عِشرونَ عامًا مِن الفَشل

إب نيوز ٢٩ ديسمبر

أسماء السياني

ونحن على مشارف انتهاء العام العشرين من القرن الحادي والعشرين وإبتداءً بعشرية جديدة مر اليمن واليمنيون بمخاضات عسيرة ومفصلية لابد لنا من الوقوف والتأمل في مجريات أحداثها. ففي بداية هذا القرن كان العالم بأسره يخوض مرحلة جديدة في صراعة، وتدشين لأجيال من الحروب التي لا زالت تدور رِحاها إلى اليوم.
وفي بداية الألفية لهذا القرن كان هناك حدث غيّر مسار المعركة مع أعداء الإسلام، حيث أُعلِنَ فيه بداية الحرب الصليبية الصريحة على الإسلام على لسان الحاكم آنذلك بوش، وكما هو معروف لدى العسكريين والقادة بأن الخيار العسكري يُستخدم لحسم الصراع وللسيطرة، والاستباقية بشن هجوم عسكري قُبيل وقوع أي خطر وإن كان محتمل بنسبة ضئيلة، وكما تستخدم هذه الحرب بعد سلسلة من الحروب الإقتصادية، والسياسية، والثقافية، والفكرية، والدينية ويبقى الخيار العسكري هو آخرها، فيأتي ويعلن الحرب على الإسلام كَكُل.

كان وضع العالم العربي آنذاك يعمهُ السكوت والجمود والترقب، والتوجس، مع حالة من التودد والتقرب، والتبرير للعدو بشأن هجمته الواضحة والعلنية، فحالة الإستسلام والخضوع التام عَمَّ المنطقة ماعدا أصواتٍ مناهظة لم تقبل بهذا الذل والإمتهان.
وفي زحمة الأحداث كان هناك صوتًا يمنيًا مناهضًا مُبايناً، فاضحًا، وكاشفًا لتلك المسرحية الهزلية التي صدقها السُذّج من الأعراب، وكان ذلك الصوت صادحًا من مران الأبية، فبعد مرور أربعة أشهر فقط من ذلك الحدث، تحدث اليماني المجاهد بملئ صوته معارضًا لهذه الهجمة، مسارعًا في إنقاذ الأمة، موضحًا لها حقيقة ما جرى وماذا سيجري عليها إن استمرت في خط الأعداء، ومنذ ذلك اليوم اتخذ اليمنيون موقفهم المضاد والمبدئي؛ ليدخلوا في مرحلة جديدة ومفصلية ستجعل من يمن الأمس يكسر كل حالات الجمود والسكوت؛ ليجعل من نفسه رقمًا صعبًا في أبناء محور المقاومة، ويصبح يمنًا جديدًا يغير كل معادلات الاحتلال ويخلط الأوراق، حيث من ضمن الأهداف تلك تجزئة كل ماهو مجزء وتقسيم المقسم، وانتاج ما يسمى بشرق أوسط جديد.

ومع ولادة هذا المشروع القرآني العظيم برزت التحديات والأخطار والصعاب في مسيرته، حيث أن الحاضنة الشعبية له تميزت عن غيرها بتمسكها بهذا المشروع الحفاظ على مبادئه وقيمه وأسياسياته، ولم تقبل المساومة بشأنه، فكان السجن والإعتقال والفصل من الوضائف، ونشر الدعايات والأكاذيب، والتحريض المذهبي والطائفي والمناطقي هو مصير كل من يحمل هذا المشروع وينهض به، ويستمر فيه بالنشاط التثقيفي والتوعوي والإرشادي، إلى الحصار الإقتصادي على كل مناطق المتواجد فيها النشاط وهذا المشروع، ومن ثم لم يؤتي هذا نتيجة للأعداء -المشروع القرآني- بل زاد من توسعه وأهميته، فكان الخيار العسكري هو الفيصل بحد زعمهم لوأد هذا المشروع وإنهائه قبل أن ينتشر في عموم المحافظات اليمنية المتبقية، فشُنت الحرب العدوانية والظالمة على أبناء منطقة مران وما حولها بإيعاز أمريكي صهيوني بأداة يمنية عميلة، وتحت غطاء سياسي أمريكي بما كان يسمى محاربة الإرهاب وتجفيف منابع الإرهاب، فشنت الحرب الأولى وأنتهت بإستشهاد مؤسس المسيرة القرآنية الشهيد القائد/ حسين بدر الدين الحوثي “رضوان الله عليه” ، لكن شرارة المقاومة لم تنطفئ بل ازدادت توهجًا باستشهاد الشهيد القائد وكل الشهداء في تلك الحرب، فبعد أشهر قليلة تشن حربًا ثانية ثم ثالثة ورابعة و خامسة ونهاية بالسادسة التي كانت أوسع من قبلها وشمولها للمحافظة، وبنفس الأسباب التي شنت بها الحرب الأولى.

أما مرحلة ما بعد الحروب الست لم تكن أقل سوءً من الحرب ذاتها، حيث كان هناك حرب بأساليب مختلفة منها: معارك التكفريين في دماج وكتاف، إلى معركة عمران، ومن ثم أزدادت حدة الصراع عبر سياسات أستخدمتها السلطة بحق الشعب اليمني وتماهيها مع العناصر التكفيرية وفتح المجال للأمريكيين للتصرف في المناطق اليمنية والعاصمة تحديداً والانفلات الأمني الفضيع الذي ترافق معه سلسلة طويلة من الانفجارات والاغتيالات التي طالت سياسيين وأكادميين ونُخب من المنتمين لمكون أنصار الله، بالإضافة إلى الإجراءات التعسفية التي تشكل عبئ على المواطن اليمني في تلك الفترة الحرجة.
فأنفجرت ثورة الحادي عشر من سبتمبر لتغيير المعادلة وتطالب باسقاط الحكومة الظالمة، واسقاط كل مشاريع التقسيم والتجزئة لليمن إلى أقاليم، مع رفض للتدخلات الأمريكية الواضحة في شؤون اليمن الداخلية، وبحمد من الله ومِنَّه تكللت تلك الثورة بالنجاح رغم المماحكات والمكائد لإحباطها وإفشالها إلا أن قيادة الثورة الحكيمة ومع الثوار الأحرار الذين صمدوا، أعطى ذلك نتيجة إيجابية لهذه الثورة وللمطالب الشعبية المَحِقة.

ستة أشهر وبضعة أيام مضت من عمر الثورة الشعبية تحقق فيها أهم ما كان يطالب به الثوار، حيث أنطلقت اللجان الشعبية بحفظ الأمن والسيطرة على الأوضاع الأمنية في العاصمة وغيرها من المحافظات، ومغادرة السفير الأمريكي من صنعاء مع جنودة وأعوانه، ودحر العناصر التكفيرية من بعض المحافظات اليمنية، ولكن أمريكا لم تتحمل هكذا فشل واحباط لكل أوراقها ومخططاتها، فكانت النتيجة هي شن العدوان السعودي الأمريكي الإماراتي الصهيوني، الذي أعلن من واشنطن، ليخوض اليمن معركة جديدة من الصراع مع أعداء الإسلام المتمثل في أئمة الكفر عامة، أما المسارات التي أعتمد عليها بشكل رئيسي في عدوانه هي: المسار العسكري حيث يعتبر أهم مسار، والمسار السياسي، والمسار الدبلوماسي الذي واجه فيه وفد صنعاء المفاوض عراقيل كثيرة وتَماطُلِ وانحياز بصف العدوان ، وقرارات مجلس الأمن التي فرضها على قيادات في أنصار الله، وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني ومبادرة مجلس التعاون الخليجي مع أن وفد صنعاء كان حاظر لجميع تلك المطالب والذهاب لطاولة الحوار والمفاوضات، ولكن الهدف منها بالنسبة للأمم المتحدة ودول العدوان هو إطالة أمد العدوان والإلهاء للرأي العام بأن الصراع بين أطراف يمنية مع أن الواضح هو أنه صراع يمني مع قوى أقليمية تديرها أمريكا والعدو الصهيوني، وأيضاً المسار الإقتصادي لم يكن بمنئا عن معاناة اليمنيين، وهي الورقة التي راهن عليها العدوان للضغط على حكومة صنعاء بعد الفشل في المسار العسكري والدبلوماسي والسياسي وغيره…

وبعد أن قطع العدوان العام السادس من حربه الذي شكل نقطة تحول كبيرة لليمنين في تنامي وتطور القدرات العسكرية والتصنيعية والقتالية ما جعله يتفوق على أحدث وأفخر الصناعات الأمريكية والبريطانية والصهيونية، فكل ما يراد من اليمن منذ عشرون عاماً هو إحتلاله ونهب ثرواته ومقدراته والتحكم في موقعه الإستراتيجي الجغرافي المشرف على أهم مضيق جيوسياسي في المنطقة وهو باب المندب، ولكن أتى هذا الإحتلال بذريعة العدوان، وعدوان بذريعة الشرعية، وشرعية تريد الإحتلال وهذا يعتبر ملخص لست سنوات من العدوان والحصار ، وطول أمد العدوان يدل على أن إيقاف الحرب سيشكل خطراً كبيراً على أعداء المنطقة والأمة، حيث بات الصراع مع العدو الإسرائيلي في فصولة الأخيرة، وما تصريحات ناطق الجيش الإسرائيلي المدعو/ زيلبرمان ، من توقع هجمات تأتي من اليمن ببعيد عمّا سيحدث فيما لو تورط جيش العدو بأي حماقات ضد أبناء الشعب اليمني ومن هنا حتى العشرية الأخرى نترك الأحداث للميدان..

 

You might also like