أيقونة الصبر
إب نيوز ٢٢ يناير
أشجان الجرموزي
في تلك الليلة تدعو متبتلة راجية أن يهدء الله من ارتعاش قلبها وأن يخفف من وخز ذلك الطارئ على سكينتها فقد رأته في أخر مرة على سجادته يدعو ويبتهل بخشوع لم تعهده منه من قبل فتحدث قلبها الأرض لاتليق بك أبداً فمكانك هو السماء حيث جنات الخلد، لم تعي ماقاله فؤادها المؤمن بالله والواثق به ..
صغيرها الذي نما في أحشائها وعاشت معه تفاصيل حياته الذي ويكأن مولده الذي كان في السابع عشر من يناير ينبؤ عن أنه سيكون من رافعي شعار الحق الذي ولد في نفس يوم سطوع صرخة الحق، من نبع أخلاقها سقته وغذته ومن فيض إيمانها لقنته العلوم وعلى نهج آل البيت أنشئته، لم يكن سوى بذرة زرعت في هذه الحياة بمعية الله وكانت هي الزارعة لها، حتى أثمرت عزة وكرامة وأينعت إيماناً صادقا فتعلمت منه ماهية التضحية وكيف تكون إرادة الجهاد مستمرة لازال ربيعي العمر لكنه يعادل بحلمه وحكمته من يكبرونه سنا ولايفقهون من حديث الله شيئاً ، لتمر تلك السويعات لتأتي إليها بشرى استشهاده في الثاني والعشرين من يناير للعام 2020 ، الذي إن حمل ذلك الخبر على جبل لخرت صلابته إلا أن فؤادها المؤمن بالله كان أصلب وأجلد ولو تمزقت روحها أشلاء، فهي كامرأة عمران حينما نذرت مافي بطنها خالصاً لله فهي نذرت فلذة كبدها لله وفي سبيله لم تحدث الله عن صغر سنه بل كانت تقول كن ياالله في عونه ومعه وحافظاً له وإن رزقته الشهادة فهنيئاً له ماسينال وهنيئا لقلبي أن أصبحت أماً للشهيد…
نزل علي الخبر كصاعقة لم اعتدها وادمى قلبي كنت ارسم ألف صورة لها ولفاجعتها كم تمنيت أن أصل إليها في تلك اللحظة كطائر يسرع إليها ويربت عليها بأجنحته، وحينما ذهبت لأعزيها لن أنسى ذلك اليوم فصرت أعزي نفسي وضعفها وصرت أعتب على روحي وتقصيرها، فأين أنا من ذلك الجلد وأين أنا من تلك التي ترسم الابتسامة وفي عينيها ألم الكون أجمع، أين أنا من تلك التي لم يلجمها الحزن حين تحدثت إحداهن أنى لك أن تتركيه وهو صغير إلى هذا الحد لتجيب بحدة بعزم ، الصغير هو صغير العقل وقليل الوعي والإرادة والشموخ وأنا بفضل الله دفعت به في سبيل الله وسألحق أخاه به، فمنهجنا هو الجهاد وعقيدتنا هي الكرامة فنحن لانقاس بصغر الأعمار أو كبرها إن مايميزنا هو قوة إيماننا بالله وتمسكنا بنهج آل البيت فكم لي الفخر اليوم أني أصبحت أم الشهيد وكم لي الفخر والسمو أن الله تقبل ولدي رفعه في عليين، لم استطع أن أحرك ساكناً أو أن أصيغ حرفاً في عظمة تلك الأم…
ألم تخفيه عن الجميع وتكتنزه لنفسها، وتلك القوة التي تغلف بها هشاشة شوقها، وذلك الحنين الذي يتدفق من حرفها إلا أن إيمانها بفضل الله لازال في ازدياد، ولا زال حضورها الواعي ومقتطفات نصحها مستمراً رغم قلة بوحها، ورغماً عن جرحها النازف ليس ندماً بل شوقاً لقطعة من روحها وبلسم لجروحها هي هي كما عهدناها أيقونة صبر لامثيل لها وريحانة عطاء لا أفق لها، وجهادها الكبير وجدها اللا متناهي ، فهي كمجاهد عظيم قوي في أشرس المعارك والجبهات فلقد أثبتت أنها للجهاد عنوان وللتفاني صورة عظيمة..
لم أحظى بأي تفاصيل أكثر عن شهيدها إلا أنني آثرت الحديث عنها حتى أستطيع أن أستفيض مما وراء حاجز صمتها من عظيم صنع الشهداء فسلام الله عليها، وعلى شهيدها
تلك هي زوجة الجريح وبفضل الله أصبحت أم الشهيد /علي الكبسي طيب الله ثراه
في ذكراه السنوية الأولى..