مشهد لموكب ليث مسجى
إب نيوز ٢٤ ديسمبر
ألطاف المناري.
في عام 2015 ربما الكثير لا يعرف ماذا يختزل هذا التأريخ في ثناياه من ذكريات جمة ، ولكي لاتطول حيرتكم هو عام بدأت في الجرائم ،هو عام أعلن فيه سفك دماء اليمنيين بلا توقف ، هو عام أثكلت فيه النساء ،وتيتم فيه الآلاف الأطفال ، هو عام أبتدأت فيه أحزاننا ووجع قلوبنا ،
هوعام استنفر فيه جميع رجالنا تاركين ورائهم ذويهم وأعمالهم ومناصبهم.
في إحدى ليالي ذلك العام كنت ذاهبة إلى أحد أسواق العاصمة صنعاء ، كان الشارع يصرخ من شدة ازدحام السيارات ، هناك ضجيج يعم الشارع وكلنا لانفقه مصدره .
تلفت حولي رأيت سيارات يترتبن بشكل تلقائي واحدة تلو الآخرى ، ضننت أنه عرس أحد أبناء بلدي الصامدين ، ولكن عادة الناس هنا هي أن العروس تزف في ساعات الليل الأولى تعجبت كثيراً لذلك الموكب !
وصار صدري يدق بقوة عندما كنا نقترب من مصدر الضجيج.
عيناي تحدق في تلك الرجال الذي لو أُذن لها بأن تغزو تلك الساعة لغزت ، وجوها حزينة غاضبة ، الشرر يتطاير من الأعين ، القلوب محروقة ومكلومة .
صفارات الباصات تزعج الجميع وخاصة من في ذلك الموكب ، فقد كان الكثير يصرخ ليتوقفوا عن التصفير وكأن لديهم نائم لايودون إيقاضه.
مرت ربع ساعة وحدسنا يقول أن هناك حادث حصل وجرائه ذهب ضحايا كثر … ولكن حدسنا لم يك صائباً، فعندما خرجنا من ذلك الشارع كان الموكب يسلك طريقنا بوقار وهدوء ، موسيقى حزينة تداعب ذرات الهواء وترافق المارة ، تلك الموسيقى أدخلت الحزن الئ قلوبنا جميعاً ، طأطأنا رؤوسنا عندما إتهمناهم بإحداث الضجة والإزدحام.
عجلات باصنا أبطأت تلقائياً وكأنها هي وسائقها يشاركان اصحاب الموكب الحزن أو بالاصح الوقار ، بين فترة وأخرى كانت قلوبنا تُفزع عندما تسمع صرخات عالية من حناجر موجوعة تمزق ذلك السكون ، في رأس الموكب كان هناك سيارة تكتسي القماش الأخضر الذي تدل على إن الموكب موكب شهيد ، على ظهر تلك السيارة روح لبطلٍ حلّق في ركب الأولياء ، روحه قد سكنت دار الفوز العظيم ، ذلك الليث المسجى أهله يلتفون حول جثمانه كان بينهم طفل صغير ينتحب بشكل يمزق قلب الرآئي له.
وعند رأس الجثمان رجل عجوز لاتفارق سماعة هاتفه اذنه لخمس دقائق ، كان يتلقى التعازي بقلب راضي معتز بنيل ابنه الشهادة عرفت ذلك من حركة يديه الذي كانت تُرفع إلى السماء حامدة الله شاكرة إياه على قضائه وعظيم فضله.
بعد ساعة من المشي الهادئ الذي يليق بذلك الأسد المغوار توقف الموكب ، واسرعت أنا بالنزول من الباص رغم أن مشوار طريقي لم ينتهِ بعد ، لم أتحرك قدماً واحداً من مكان نزولي.. ظليت أرقُب المشهد عن كثب…
عند باب بيت الشهيد يحتشد جمع غفير من النساء والأطفال ، كان هناك صوت إمرأة يُسمع بوضوح كانت تقول بلهجتها ” أهلاً ياولدي ، كنت أنتظر عودتك ولكن عدت لي جسداً بلا روح ، ولكنك رفعت رأسي ، وزدت عزتي وشموخي ، فهنيئاً هنيئاً أيها الولي ، أعاهدك أن أجعل أبنائك نصب عيني ، نم قرير العين ، نم قرير العين ياولدي ” كانت تتفوه بالجملتين الأخيرتين والدموع تسيل على خديها كسيل جارٍ حُزناً على فراق ابنها.
أمي ياأم الشهيد كل دمعة هي لعنة على كل باغٍ مجرم معتدي ، أمي ياأم الشهيد كل جرح كل اااااهٍ فيها ألف أجرٍ فاحتسبي.
أمي ياأم الشهيد لقد زدت عزمي ورفعتِ رأسي بثباتكِ وكلماتك التي هي كرصاصة في صدر عدوٍ صلفِ .
الشهيد ترك طفلة كانت تخفي وجهها الباكي النحيل بين فخذي أمها.
أما شقيقها فقد هرع نحو الصندوق الذي يحمل جثمان أبيه وهو يصيح بكل لوعة وحزن “أبي ، أبي ” أباك ياصغيري لن يجيب فلا تصيح هكذا ، أباك ياصغيري لن يعود فلا تستمر في هز جثمانه ، أباك ياصغيري لايستطيع مد كفيه ليكفكف دموعك فلا تستمر في رفعها برجاء شديد ، أباك يابني لن يحتضنك ليخفف صدمتك ويهدأ من روعك فلا تعانقه هكذا ، أباك يابني ذهب لكي تحيا أنت ، أباك يابني قدم لأجلك أنت وأهلك وشعبك أغلى مايملك ( دمه ، وروحه ) ، أباك يابني رحل وهو مطمئن البال بأن ورائه زوجة مؤمنة وليه ستربيك وأختك تربية قرآنية ، ذهب وهو يعلم أن وراءه شعب وقيادة تهتم لأمركم وتلبي إحتياجكم ، أباك يابني بطل مؤمن تقي ليس لروحه ثمن الإّ الجنة ، أباك يابني ثأر لشعب بأكمله فاعتز وأفخر بأنك ابن شهيد.
أيها العظيمة ، أيها الحورية يازوجة الشهيد لاتنظري إلى بطلك بيأس فهو شهيد.
زوجك ينظر إليك من هناك من بعيد.
ويقول أنا أيها الغالية في ضيافة الله العزيز.
إني لمشتاق إليكم ولكن هل أرد ملائكة قالت كرمت فصرت شهيد؟
وستعيش في جنات خالداتٍ فيهر من كل طلع نضيد ؟
ابتسمي ولا تحزني فإني هاهنا سعيد .
ربي أبنائي وأخبريهم أن يلزموا درب حسين السبط الشهيد.
إني متكئ عليك بعد الله اتكاء شديد.
فصوني العهد فأني أنتظرك وأبنائي لتأتوا لنهنأ بالعيش الرغيد.
ابن الشهيد انتزع بقوة من على جثمان أبيه وشقيقته اشتقت الصفوف وهي واضعة يديها على عينيها متجهة نحو الدار فقد ازداد وجعها لما رأته من أخيها.
كان هناك نسوة يبكين ويصرخن ، وينثرن الرياحين على ذلك الجثمان الطاهر ، المتابعون للمشهد أيضاً كانت أعينهم تفيض دمعاً بدون أذن ، كنت أرى المشهد مابين حزن وعظمة ،مابين ألم وتحدي صريح للعدو ، كنت أرى دموعٌ تنهمر وكلها احتساب ورضا ، كنت أرى أيدي تلوح لتقول لمغوارها المجاهد الئ اللقاء ،أيدي تُرفع إلى السماء حامدة الله وداعية على العدو ، وكنت أسمع أصوات تلهج بالحمد وتذكر بعض صفات الولي الراحل.
بذلك المشهد رأيت اليمن حقيقة رأيت الإيمان والحكمة رأيت الصمود والعزيمة والفخر.
بذلك المشهد الذي صدره والدا الشهيد وزوجته إزددت فخراً بأني أنتمني لهذا البلد الطيب المعطاء.
فألف حمدا أن أكرمني الله بأنك أكون من أبناء يمن الإيمان والحكمة.
2020.12.23
#الذكرى_السنوية_لشهيد.