ديسمبر والفتنة الموءودة
إب نيوز ٢ ديسمبر
بلقيس السلطان
تمر اليمن بمنعطفات سياسية واقتصادية صعبة ، ربما هي الأقسى منذ عقود مضت إن لم تكن الأصعب في تاريخها ، فقد تكالبت عليها جميع قوى الطغيان محاولة إخضاع شعبها وفرض الوصاية عليه بشتى الطرق والوسائل الخبيثة ، ولعل الحسنة التي قد يأخذها الشعب اليمني من هذا العدوان هو سقوط الأقنعة عن الوجوه المزيفة التي كانت تظهر الوطنية والقومية وتبطن العمالة والخيانة ، فلم يكتف الهالك علي عبدالله صالح (عفاش) بأن ينخر في عظم الوطن لأكثر من 33 عاماً ، حيث جعل من الفساد عنواناً رائجاً ومتداولاً بين الناس ، ونهب ثروات البلاد وجعلها سلعة سائغة للواصين عليه من السعوديين والأمريكان ومن خلفهم الصهاينة ، وجعل كلمة السفير الأمريكي هي كلمة الفصل في تسيير أمور البلاد ، وحرف المناهج وفقاً لما تقتضيه السياسة الأمريكية في المنطقة وشن حرباً ظالمة على صعدة واستباح دماء أهلها ، ناهيك عن تدمير الدفاعات الجوية ، والقيام بتصفية للضباط وللخريجين من كلية الطيران وغيرها ، وزعزعة الأمن الداخلي بتفجير أنابيب النفط واختطاف السياح ، والقيام بأعمال اختيالات للقادة أو السياسيين الذين ينبذون سياسته ويكشفون القناع عن حقيقة انتمائه وعمالته ، ومالم يكن في حسبان صالح وسادته من الأمريكان وأياديهم في المنطقة أن ثورة ال21 من سبتمبر ستحقق النجاح الذي لاقته ، فلم يكن أمامهم بد إلا أن يعلنوا العدوان الظالم كي لا يخسروا وصايتهم على اليمن وخاصة بعد أن وصلت الثورة إلى عدن ومناطق كبيرة في الجنوب .
لقد جاء العدوان بشراسة وخبث كبير ، فبدأ من أول ضربة له بحصد أرواح الأبرياء واستخدام جميع أنواع الأسلحة حتى المحرمة منها ، وهنا شحذ المرتزقة هممهم لدعم العدوان من الداخل وكان لصالح نصيب الأسد من هذا الدعم المبطن ، فظل يخفي سمه الناقع ويتراقص على نغمات الغارات ودوي الإنفجارات ، ويصدر فحيحه مدعياً الوطنية والوقوف إلى جانب الشعب ، فكان يكمل خطط العدوان من الداخل فهم يقطعون المرتبات وينقلون البنك المركزي إلى عدن ، وهو يأجج الشعب ويدعو أنصار الله إلى صرف المرتبات وهو يعلم كل العلم من يقف وراء قطعها إن لم يكن هو من أشار عليهم بقطعها ، كما كان يدعي اعتراضه على العدوان على اليمن ويدعو لرفد الجبهات بالسلاح بينما كانت مخازنه وبيوته تنضح بمختلف الأسلحة ، وظل يترصد الفرصة السانحة للإجهاز على اليمن من الداخل وإغراقها في حرب شوارع لا تحمد عقباها ، وفتح جبهة شرسة في المدن بهدف سحب المجاهدين من الجبهات وإقلاقهم على سلامة أهلهم وذويهم ، والأحقر من كل ذلك إشعال الحرب في البيت الواحد حيث جعلوا من الحزبية وسيلة للتفرقة والفتنة وطريقاً للوصول إلى الأهداف والخطط ، حيث جعل تحالف العدوان من صالح الكرت الأخير الذي يحرقوه إذا ما استنفدت وسائلهم لبلوغ أهدافهم المرجوة في اليمن وهكذا فعلوا .
أعلن عفاش عن انتفاضته المزعومة !
انتفاضة الأخ ضد أخيه والأبن ضد أبيه ، انتفاضة لا تحمل أي قضية أو هدف ، سوى تحقيق آمال الطامعين في الوصول إلى صنعاء التي راهنوا على الوصول إليها في بضعة أيام معدودة ، وعندما كال عليهم الأمد لجأوا إلى عميلهم الأزلي ليحافظ على ماء وجههم الذي أهدر في الجبهات ، لكن مكر الله كان فوق مكرهم ، فكان مكرهم لزوالهم وكان مكر الله بتمكين المؤمنيين وبإخماد الفتنة قبل أن تصل إلى مبتغاها ، فكما زال مكر فرعون بأن غرق فرعون في اليم ، كان من مكر الله أن هلك صالح وغرق في بحر خططه ومكره ، ونجت صنعاء من مكيدة خبيثة كانت ترمي لإخراقها في بحر من الدماء وإخضاعها وإركاعها لدول الاستكبار العالمي ، لكن كيد الشياطين كان ضعيفا ، و توكل المؤمنيين بربهم وثقتهم بنصره وتأييده كان عظيماً .
لقد انتهت فتنة ديسمبر ويجب أن نأخذ منها الدروس والعبر التي نستفيد منها في المضي لتحقيق النصر الأكبر ، ومنها أخذ الحيطة والحذر من الذين يتظاهرون بالوطنية والإخلاص ومنهم من لا يزال يلعب ويرتع في جميع مؤسسات الوطن ، وكذلك تجفيف مستنقعات الحزبية البغيظة وتطهير الواجهة السياسية للوطن من دنس الأحزاب العميلة والتي لا تزال تمثل الجسر الواصل بين قلب الوطن وتحالف العدوان ، وكذلك اليقظة الأمنية العالية من أي حركة غدر ممن تبقى من طفيليات العمالة والإرتزاق ممن يعيقيون خطوات التقدم في تأسيس الدولة المدنية الحديثة ، والذين يستهينون بخطوات التصحيح ومكافحة الفساد ، وثقتنا في يقظة رجال الله كبيرة ، فكما أخمدوا فتنة ديسمبر فهم قادرين على إخماد نار العدوان وإحراقهم بها وماذلك على الله بعزيز ،
والعاقبة للمتقين .