بوح : للشّهداء

إب نيوز ٢١ ديسمبر

تغمرني مشاعر الرّضا و أبلغ مدارج الكمال البشري ، و إن كنت الناقصة التي لن تطاول أولئك العظماء ، لكن عند الحديث عنهم ، عند نسج حكاياهم و قصصهم مع التسليم الفكري و العاطفي المطلق للّه و الذي يتبعه تسليمهم للروح في سبيله فهنا و هنا فقط أشعر بأني أسمو و أسمو و أرتفع حتى أغيب عن عالم المشاهدة الدّنيوية إلى عوالم للروح التي ربّما و مهما حاولت الاطلاع عليها فهي خاصّة بعالم الشّهداء ،
نعم : و حدهم من يشهدون عوالم غيبية تتفتح لهم معانيها ؛ و لعلّ ربّ العالمين أسمى واحدهم شهيدا و جمعهم شهداء لفتحه و منحه لهم أن يشهدوا و يشاهدوا عوالم غيبية له بينما لا يمنح سواهم إيّاها،
و هنا لا أملك و لا أعرف عنها إلّا أنّها مفاهيم تأخذني و تعرج بروحي لجنات لا ارتضي منها إلّا أعلى منازلها و أساميها و هي جنّات الفردوس الأعلى ،
فقط مع الشّهداء تغلبني دمعات تطفح في كياني و تفيض من وجداني و أعماقي فكأنّها بحر انتابه المدّ فجرف ما أمامه ، هكذا أحيا بين شعورين في وحدة و تآلف ، هو شعور الكبرياء لكنّه مصحوب بصوت كهزيم الرّعد ترتجف له روحي فقدانا لأسمى من خلق اللّه حين يحيا بيننا أولئك الأحياء ، و لا ندري بأنهم أحياء إلّا حين تعلن السّماء استقبالهم و انتشالهم من عالمنا عالم الأموات .. حين تقرب منهم و تهمس إليهم : بأنكم ممّن لاخوف عليكم و لا أنتم تحزنون ؛ فلهذا نراهم يمضون مضاء السّيف المسلول من غمده ليقاتل أعداء اللّه، نراهم لا يبالون بدنيانا الفانية بل و لا ينظرون للوراء حين يتقدّمون حتّى نقف أمام إرادتهم مكتوفي الأيدي لا نملك من أمرنا شيئا سوى أن يرحم الله قلوبنا و يعطف علينا بأن يعيدهم منتصرين لا شهداء ليس حسدا و لاغيرة حين يمنحون وسام الشهادة في سبيل اللّه و يرقّيهم ربّ العالمين إلى شهداء مع مراتب الشّرف ، و كأنّ أحدهم يرقى إلى رتبة فريق أو لواء ، و لكنهم أسمى و أرقى و أعلى ،،
هكذا أفتخر بهم و هكذا أطمئن لمقامهم عند ربّ العالمين لكني لا أخفي ألم و حنين فقدي لهم عرفتهم أم لم أعرفهم ، كانوا من أهلي أم من دون ذلك ، لكنها آهات الحزن تعصف بي بما لا أسطيع ترجمته و الإتيان بأسبابه ،،
نعم : أبكي كلّ شهيد ، و نعم لا شيئ في هذا العالم يهزّ روحي و يزلزل أركانها كخبر استشهاد أحد أولئك العظماء ،
أفتقدهم في غير لقاء بهم ودون سابق معرفة ، أعشقهم عشقا لا يفهمه سواهم ، أقدّس سموّهم ، و أتمنى أن أكون معهم ، و كم ناجيت أرواحهم : بأن خذوني لعالمكم حتّى عبق عَرَق لكم ، خذوني معكم كطبع صورة في ذاكرة أحدكم ، خذوني معكم حتى عروة زرار في لبس أحدكم ، خذوني معكم حتى ذرة رمل علقت في جرح قدم أحدكم ، خذوني معكم بأي لغة تحبون و بأي صورة ترتؤون ، و بأي هيئة تختارون ، خذوني معكم ، لا تتركوني في هذا العالم الميت فأنا أحب الحياة و أكره الموت ، و سبيلكم وحده هو الحياة و فيه الحياة الأبدية و أي حياة ؟!
إنها حياة المكرّمين عند ربّ العالمين ، حياة من يرزقون عند ربهم ،
فبالله عليكم فليلتفت أحدكم ليراني منتظرة عند ربوة للعاشقين ، و ستعرفونني حين ترون العشق الطاهر مني يلوّح لكم بيديه أن تعالوا فأشواق هنا تنتظركم لأخذها معكم فتفوز فوزا عظيما ،

ستعرفونني بصبغة روحي المشبعة بحبكم الأسمى ، و ستعرفونني بعيني المتكئة فيهما الدمعات على الأجفان تكابر كي لا تخرج لكنها تنساب كرهم المطر تهطل عليكم من سماوات روحي المتشبعة بحبّكم ،
أيّها الشّهداء ، و لن أملّ من أن أتمنى مقاماتكم ؛ فرأفة بي : هلّا أرسلتم إلي روح أحدكم لتأخذني إليكم فمعكم و برفقتكم سأحيا حياتي ، و سيحلو الخلود و أنسى مرارات العلقم التي عشتها مع الأموات الذين يتحركون فوق الأرض ، و سلام .

# شهداؤنا _ عظماؤنا .

أشواق مهدي دومان

You might also like