في اليمن .. ذبحت طفولة الإنسانية .؟!

 

إب نيوز ٢٥ يناير
أسِامٌةِ الُقًاضُيَ

• كالصرخة اليتيمة التي لا تُسمع و زفرة العين التي لا تُرى، يُقتلعون من جذور الطفولة عُنوة، و يُلقى بهم على أسِرة الموت في مشاهد تُدمي القلوب ألماً و حسرة، كأغصان خضراء يافعة، تم اقتلاعها في أول مهدها، حينما شبت على قُبح الدنيا، لتغفو عيون أطفال العالم العربي و الإسلامي في التراب الذي يحتضن ضلوعهم الصغيرة بحنان، لم يجدوه في أطلال الإنسانية، و ستائرها التي تهتكت ففضحت مسرحيات العالم الهزلية التي يمارسها العالم بِرُمتِه ، و التي لم تعد فصولها الدموية تُقنع أحداً ..

• إنهم أطفال اليمن الحزين، الذين سيُلاحقنا عار خِذلانهم على مر التاريخ، تنظر إلى صورهم فتشعر وكأن العالم يتوقف من حولك، و كأننا نتعرى و نتجرد من كل معاني الرحمة و الإنسانية، لتقع عيناك ساكنة صامتة عاجزة عن البكاء، تُحدق بأجسادهم المُتهالكة، و أوصالهم المُرتعشة، و عظامهم الواهنة البارزة، و التي بالكاد تكسوها جلودهم المُزركشة بعروقهم النافرة، تراهم يُحملقون أمامهم في صمتٍ مَهيب، و كأنهم يُعاتبون العالم بنظراتهم الشاردة المُستغيثة، و كأن لسان حالهم يقول، “أيها العالم القبيح المُوحش ألم تفرغ من كؤوس دمائنا الطاهرة بعد .؟!”

• لتعلن منظمة اليونيسيف أن الوضع أصبح كارثياً في اليمن، و أن مليونين و ثلاثمائه ألف طفل يمني يعانون من سوء التغذية الحاد، و يحتاجون إلى العناية العاجلة، و أن محافظة صعده تشهد أعلى معدلات التقزم بين الأطفال على مستوى العالم، و يعاني ثمانية أطفال من كل عشرة أطفال من سوء التغذية المُزمن، دون أدنى تدخل من قبل مجلس الأمن و الأمم المتحدة، لرفع المعاناة الإنسانية عن تلك الأرواح التي تُبحر في بحر الظُلمات من ويلات الحرب و الجوع .

• أطفال اليمن الذين يعانون المُر و العلقم، و يمزقون أرواحنا المُتعبة و المُثقلة بقلة الحيلة و الذل و الهوان، و ينتزعون بنعومة أظافرهم الهشة ماء وجوهنا العارية، و يدفعون براءتهم و فِطرتهم النقية ثمن غالٍ، لما ترتكبه قوى الشر، من قوات “العدوان و مرتزقته” و جماعة داعش و القاعدة الدموية ، من جرائم ومجازر إنسانية في حق أطفال اليمن، مُدعي التحرير ظلماً و زوراً و بهتاناً، الذين يسعون في الأرض فساداً بلون الدم القاني و رائحة الموت، ليتركوا اليمن مُهلهلة و مُقسمة، و يحولون حقولها و رؤوس جبالها الخضراء، إلى مقابر جماعية مُتراصة، و صحراء قاحلة تُلوِح برايات الموت السوداء، و تكتظ بألغام النزاعات و الحقد و الشر، كأرض البرتقال الحزين التي يأكل قلبها العجز و اليأس و الخِذلان .

الجهل سلاح العدوان الفتاك :

لننتقل إلى فاجعة أخرى تُمارس في حق أطفال اليمن الحزين، و هي تجنيد الالالف من الأطفال، و جعلهم كبش فداء لويلات الحرب التي ستضع أوزارها على العالم أجمع، لتعتصر قلوبنا دماً يسري بلا توقف، على حال أطفال عالمنا العربي و الإسلامي، الذين يتعرضون إلى أهوال من العذاب و الألم و الفُقدان و الوحشة، بين ويلات الحروب و القصف ، والدمار و الهلاك تارة، و بين أنياب الجوع و المرض تارة أخرى .

لتبقى براثن الجهل تنهش عقول أطفالنا، و تسلبهم زهرة أعمارهم، و تُمزق أجنحة حريتهم، و تنتزع رحيق طفولتهم، و تحرق فراشات أحلامهم الملونة ..

• و يبقى السؤال قائماً، كيف يحلو لحكامنا النوم، و أطفال سوريا ينحتون بدمائهم على جباهنا تقاسيم الخزي و العار، و أطفال اليمن يموتون جوعاً .

• أي عار تصفه الحروف و الكلمات، أن يموت طفل يمني كل عشرة دقائق، ضحية الجوع في بلاد المسلمين، التي قال عنها الخليفة “عُمر بن عبد العزيز”، “انثروا القمح على رؤوس الجبال، لكي لا يقال جاع طير في بلاد المسلمين”، و لكننا يا عُمر تركنا أطفالنا فريسة و وقوداً لأسراب الغربان، و نثرنا دمائهم و أشلائهم، و رُفات أحلامهم على رمال أوطانهم الباكية بكل دمٍ بارد، و حصدنا الأشواك في أعماقنا حتى اعتدنا عليها، و صارت جزءاً منا ..

• من أجل ماذا يا حكام العرب و المسلمين، من أجل ماذا تتنازعون و تتصارعون و تنقسمون، بين المصالح و المكايدات السياسية، من أجل ماذا و العار يُلاحقنا حاضراً و مستقبلاً، أحياءً و أمواتا ؟!، من أجل ماذا نترك أطفال اليمن فريسة كلُقمة العيش المُستساغة للجوع و المرض، بين الإهمال الطبي، و قلة المراكز الطبية التي تفتقر إلى أدنى مقومات الرعاية الصحية، ليموت أطفالنا بسبب الجوع الدامي، و سوء التغذية، أي عقل يمكنه أن يتصور و يستوعب حجم الألم و المعاناة، أن أطفال بلدٍ عربي يموتون بمعدل طفل كل عشرة دقائق ضحية ..

• إنه الوجع المُرتل في محراب الوطن العربي، و السواد القائم في مآتم الضمائر، حتى تأتي لحظة القصاص و لو بعد حين، ممن شربوا دماء الآلاف، بل الملايين من الضحايا الأبرياء، و التهموا لحومهم المعجونة بآهات و عويل ذويهم، في صحون من ذهب و فضة ..

• فلنرسم على جداريات العالم، بدماء ملايين الأطفال و أوصالهم المُمزقة، و صراخهم المدوي المُترامي في عنان السماء كالغسق الأحمر الذي يخُط خطوطه عند وداع شمس النهار، لتفضح عراء الإنسانية، و ليل الرحمة البهيم، فربما تُحرِك تلك الصورة الدامية ضمائرهم، و تخترق أعينهم الخائنة، و تُخيم بشاعتها على و جوههم الشاحبة، رغماً عن كل مساحيق التجميل التي يُبيضون بها وجوههم و أحاديثهم الكاذبة .

• إن حبات الرمال المُخصبة بالدماء المسفوحة، تبكي أطفال فلسطين و العراق و سوريا و اليمن و بورما، لتُعانق سنابل القمح الذهبية و سحابات السماء القطنية، أرواحهم الصاعدة للسماء التي تبكي نظرتهم الأخيرة، فلا جوع و لا خوف بعد الآن يا صغاري .

• و لكن عزاؤنا الوحيد أنهم رحلوا و أننا راحلون، فسلاماً إلى ربيع الطفولة الموؤدة، و دفاتر الأحلام الوردية، و نواصي الآمال الحزينة، و خُصلات الشعر المجدولة، و أناشيد الوطن المرثية، و صناديق الألعاب و الدُمى المنثورة تحت حُطام الحياة، و الحصالات الخشبية المُخبأة، و فتافيت الخبز المعجونة بدماء الطاهرين، سلاماً لمن غادروا أجسادهم الفانية، إلى فجاج من نورٍ سرمديا، إلى بشراهم بروح و ريحان و جنات نعيم، فظلم الدنيا مهما طال ساعة، و نصر الآخرة خُطاه خالدة، و نعيمه لا يفنى، فطوبى لهؤلاء الذين حفروا بدمائهم الحُرة كلماتهم على أبواب برزخ الحرية .

You might also like