الزّي الشّعبي
إب نيوز ٣٠ يناير
و قبل الحديث عن الزّي الشّعبي يقول المثل الشّعبي : ” ” كُل ما يليق لك و البس ما يليق للنّاس ”
و هنا لا أحسب الأمثال الشعبية إلّا عالجت معظم قضايا المجتمع كانت سياسية ، تربوية ، اقتصادية ، اجتماعية ، …الخ ، عالجتها معالجة نفسية معنوية فالمثل الشّعبي لا يأتي من فراغ ، بل يأتي مشبّعا مرويا من الفكر و العقيدة و العاطفة و ينطلق منسجما مع عادات المجتمع و تقاليده ، محاكيا مخاطبا المجتمع بلهجته الشعبية القريبة من كل فرد فيه ، و هذا المثل هو خلاصة الخلاصات و لبّ التجارب ، و أعتقد بما لا شك فيه أنّ هذا المثل : ” كُلْ ما يليق لك و البس ما يليق للنّاس ” صادق المضمون مكتمل الشّكل و إن كان بأسلوبه الإنشائي فهو يوجّه الخطاب لواحد و يريد الكلّ في بلاغة ، و كأنّه يقتفي أثر القرآن الذي لو خاطب الواحد فقد أراد الواحد و من معه أو كلّ من يتبعه ، و أيضا من بلاغة المثل الشعبي أنّه قريب من العامة ، و بالتالي يؤّكد بلوغه و وصوله إليهم ، و من واقعهم ، ذلك المثل الذي يمكن تشبيهه بنسيج خيوط ملونة أتقنت الغزّالةُ حياكتها و إخراجها بذلك الجمال ، ومن المثل الشعبي القائل : ” كُلْ ما يليق لك و البسْ ما يليق للنّاس ” ، هو طلب و أمر : ” كل و البس ” ، و لكنه يعتمد على مشيئة منفِذِهِ و إرادته ، و هو منسجم مع مجتمعنا اليمني المحافظ الذي لا يبتذل فيه الرجل و لا المرأة في لبسهما و لا يتجاوزان حدود الذوق العام و الرأي العام ، هذه العموميّة التي يدخل في جلبابها مفهوم الشّعبيّة ، أو الشّعب ؛ و شعب كشعب الإيمان و الحكمة لا يُرجى منه إلّا أن يتمثّل اللبس المناسب لتلك الحكمة و ذلك الإيمان ،
و أمّا الأكل فلا تضييق على أحد فكلّ لن يأكل إلّا بقدر حاجته ، و ليأكل ماشاء إذ ليس بالضرورة أن يرى العالم ما نأكله إن عشنا شظفا من فقر أو حاجة ، أو عشنا مرفهين في بحبوحة و فسحة ، لكنّ الأمر يختلف في شأن أو مسألة اللبس ؛ فاللبس يسير بين النّاس و يمشي في الأسواق مع لبّاسه ، و اللبس يغدو و يروح ، و في غدوّه و رواحه علاقة تأثير و تأثر و تداعي إمّا للاحتشام إن كان لبسا محتشما أو نشرا للابتذال إن كان لبسا مبتذلا ، و هذا هو معنى : ( التّداعي) ، إضافة إلى أنّ مراعاة قيم المجتمع في اللبس تدل على حضارية الشّعوب في تمسّكها بشيئ من هويّتها و عدم ذوبانها في المستحدث من القادم من الغرب الدّخيل على عاداتنا أو من الشّرق المتأثّر بالغرب ،
و في هذا المقام لنا أن نميّز بين اللبس و الزّي : فاللبس مفهوم عام ؛ فللرجل لبسه و للمرأة لبسها في الظروف و الأيام العادية ، حتّى في دون تخصّص الرّجل و المرأة في عمل ، لكنّه ينتقل إلى مسمّى الزّي حين يتخصّص في وظيفة ما ، أو يقتصر على مناسبة ما أو فترة زمنية محددة ، و بالتالي فاللبس عام ، و الزّي خاصّ ..
اللبس : كلّ ما يلبس ، و الزّي مايلبس لكن تحكمه نوعيّة الوظيفة الاجتماعية أو المناسبة الاجتماعية ،
و هنا فالزّي على صنفين أو شقين فمنه ما يعمّم على كلّ شعوب العالم حين يكون زيّ وظيفة أو رمز صرح علمي بينما يكون شعبيا حين يحضر المناسبات و يمتاز به شعب عن آخر ، بمعنى أنّ الأزياء العامّة تستوعب كلّ الشّعوب فمثلا : زيّ الطبيب متعارف لدى العالم أنّ الطبيب كان في اليمن أم المغرب أم أوروبا أم…الخ فزيّه حين ممارسته الطّب هو ذلك القميص الطويل شيئا ما و المغلق بعروات و أزرار من ناحية الصدر و الأمام و لونه أبيض ، بينما لبس المهندس المدني مثلا بتصميم مختلف و ذي لون أزرق ، و أمّا لبس قاضي المحكمة فيختلف عن زيّ ضابط الشّرطة الذي يختلف لونا عن زيّ ضابط الجيش و البحرية و الجوية ، و كما للموظّف زيّ خاصّ يعرفه النّاس به فلطالب العلم زيّ خاص بلون تختاره المدرسة إن كانت خاصّة و إن كانت حكومية فهو معمّم على كلّ المدارس الحكومية بلون معين و تفصيل معين أيضا إن كان للإناث أو للذكور ، و هذا هو الزّي العام الذي لا يحصره جغرافية أو تاريخ ، بينما حين يتخصّص الزّي بشعب فهو يسمى الزّي الشّعبي الذي يخص شعبا معينا، و هذا يتوضّح و يبرز أكثر حين يكون مناسباتيا أو في المناسبات ، و البديع في الزّي الشّعبي تلونه و تعدده و تنوعه في الشّعب الواحد باختلاف المناطق و طبيعة و تقليد كلّ منطقة في تلك البلاد ؛ ففي بلدنا ( اليمن ) تنوع للأزياء النسائية و لعلّ النّسائية أكثر تنوّعا انسجاما مع فطرة المرأة التي تحبّ الزّينة و الظهور في كل مناسبة بزيّ يختلف عن التي تسبقها ، و كما للمرأة اليمنية أزياء شعبية فللرجال كذلك و إن كانت محدودة مقارنة بأزياء المرأة ؛ و لكليهما في كلّ منطقة زيّ شعبي ؛ فهناك الزّي الشّعبي الصّنعاني، و الزّي الشّعبي اللحجي ، و الزّي التهامي ، و الزّي البيضاني و الزّي التعزي و الصّعدي و الحرازي و …و… و…الخ و هذه الأزياء تتلون و تختلف و تتنوع في مناسبات الأفراح أكثر من الأحزان فزيّ الحزن للمرأة ( مثلا ) هو الأسود ، و أمّا الرجل فلا زيّ له في الأحزان ،
و لنا أن نذكر في مقام الزّي الشعبي للرّجل الشّمالي ( صنعاء و ما حولها ) الزّي العام لكلّ الرّجال، و هو عبارة عن ( الزّنة و هي ثوب كامل و يفضّل له اللون الأبيض و لا بأس بتنويع الألوان حسب الذّوق ، و يحتزم الرّجل فوق ثوبه أو ( زنّته ) بعسيب و جنبيّة أو قايش و له أن يضع مسدّسه الشّخصي على حزام ( الجنبية أو القايش ) بينما زيّ الجنوبي و المناطق المحاذية للجنوب ( كتعز و الحديدة ) هو ( القميص و المقطب أو المعوَز ) : و المقطب أو المعوز عبارة عن قطعة قماش مخصصة و ملونة مستطيلة يلفّها الرّجل عرضيا من بطنه و خصره إلى تحت ركبته ) و للرجل أن يحتزم معه ” بجنبية ” أو ” حزام ” أو “قايش ” ،
كما و للرّجل أن تتعدّد أزياؤه في مناسبة كمناسبة عرسه ( خاصّة الرّجل في محافظات الشّمال ) فقد يختار : ( الزّنة و الكوت ) و يحتزم ( بالجنبية أو الخنجر ) ، و على رأسه ( الشّال أو الصّماطة ) المزخرفة باللون الذّهبي أو الفضي أو الأحمر أو الأزرق أو أي لون يرغب فيه ، و فوق صماطته توضع ” العكاوة ” التي تصنع كطوق من ورد و زهور ملونة مع ( الشّذاب ) ، و قد يلبس العريس : الثوب طويلا دون حزام أو ( قايش ) و فوقه ( الجوخ ) : أي العباءة السّوداء ، و تسمّى أيضا ( الدّجلة ) و تلبس فوق ( الزّنة ) ، و يوضع فوق رأسه العمامة ، و مع النّوعين من الزّي الشّعبي الفرائحي للرّجل في صنعاء و ما حولها من المحافظات يحمل العريس سيفا مطليّا بالذّهب أو الفضّة كرمز رائع لليمني و بأسه و قوته ؛ فهو شجاع و مستعدّ للنّفير لو دعاه الواجب للدّفاع عن الأرض و العرض و لو كان في عرسه ، و هذا ما أثبته الواقع اليوم من تلبية الرّجال الأحرار لداعي الدّفاع عن العقيدة و الوطن حتّى في أيام زفافهم الأولى ، و لازال اليمني مفتخرا بملازمته لسلاحه ؛ فالسّلاح و اليمني ( الشّمالي ) تربطهما علاقة المصاحبة ، و اقتناء السّلاح ثقافة لدى هذا الرجل الذي لا يغادر جنبيته أو مسدسه الشّخصي إلّا في أماكن يحظر عليه الدخول بها كالمستشفيات ،
إذن فالرجل اليمني يتزيّن و لا تكتمل زينته إلّا بارتدائه أجمل و أكمل زينة و هي السّيف بينما تتزيّن المرأة العروس بالذّهب و المجوهرات على جبينها و صدرها و تلبس حزاما من ذهب في خصرها ، و أمّا فرص اختياراتها للزّي الشّعبي فأوسع من الرّجل و ما هو للمتزوجة أكثر فالعازبة لا تتميّز بزيّ شعبي خاص، و إنّما تلبس بحريتها و مفتوحة لها الخيارات بشرط ألّا تتزين أو تلبس لبس المتزوجة أو العروس و إلّا فهي خارجة عن التقاليد و العادات ،
و في الأرياف تلبس المرأة ثوبها و تستر جسدها برداء طويل عريض منقوش و بألوان مختلفة يسمى ( الشّاذر ) و تضيف المرأة الشمالية إلى لبسها الشّاذر لبس ( المَصْوَن ) فيكون ساترا لها و هي تزرع و تحصد و ترعى الغنم ، و تعاون الرجل و تتقاسم معه العمل و تعضده بشدة ،
و تضيف التهامية المزارعة في لبسها أن تضع على رأسها قبعة مصنوعة من الحصير تقيها حرارة الشّمس الحارقة في المناطق السّهلية و السّاحلية التي يمتاز جوها بالحرارة الشديدة ،
و نعود للبس العروس الفرائحي فهو من تمتاز و تتميز به اليمنية عن غيرها من النساء العربيات ، فاليمنية لازالت تحتفظ بتقاليد شعبية موروثة منذ القدم في زيّها و خاصة المرأة اليمنية الشّمالية التي لم تطغَ ثقافة مستعمر عليها فتبدّل العادات و التقاليد و الموروثات الشعبية و منها الأزياء ، و هنا نسطيع القول إنّ للمتزوجة أن تلبس لبس العازبة و لها أن تتفنن في لبس الأزياء الشّعبية القديمة أو القديمة المتطورة فمن الزّي الشّعبي للعروس : ( العُصْبة ) و العصبة : قلائد و تعليقات من شغل اليد تصنع من الفضّة الخالصة أو ما يشبهها ، و تزيّن المرأة به بوضعه و ربطه على جبينها ، و قلائد على صدرها ، كما و يوضع حزاما على خصرها بعد تجميل وجهها باستخدام أدوات التّجميل من مساحيق و أحمر الشّفاه و ظلّ العينين الذي يكون متناسبا مع ألوان في ( العصبة ) و ألوان الثّوب أو الفستان الذي عادة ما يكون مطرّزا أو منقوشا بزخرفات مختلفة و بألوان جميلة ، و كانت العصبة ( قديما ) لبس العروس ليلة زفافها ، كما كانت تلبس ( القنبعي أو القنباعي أو الذّهب ) و هذا القنبعي أو القنباعي أو الذهب ينظم بشكل هرم من حبات ذهب ( أو مطليات بالذّهب ) مرصوفة بشكل هرم قاعدته عريضة و ينتهي بآخر حبّة في الأعلى يوضع على جبين المرأة أيضا متناسقا و متناسبا مع لون فستانها أو ثوبها ، و من تسمية ( القنبعي ) هذا تُهنّأ البنت العازبة ( في الأعياد ) بالقول لها : ” حريوة مقنبعة ” أي : نتمنّى أن نراكِ عروسة لابسة ( القنبعي أو الذّهب ) ، و الذي كان يلبس ( ما قبل ثلاثة عقود ) أيضا ليلة الزفاف بينما اليوم تحوّلت المرأة في لبسه إلى مناسبة ما بعد الزفاف كيوم ( الشّكمة ) الذي فيه يدعو أهل العروس ابنتهم و زوجها و أهل بيته لمأدبة غداء ، و بعد الغداء يؤتى بمغنية شعبية تغني و تزفّ العروس في جمع من النساء المدعوّات ، و قبله : يوم ( السّابع ) و هو كيوم ( الشكمة ) لكن من يقوم به هم أهل الزّوج الذين يستضيفون أهل البنت في اليوم السّابع من الزّفاف، و قبله يوم ( الثّالث )، و هي أيام فرائحية تكمل يوم الزّفاف يتم فيها تزيين المرأة لزوجها بعد أن تراها جميع الحاضرات في تجمعات و جلسات فرائحية تسمى ( تفاريط و مفردها : تفرطة ) ،
و قبل يوم الزّفاف للمرأة أن تنوّع في لبسها من الأزياء الشّعبية مدة أسبوع و لها أن تكتفي بيوم ( الغُسل ) و هذا يوم للمرأة الجنوبية و المحاذية للجنوب اليمني و تلبس فيه العروس ثوبا أخضر فضفاضا رقيقا مع المجوهرات و تلبس قلائد من الفُل و أيضا قد يُضفر شعرها به، و يوم ( الغُسل ) هو نفسه يوم ( الذّبّال ) لدى شمالية اليمن ، و في يوم ( الذّبّال ) تقاد الشّموع في ( المشجب ) ، و تضرب الدّفوف و ترقص النّساء قبل العروس على أنغام الأغاني الشّعبية ، و في يوم الذّبال تلبس العروس ( المصوَن ) أو( القميص ) و هو ثوب من قماش يسمى ( الجِرز ) كان يخاط فضفاضا و اليوم باتت خياطته كفستان ، و يوضع نقاب خفيف على وجه العروس بطرحة تسمى ( المَلَس ) يزيد من جمالها،
و أمّا يوم( النّقش) فيلي يوم ( الذّبّال ) وتلبس فيه العروس : فستانا من قماش يفضل أن يكون ( شرارة ) مع قناعه ( رداء من نفس قماش الفستان يوضع على رأس العروس ) ، و للعروس أن تختار ما تشاء من تصميم لفستان ( النّقش ) بعد أن كان فيما سبق يُفصّل تفصيلا موحّدا محتشما ، كما و تتبرقع العروس بخيوط خفيفة من الذّهب أو ما يحلّ محلّه من المطليّات ،
و أمّا ليلة الزّفاف فالأبيض هو لون فستانها أو هو اللون السكري و يسرح شعرها و يوضع عليه التّاج على شعرها في تسريحة عروس و تتخصّص بإتقان تجميلها وجها و شعرا امرأة تسمّى ( الكوافيرة ) ، و حين تأتي للسّلام على أهلها في ثالث يوم لعرسها تلبس ( المَصَر الطّالعي و النّازلي ) كما يسميه أهل صنعاء بينما قد يسمى ( غترة ) في محافظات شمالية أخرى، و هذا ( المَصَر الطالعي و النازلي ) أو ( الغترة ) يلبس فوق الرأس حيث يعصب الرأس بالمصر النازلي الذي يكون من قماش خفيف ( برم أو شيفون ) ، ثم يوضع عليه المصر الطالعي بشكل طوق ، و يكون عاما للمتزوجات في مناسبات الأفراح عند عروس أو نفاس أو جلسات عاديّة ،
و أمّا النّفاس فتلبس في أيام زيارة أهلها لها أو دخولها ( ديوان الولاد) (العصبة أو الذهب ( القنبعي )، و قد تلبسه آخر يوم لها و يسمى يوم ( الوفاء ) أي تمام أربعين يوما على ولادتها ، و في تلك الفترة يُهتم بها ، و تُمنع من أي عمل يرهقها ، و تكتفي بالاعتناء بصحتها و مولودها ، و في تمام الأربعين أيضا قد تلبس تاجا كتاج العروس الذي هو نوعان : تاج يسمّى يمني كانت تلبسه العروس ما قبل عقدين من الزّمن ليلة زفافها، و هو منظوم من قماش شبك أبيض للعروس و ملوّن في بقيّة الأيام ( ثالث .. سابع .. شكمة ) و ألوانه زهري ، سماوي ، أخضر أو…الخ ، و يرصّ عليه أو ينظم عليه ذهب مشكل متناسبا بشكل ورقة أو زخرفة تحاكي الوردة ، و هذا التاج اليمني الذي لا تلبسه عروس اليوم في ليلة زفافها بل تلبس تاجا من الفصوص اللامعة بلون الفضّة أو الذّهب تسمى فصوص الكريستال ،
و إلى هنا فقد تمّت مراسيم زفّة هذه المقالة إلى نفوس القرّاء ، و علّها أوضحت عن الزّي الشّعبي اليمني ، و السّلام .
أشواق مهدي دومان