من وحي الأمومة و الأبوة .
إب نيوز ٥ ديسمبر
نعتقد _ نحن _ الآباء و الأمهات أن أبناءنا وحدهم من يحتاجون إلينا و نحن لا نحتاج إليهم ؛ فلازلنا شبابا بينما في حقيقتنا المعنوية و توازننا النّفسي نحن نحتاج إليهم ( و إن كانوا صغارا ضعافا أطفالا ) ، نحتاجهم كمعان تمنحنا الشعور بقيمة حياتنا حيث نكتشف أنّنا نسعد بهم و نتجدد فيهم ،،
نعم : نشعر بأن أبناءنا و بناتنا آباء لنا و أمهات ؛ و إلّا فليفسر لي أحدكم معنى ردّ الأم ( فطرة ) حين يناديها ابنها أو ابنتها قائلا : أمّاه ، فتقول ردّا عليه : أمي و قد تردفها بكلمة روحي فتقول : ” أمي و روحي أنتَِ ” ،
و كذلك البنت أو الابن حين ينادي أباه ( أبي ) فيرد الأب : ” أبي ، أو أبي و روحي ” ،،
و هكذا وجدتني حين أُنادى بأمي فأنا أتجدّد حنانا ؛ و لهذا نجدها حقيقة قسوة مشاعر البنت التي لم تتزوّج بعكس من تزوّجت فاستعدادها الفطري للأمومة يولّد و يبثّ فيها رقّة في الطّباع و لينا في المشاعر و حنانا في التّعامل ، و هنا ألقت بنفسها عليّ مُلاحَظةٌ حين وجدت المرأة الأم أثبت في مشاعرها لأبنائها سواء انسجمت مع زوجها أم لم تنسجم و سواء بقيت زوجته أم انفصلت عنه لهذا فجزاؤها أن يوصي بها الرسول الأعظم ( صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ) قائلا : أمّك ثمّ أمّك ثمّ أمّك في حديث سؤاله عن أحقّ النّاس بالصّحبة فتلك الوصايا لأنها ثبتت في حبها و حنانها حين تجرّعت الحمل و مقدّماته و ويلاته و التي لا يعرفها الرّجل أبدا و لو رآها رؤية العين لكنه لم يعش تلك المشاعر و التقلبات النفسية و الألم و التغيرات الجسدية و ما يتبعها و ما يتداعى بها في نفس المرأة ، و كذلك ثبتت و هي ترى الموت وهي تلد ، ترى الموت حقيقة بأمّ عينيها و مع ذلك بمجرد أن ترى وليدها تنسى تجربة الموت التي كادت أن تنهي حياتها ، و كذلك فهي تثبت حين تحتضن وليدها و ترضعه حولين كاملين دون أن تتأفف أو تمن أو تتضايق من وجوده متطفّلا معتمدا عليها في غذائه ،
لذلك يوصي بها الرسول ، بينما نجد الرجل يفصل موضوع ودّه لأبنائه و يربطه بودّه لزوجته التي لو انسجم معها لأحبّ أطفالها و لو كرهها فقد ينصرف لغيرها تاركا لها و بنيها ، و قد يكتفي بالنفقة على بنيه منها من بعيد و يوجد في الرجال من يفرط في قسوته فينسى أنّ لديه طفلا أو ابنا من تلك الزوجة التي انفصل عنها ،
ليس تضاربا ولكنّي عدتُ أتذكر تلك البريئة ذات الأربع سنوات و التي ماعرفت أباها الذي هجرها عقابا لأمها التي اختارت انفصاله عنها ، تلك البنت حين قالت منادية لأحد أقربائها ( من غير جدّها أو خالها ) :” بابا فلان ” ، فقال لها : أبي و روحي ، و بذلك الرّد منه تعلقت به إلى أن مرّت أعوام ، و حين رحل عن الحياة الدنيا بكته كثيرا فقد كان ردّه : ” أبي و روحي ” شاملا لجوامع حاجتها لحنان الأبّ اللامبال بها .
حقّا : صادق من المشاعر و اقتباس من الفطرة تصنع فينا الحبّ ، بل حشدا هائلا من الحبّ و الاطمئنان ، و تصنعه كلمة طيبة !!
امتلاك عجيب و تملّك للأرواح بحروف لا تثقل ألسنتنا و لا نحتاج لتنميقها لكنها لا يشعر بها و لا تؤتي جناها إلّا بشرط واحد و هو أن تتحلى بالصدق ؛ فالكلمة الصادقة تجتاز مسافات النسب و الدم و تؤلف بين الأرواح دون دم و نسب ، و لهذا قال سبط الرسول الأعظم ( صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ) سيدنا الحسين ( عليه السّلام ) : ” الكلمة مسؤولية ” ؛ و لهذا قال ( تعالى) في عرضه لأثر الكلمة الطيبة بأن أصلها ثابت : ثبات الصدق ، و فرعها في السماء ، سماء الروح التي لا حدّ و لا رسم جغرافي يحصرها ،،
عنان الكلم الطيب هو سماء مرفوعة من غير عمد نراها ،
و ما و لا أطيب من كلم الأب و الأم فكلاهما أو أحدهما خفض لنا جناح الذل من الرحمة فوجب علينا حين يكبرون أن نخفض لهما جناح الذل من الرحمة ،
و كما احتجناهما ( و نحن صغار ) آباء و أمهات فهم يتجددون بنا و فينا ؛ و حين يكبرون فنحن آباؤهم و نحن أمهاتهم ،
و لعلي أجد رابطا قويا و معنى جديدا ينبري لي كالقمر المنير حين عدت لحديث من سأل الرسول ( صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ) : من أحق الناس بحسن صحابتي فقال رسول اللّه : أمك ، و رددها بتعقيب مع تراخ بحرف العطف ( ثمّ ) أمك لتكرار السؤال الموجّه للرسول مِن السائل ليقول الرسول ( صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ) : ثمّ أمك للمرّة الثالثة و الأخيرة ، و يختمها بالأب مرة واحدة قائلا : ثم أبوك ، جاعلا الأب نهاية و حوطا كظهر و كسكن و كحصن يحمي و يسند و يصون أبناءه من خذلان الزّمن ، بينما حين كانت الأمّ ثلاثا فهي ( كما سبق ) الحامل و الوالدة و المرضع ، و هي من نحتاجها و الأب في كبرهما كوالدين يولدان طاقاتنا الإيجابية التي تجابه و تواجه صلف الحياة ،
نعم : نحن نتوهّج و ننجح بدعواتهم .. ببركاتهم .. بخلاصات تجاربهم حين تستنفد طاقاتنا الحياة ،
نحتاجهم في كبرهم احتياج الروح للروح كما و يحتاجوننا متّكأ و عصا يضربون بنا انحناء ظهورهم ، و يقفون بنا على أقدامهم !!
إذن : حكاية البذل و البرّ بين الآباء و الأبناء متشعّبة .. متداخلة .. مرتبطة ..ممتزجة امتزاح الرّوح بالرّوح فلو رحلنا شعروا بفراغ قلوبهم ، و لو رحلوا فلا يغادروننا ما حيينا !!
لا أدري إن اسطاع حرفي أن يبلغ مدى أرواح من قرأه، أم كان من العاجزين ؟!
أشواق مهدي دومان