الشّهيد : قصّة حبّ بين السّماء و الأرض

إب نيوز ٢١ ديسمبر

وللمساء حكاية الدمع الخفية ، فيها انسكاب الروح لله وفيها همهمات النفس التي لا يعلمها غير الخالق لهذه الروح فلا يفهم ولا يفقه أي مصنوع غير صانعه ؛ فكيف بك يا إلهي وقد نفخت الروح في طينة من تراب الأرض وخلطتها بالماء لتتيح لهذا الإنسان وتهيأه للحياة في السماء وإن بدا أنه من الأرض كما أوحت سنوات سابقة من عمره..
هذا المميز الذي يكون معشوقا من الأرض حين فازت به وأنزلته إلى مستواها الترابي وتجسد فيه الطين الذي يقربه من أمه (الأرض ) في حاجاته التي هي نفسها حاجتها ..فهي – أي الأرض- لا تحيا إلا بالماء والماء مصدره الأول هو السماء وبهذا جمع أحد الشعراء بين بكاء السماء بالمطر وهو البكاء الذي تضحك منه الأرض ؛ فحين تبكي السماء ينهمر دمعها ماء ترتوي به الأرض الذي تظهر ابتساماتها وضحكاتها في لبسها واكتسائها بالخضرة وبانتعاش زهور الأرض الملونة ؛ وكما تحتاج الأرض للارتواء بالماء يحتاج الإنسان للارتواء بالماء ولا يحيا إلا به ؛ كما يحتاج هذا الإنسان( الأرض سماوي) للأكل وهنا حقيقة احتياج الأرض للالتهام …هذا الالتهام الذي يجسد حب الأرض لبنيها ولكنه حب فطري لا تترجمه اللغة والحروف بل إنّه همس الحق وصوت الحق الذي يكمن في انتهاء مدة حياة الإنسان على وجه الأرض ، الحق الذي ليس له إلا معنى واحد وهو الموت ….وبالموت قصة عشق الأم لبنيها التي تأبى إلا أن يعود إليها حين تكره بقاءه الأنفس فهو يتحول إلى جثة هامدة لا تقبله إلا أمه (الأرض )بعيوبه الجسدية بأمراضه التي سببت موته…
تعيده الأرض إليها بحنان وتغطي عيبه وتلفه بكفنه في سكون دون تأفف منه سواء كان يمتلك قسامة ووسامة وبسطة جسم أم لا ؛ تلفه بحسن خلقه أو بسوئه ، بفقره أو بغناه، وهي من يرمز للعدل فكل الناس ولدها باختلاف عقائدهم ومعتقداتهم وألوانهم وأجسادهم ؛ وتبقى الأولوية للتفضيل عند الخالق من له الحق في حساب الإنسان وعقابه.. وحده من أوجد ميزانا لهذا الانسان حين قال:
” إن أكرمكم عند الله أتقاكم”.
تضم الأرض بنيها كيفما خلقه الله و ترحب به ، حين لا يعُد له مكان إلا داخل أحشائها ، بعد غسله ونثر العطر والورد عليه ..
أليست هذه الأرض أما حنونا أم أن السماء أحنّ؟
ليأتي دور السماء في الإفصاح عن قصة حنانها وعشقها للإنسان وهي تشترط فئة واحدة من البشر وهم فقط من تسمو بهم إليها، وتشغف بهم أكثر؟
هنا فلسفة السمو والارتقاء يرسمها فصيل واحد من البشر تتنافس في حبهم الأرض و السماء؛ فتنتصر السماء في جذبهم واستمالتهم إليها وبكل دعة وحنان يُزفون إليها دون أن تشترط نظافة أجسادهم فهم يرتقون إليها برائحة عرقهم ؛ بغبرة ملابسهم ، بشعثة شعورهم، بجراحهم النازفة بالدم …
تضمهم وتستقبلهم جماعات وأفرادا وتحبهم كما لو كانت هي من أروتهم من صدرها !!!
نعم : إنهم الشهداء في سبيل الله من يفقهون فلسفة الحب الذي تتنافس عليهم الأرض التي يبدون لنا أنهم عادوا إليها كبقية البشر ، ولكنها حينها ترسلهم روحا إلى سموات الله أحياء يرزقون في ضيافة الرحمن و يبدو لنا وكأنهم يغفون غفوة وداعهم للأرض ؛ وفي غفوتهم تتهيأ أرواحهم وربما أجسادهم لحياة أجمل لايفقهها غيرهم …

فطوبى للشهداء…

هذه نهاية قصة الحبّ الحقيقية بين السماء والأرض …

قصة كُتبت باللون الأحمر الدفّاق الذي نزف من مهجة الشهيد فعبق المسك بين السّماء والأرض شاهد على عرس سماوي واحتفال سماوي ترحيبا بهذا السامي المتسامي؛ من أرخص لله روحه ؛ وباعه إياها دون رياء أو تردد..
وحينها ليس لنا كأموات في هيئة أحياء إلا أن نُردّد قول الخالق الذي أحبّ ضيوفه حين أخبرنا ونهانا عن الظن في أمر أحبابه:

” لاتحسبنّ الذين قُتِلوا في سبيل الله أمواتا ؛ بل أحياء عند ربهم يُرزقون ” .

# شهداؤنا _ عظماؤنا .

أشواق مهدي دومان

من أرشيفي :

أكتوبر / 2016

You might also like