ذكرى الشهيد تحكي أصالة شعب
إب نيوز ١٩ ديسمبر
د.تقية فضائل
كلما اقترب أسبوع الشهيد ترتسم في مخيلتي صورة مهيبة لفارس شهم حر أبي حمل سلاحه وهب مدافعا عن وطنه وهو يعلم يقينا أنه قد ﻻ يعود إلى أهله وبيته و أحبابه ولم يعر ذلك أي اهتمام، بل حث المسير وطلب جنة عرضها السموات والأرض فنال بغيته وربح البيع بفضل ربه، و تحضر في ذهني الأم العظيمة المؤمنة التي دفعت بفلذة كبدها وزينة حياتها إرضاء لله وفي سبيله واستقبلت جثمانه الطاهر صابرة محتسبة تردد ‘اللهم إن كان هذا يرضيك فخذ منا حتى ترضى’ ثم التفتت إلى ابنها الآخر قائلة انطلق وخذ مكان أخيك فلا ينبغي أن يظل المترس فارغا ، ولن تغيب شريكة العمر ورفيقة الدرب عن هذه الذكرى المفعمة بأريج الإيمان بالله وكيف تغيب وهي من قاسمته حلو الحياة ومرها وكان لها السند والعون وكانت له دفء الحياة وسعادتها وعندماقرر التوجه إلى ميدان الشرف لم تسع لثنيه عما عزم عليه بدموع وقلق وخوف وحزن يضيق به صدرها، بل شدت على يده وقالت أنت خير من يحمي الأرض والعرض فلا تضعف أو تتراجع فأنت درعنا وعزنا وفخرنا وحين حان الرحيل ودعته وهي تدعو له ‘ اللهم اربط على قلبه وثبت أقدامه و أيده بنصر مؤزر وﻻ تجعل لعدوه عليه سلطانا’ و حين ترجل الفارس عن فرسه وخشي رفاقه أن يخبروها أحس قلبها ونبأها وكانت تريد تكذيبه لوﻻ أن تيقنت من اﻷمر فلمت شتات نفسها وحمدت ربها وواست أطفالها قائلة لهم إن أباكم حي يرزق عند رب كريم سيرعانا ويحرسنا ويرزقنا من فضله ، أما أبناء الشهيد وأطفاله فماذا عساي أن أقول إنهم في عمق الصورة المحفورة في الذاكرة فهم من فقدوا عائلهم ومصدر أمانهم ، ولكنهم يرفعون رؤسهم عاليا ويفخرون بأنهم أبناء شهيد الوطن والواجب ويؤكدون أنهم لن يتخلفوا عن السير على درب قدوتهم من خط لهم طريق العزة والكرامة. . ولذلك الأب الشامخ الرافع هامته وهو يودع بضعة منه ويوسده التراب بيديه_له_مساحة كبيرة في واجهة. الصورة المخزونة في تلافيف الدماغ الضاربة أعماقها في حنايا القلب المثقل بأنين الذكريات ويبقى عظمة استقباله لمن جاء يواسيه ويقول له’ لله ما أعطى ولله ما أخذ’ فيردد الحمدلله الذي شرفني بأن جعل ولدي عملا صالحا وتقبله قبوﻻ حسنا و أسأل الله أن يلحقني بعده من الصالحين ، وتزدحم الصور فأخوة وأخوات وأعمام وعمات وأخوال وخالات وأصدقاء يتوصون بالصبر ويتواصون بالحق و وكل له مع الشهيد حب وود ﻻ يمحوه الزمان وتخلده خلجات النفوس السابحة في صمت القلوب.
يا لله كلما تذكرت الشهداء العظماء تصبح مخيلتي عالما يملؤها التحميد والتسبيح والتهليل والتكبير فتغمر النفس طمأنينة وسكينة ‘ألا بذكر الله تطمئن القلوب’