارس مجاهدينا تذود عن حياض الوطن وأرضه وعرضه ومقدراته، فيأذن اللهُ بالنصر وتتحرّر كُـلّ أرض الوطن من دنس الغزاة والمحتلّين ومرتزِقتهم، وتعود لشعبنا حريته وكرامته ومجده وثرواته واستقلاله.