دخــــان الــــحروف
إب نيوز ١٦ يناير
عفاف البعداني
فترات يكون فيها الكاتب أشبه بقنينة ممتلئة بالصمت، فمهما ضغطت عليه لن يزخ لك بأي حرف، ممتلئ هو وممتنع من الحديث في آن واحد؛ لسبب مجهول لن يعرفه حتى عالم في تشريح الشعور، فليس هو بدار البؤس ولاهو بكوخ البهجة ؛ بل في وسط الطريق المؤدي لأجارثا ، هي بالأصح فترات بل قد تطول لأيام ، ولشهور، يكون فيها الكاتب بعيدًا عن نفسه، يهيم بالعودة ولكن لايستطيع ، كل مابوسعه أن يبقَ هادئا، يجرخيبات حلمه نحو عالم مجهول، حتى ظله المشقوق ممزوج بخيوط الألوان الخامقة، يشكل تسلية كاذبة يشرف عليها مهرج في نهاية كل يوم، و على جدار هش فقد القوامة ، وفي بوارج حتفه ، بحر مكتض بالشرود المصفى لايترجمه مد ولاجزر .
يهرب عبر حدود روحه من نفسه، لا يرضيه مدح ولا يهمه ذم، كل القريبين بِعاد، وكل الأمنيات سراب، لاتعنيه محطة الوصول وبتاتا هو لا يفكر بالعودة، هو مسلم خلجه للأيام واللحظات الآتية، يتراكم بوحه كجليد أصم يخاف الحديث بحضرة الشمس الشارقة، وإذا هاج المساء ارتاح حينًا بحلول الليالي الباردة، و رغم صداعه المعتاد، هو مازال يستفرط من جل الشعور و لاشيء بحوزته سوى صقيع الكتابة يبقى كل شيء عالق في قاع جمجمته وبين أياديه المنقبضة ، وكأنّ كل المفردات أُكِلتْ ولم يبقَ منها إلا السطور على مائدة الفكر الهارب من كل أريكة.
صمت مؤرق، يكبلنا بسلاسل حديدية، تقيد حروفنا بتهمة لانعرفها، تجتاح فكرنا المغلوب بسلطان صمت مرهق ، نجد أن الكلمات تحتفل بعيدا عنا، وتتراقص في رأسنا بموسيقى الاستتابة، لاتعلم طريق العودة إلى ذلك البيت الروحي المعهود، حتى كم الساعة الآن ؟؟؟ سؤال لا يعنيها!!!! فالعالم هو… هو… متحرك وهناك أشياء كثيرة ساكنة .
وحالما أقرر بدوء البوح من جديد ، أشعر بحرارة الكلمات تحترق في حنجرة القلم ، يتصاعد الدخان فأجدني تاركة كل المفردات … ولاشي ء ينقذنا من لواذع الحتميات الفكرية، حقا كم أتمنى أن تعود تلك اللحظات التي أكتب فيها كل ماعلق في مخيلتي، أتمنى أن تعود راحتي المفقودة التي لطالما كنت أتبعها بشق الأنفس، ولكن لعلي كنت أرتاح بالنهاية حينما أجد ربيع حرفي شارد في شفق صباح مزهرد.
.