موعد مع الخلود
إب نيوز ٣٠ يناير
أشجان الجرموزي
جف حبر القلم لنعيد ملئه بالدم لنكتب به أسطورة حياة ليست رواية عابرة ولا أحاديث مبتذلة إنما هي حرية خطت طريق الكرامة ، وصمود حيك به ثوب العزيمة والإصرار ، هنا حيث كان الموت يحدق بعنفوانهم ويريد الانقضاض على استبسالهم ، إلا أنهم كسروا القيد وتحرروا من رق الظلم والتجبر ، عانقوا الحياة الخالدة بعد أن حاولت التشبث بهم الحياة الفانية ليصعدوا سلم النصر ويقفوا على عتبات الإرادة لترتقي أرواحهم وتصعد محلقة في ملكوت الرحمن ….
طفل لم يتجاوز الأربعين يوماً حيث أخر عهد له بأبيه الذي قبله على جبينه قبلة حانية أودع فيها كل دعواته بالصلاح لصغيره ووصايا لايعي منها هذا الصغير شيئا ً لتبدأ من هنا حكاية بطل تقف عنده الأقلام حائرةً خجلة من وصف لايفيه حقه.
إلى عاصمة الحرية صنعاء حيث ولد فيها الشهيد ياسر إسماعيل الأسعدي _أبو عمار _عام ١٩٩٢م تربى على الأخلاق الحسنة والصفات الحميدة والإيثار وحب الغير قبل النفس ، نشأ في أسرة متواضعة تحب عمل الخير ودرس حتى أكمل دراسته الثانوية ليلتحق حينها بالسلك العسكري للدفاع عن الوطن ومقدراته كان باراً بوالديه رحيماً بأخوته يبذل ما يملك ليساعد كل من هو بحاجته ولا يتردد عن إجابة من يدعوه لأي أمر وأي مساعدة ..
لم تكن حياته المهنية بتلك البساطة أو أنه لاشيء يذكر فقد كان في طليعة الجنود المواجهين لخطر جماعات القاعدة كان متنقلاً مع رفاقه مابين البيضاء والضالع وشبوة وتعز بحسب توجيهات المسؤولين آنذاك ، ومن ليس الموت نصيبه فلن يصيبه من الله شيء حتى يأذن الله بذلك
فذات مرة وهم في محافظة البيضاء مابين كر وفر مع تنظيم القاعدة في ذلك الوقت ذهب أبو عمار -سلام الله عليه- لشراء بعض الحاجيات له ولرفاقه وعندما عاد رأى الطامة الكبرى رأى ما يبكي الحجر ويقطع القلب رأى رؤوساً و أشلاء فقط؛ فقد كان جميع رفاقه قتلى بشكل وحشي وكأن من فعل ذلك ليسوا بشر بل حيوانات مسعورة ، تفطر قلبه حزناً على رفاقه وأدرك أن موعد رحيله لم يحن بعد ….
وفي ذات يوم في محافظة تعز وكان مع رفاق جدد يعتلون أحد الأطقم فإذا بمباغتة وحشية من وحوش القاعدة الذين أمطروا الطقم بوابل من الرصاص دون رحمة أو شفقة وكان الشهيد ياسر -سلام الله عليه_ بينهم ولأن رحمة الله لازالت تحيطه لم يصبه شيء لأن أحد رفاقه ارتمى بجسده عليه فأصبح تحته وظل هكذا يوهم من يرمون بالرصاص أن جميعهم قتلى وهو بإرادة الله لم تحن ساعة مغادرته الدنيا بعد للمرة الثانية فكل شيء بأمر الله لقوله تعالى ” ِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ”
وبعد رحيل تلك الجماعات قام بالخروج من تحت جثث رفاقه مشياً على الأقدام ملطخاً بالدماء حتى عثر على بعض الجنود وقاموا بإسعافه لكنه كان قد أصيب بحساسية مفرطة جراء الدماء التي بقيت أسبوعاً على ملابسه وجسمه لكنه مع أخذ الأدوية اللازمة لذلك ، تعافى بعد مدة ….
وتوالت الأحداث على الشهيد ياسر وهو في عمله كجندي مدافع عن حياض الوطن بروحه حتى جاءت أحداث ٢٠١١ انطلق حينها مع الثوار متزوداً بالثقافة القرآنية ومن ثم كان في طليعة ثوار الحادي والعشرين من ثورة سبتمبر فقد كان _سلام الله عليه_ ممن يحرصون على تأمين الطرقات والحارات والنقاط الأمنية ، وكان أول من اعترض موكب هروب المرتزق الزنداني ومرافقيه حيث كان ذلك اليوم في إحدى النقاط الأمنية وحينما رأى السيارة التي تقل الزنداني أشهر سلاحه وأطلق رصاصه صوب السيارة، لم يستطع إيقافهم فقد لاذوا بالفرار إلا إن اثنين من مرافقيه أصيبا برصاصات بندقية الشهيد ياسر ، وفي ذلك الحين أبلى بلاءً حسناً وكان من المثابرين المتحركين في سبيل الله وسبيل أمان هذا الوطن ……
يفنى الجسد ولا تفنى الكرامة ، ولا خير في عيش المذلة والإهانة ، مادامت الروح باقية والنبض جاريا والأنفاس حية ستبقى العزة عنوان كل حر لايقبل الخنوع ولا الاستسلام …..
حينما أغار الأعداء على موطن الإيمان تحت مسمى عاصفة الحزم كان أبطال أرض السعيدة كعواصف هوجاء لا ند لها وكان أبو عمار في مقدمة الثائرين والمدافعين فتوجه صوب جبهات الكرامة وميادين الشرف والبطولة يذيق الغازي بأسه وتنكيله؛ انطلق جبهة مأرب مع المجاهد آنذاك أبي حيدر الحمزي وقفوا للعدو بالمرصاد حيث كان معقلهم الرئيس في مدينة مأرب .
ومن هنا تبدأ رحلة جهاد حقيقية مختلفة عن السابق على الرغم من أن الجراح واحدة والدم النازف واحد إلا إن اللذة التي تكون في سبيل الله لايوازيها أي شيء
ظل أبو ياسر في مأرب قرابة السنة وكان يذهب لزيارة أهله فترات قصيرة فقد عشق مترسه وثكنته ولا يحب الإطالة بالفراق وكان حينها على شجار دائم مع والده بسبب الراتب حيث كان والده يصر عليه بمتابعة مصير راتبه من الجهة التي كان يتبعها في الجيش إلا إن ياسر _سلام الله عليه_ كان يجيبه مادمنا مع الله وعملنا في سبيله خالصاً لوجهه الكريم فلا تعنينا الأموال …
بعد مرور العام له في جبهة مأرب ضرب عليهم حصاراً شديدا، فأصيب حينها أبو عمار بطلق ناري في حنجرته على إثر إصابته فقد الوعي لمدة ربع ساعة حتى ظنوا أنه استشهد إلا إنه برحمة الله أفاق من غيبوبته المؤقتة وكان المرتزقة قد أطبقوا الحصار عليهم وإذا بالدبابات والمدرعات من كل الجهات ، فقام في ذلك الوقت أحد رفاقه وربط له جرحه الذي ينزف ، وأخذ بندقيته يقاوم بها العدو وكان جريحاً أيضاً إلا إن جرحه أخف قليلاً من رفيقه أبي عمار ، فاستبسل وقاوم حتى نفذت ذخيرته وأبو عمار لايستطيع مساعدته فقبعوا في المنزل الذي يتمترسون فيه ، ومن ثم اختبأ أبو عمار تحت درج ذلك المنزل ورفيقه في مكان آخر، بعد فترة وجيزة دخل أحد المرتزقة ذلك المنزل وكان يصرخ بعنف حينما رأى أبو عمار فاضطر لتسليم نفسه وسلاحه وجعبته لكن إرادة الله شاءت ألايقع حينها في الأسر؛ حيث جاء رفيق آخر لهما وانقض على المرتزق برصاصات صوبها على قدميه حتى صار أسيراً بين أيديهم ، تحامل على نفسه بعدها أبو عمار وقام ومعه رفاقه وأخذوا يربكون العدو حتى توقف زحف العدو باتجاههم فجأة ولفترة بسيطة مما مكن لبقية رفاقهم بالخارج من أن يدخلوا ويخرجوا أبو عمار ورفيقيه وينسحبوا إلى مكان آمن ليرتاحوا من معارك الكر و الفر ، بين الشمس والرياح والبرد بلا أكل ولا شرب ظلوا قرابة أسبوع يأكلون مايجدونه من ورق الأشجار لأن المدد لا يستطيع الوصول إليهم لأن المرتزقة أصبحوا يحاوطونهم من كل جانب وحتى أنهم لم يجدوا ماءً يشربونه لقد صبروا صبراً ﻻ مثيل له وتحمل لا يعرفه إلا الربيون الأخيار اضطروا حينها لشرب بولهم من شدة العطش! حتى ضاق بهم الوضع ذرعاً وهم يرون رفيقهم أبو عمار وجرحه وكأنه وليد اللحظة لازال ينزف ولا من مسعف ولا منقذ ،إلا إن الإيمان بالله والثقة به في قلوبهم جميعا غلب الوجع لقوله تعالى “. وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَـمَعَ الْـمُحْسِنِينَ ” ، حينها قرروا بأن يتنكروا بلبس المرتزقة ويذهبوا لجلب الطعام والماء وتركوا رفيقهم ياسر _سلام الله عليه_ وعندما عادوا رأوا أبو عمار قد وقع بيد الغزاة الإماراتيين ولمح من بعيد رفاقه وأشار لهم بأﻻ يتقدموا وطمأنهم بنظراته أنه لن يبوح بأمرهم …..
لم تنته الحكاية بعد بل إن حكاية وجع جديدة قد بدأت للتو في غياهب الأسر والسجون وبين أيدي من لا يعرفون حرمة الأسير أو حق المسلم أو الرأفة به والإحسان إليه لأنهم تجردوا من شيء يدعى الضمير ….
بعد أن تم أسره تم تسليمه لمشائخ مأرب آنذاك وعندما رأوه ورأوا جرحه الذي هو ممتد من الوريد إلى الوريد اعتلتهم الدهشة والريبة أنى لشخص أن يعيش وجرحه بهذا الحجم ، فأحضروا أحد شيوخ القرآن حتى يقرأ عليه عله مسحور أو يروا ماحقيقة أمره، إلا أن ظنهم خاب وإن كانوا متيقنين في قرارة أنفسهم المريضة أن السيد عبدالملك قام بسحرهم ظنون وأفعال كفار قريش ، من ثم قرروا عدم الاحتفاظ به وبيعه للجيش السعودي بمبلغ قدره عشرين ألف ريال سعودي وتم أخذه بعد ذلك مع مجموعة من الأسرى وأسرهم في خميس مشيط
من هنا تبدأ رحلة العذاب اللامتناهي فقد تم تعذيب جميع الأسرى ومنهم أبو عمار بشتى أنواع العذاب الجسدي والنفسي وكذا الجنسي ، ولم تتحرك فيهم الرأفة حتى بأن يتم تطهير جرحه بل جزموا كما جزم أمثالهم من قبل أنه مسحور أو يتلبسه الجن فكانوا كل يوم يأتون بمشائخ دين ليقرأوا عليه القرآن إلا أنه كان يحس بالراحة والطمأنينة بدلاً عن التضجر ، حتى سئموا من معرفة حقيقية ما بشهيدنا ياسر ولم يعلموا أو يفقهوا أن الله قال “إِنَّمَا الْـمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَـمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ” ومن أنواع العذاب أنهم يطعمونهم وجبة واحدة في اليوم مكونة من رغيف متعفن وجبنة منتهية الصلاحية فيأكلونه مضطرين لذلك حتى يستطيعوا المقاومة إلا إنهم لا يصمدون كثيراً فجسمهم لا يحتمل ذلك فيصابون بالقيء والإسهال ليسمح لهم بدخول الحمام لدقيقة واحدة فقط ومن يتأخر يلقى تعذيباً جسدياً مبرحاً، إلا إنهم صمدوا وصبروا وحملوا في قلوبهم إيماناً بالله لايتزعزع ولا يوهن لقوله تعالى “أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَـمَّا يَعْلَـمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَـمَ الصَّابِرِينَ ” وكان وقت النوم تعذيباً من نوع آخر لأن هؤلاء السجانون شياطين على هيئة بشر فكانوا إن سمحوا لهم بالنوم تركوهم ينامون على أرضية ذلك السجن دون لحاف أو غطاء ، وكثيراً من الأحيان بعد أن يتم التحقيق المتواصل معهم ليل نهار وإن لم يجدوا مايشفي غليلهم به من إجابات ،يقوموا بتعذيبهم جلداً بالسياط وخلع جميع ملابسهم وتكتيفهم كل اثنين معاً بربط أياديهم للخلف مع إبقائهم دون ملابس ، إلا إنهم مثالً للصبر والثبات فصلاتهم يؤدونها رغماً عن السجانين و كانوا محافظين على تطبيق البرنامج ورفع شعار الصرخة وحتى إن سمعوا عن ضربات موجهة صوب جارة السوء يصرخون بأعلى صوت وكان مقابل ذلك الصمود تعذيبا مع كل صرخة أو تسبيح أو استغفار ويتضاعف لهم العذاب علهم يتراجعون إلا إنهم ثابتون كالجبال التي لاتضرها عوامل تعرية الطقس المحيط ، ومما عاناه أبو عمار بصورة خاصة أنه تم قلع أظافره وصعقه بالكهرباء ، وقطع إحدى أصابع يديه ، وعندما يشرب الماء كان يخرج من حنجرته من مكان إصابته لأنهم لم يقوموا بمداواته حتى التئمت بفضل الله وكذا تم ضربه ضربة قوية نزلت على عموده الفقري بقطعة من حديد أصيب إثرها بإنزلاق في العمود الفقري وعلى هذا الحال ظل ياسر _سلام الله عليه_ ثمانية أشهر وبعدها تم اختياره ضمن أول صفقة تبادل للأسرى ليعود إلى أهله ووطنه شامخاً رغم جراحه وآلامه رغماً عن عذاب لم يستطع ذكره أمام أحد ، عذاب لن ينجو فاعله من عقاب المنتقم الجبار عاد كليث يحسب السجان أنه لن يرغب في رؤية الجبهة أو ذكرها أو الانطلاق في سبيل الله مجدداً لكن قوة الإيمان والإرادة لم تسمح له سوى بأسبوعين فقط حتى يداوي جراحه وعاد ثائراً لميادين الرجال الأبطال ميدان يميز فيه الله الخبيث من الطيب والمخلص من المنافق …..
جاب أبو عمار جبهات القتال _ الجوف ، تعز ، حجة ، الحديدة_على مدى عامين ينكل بأعداء الله أشد تنكيل فلم يثنه عذاب الأسر وجراحه عن مواصلة درب المؤمنين المخلصين ، وشاء الله بعد عامين أن يجد شريكة لحياته ليصبح حينئذ مسؤولا عن أسرة جديدة يجب عليه أن يعطيها الاهتمام اللازم فكان كذلك، إلا إن أولوياته هي الجهاد في سبيل الله ولا شيء سواه.
ومن هنا كان لزوجة الشهيد ياسر حديث تصف به مراحل حياتها بجانب شهيدها قالت تزوجت بالمجاهد ياسر الذي لا أستطيع أن أطلق عليه أي لقب سوى المخلص مع الله لم ولن أجد له شبيها كان مخلصاً بحق متفانياً في العمل لله ومع الله لم يمكث معي بعد زواجنا سوى أسبوعين فقط وعاد مسرعاً إلى الجبهة وكان يأتي لزيارتنا في كل شهر لمدة ثلاثة أيام فقط ، رأيت من أخلاقه وعطفه على الجميع مالم أره في أي أحد،كان يقسم رعايته التي يحصل عليها نصفين نصف لمساعدة الفقراء والمحتاجين والنصف الآخر لنا ، كان باراً بأبويه متفقداً لأرحامه وعطوفاً عليهن فعلى الرغم من ضيق الوقت الذي كان يأتي فيه لزيارتنا فإنه كان يقوم بزيارة أخواته ومساعدتهن وإعانة من تحتاج منهن فكن كأب لهن يتفقدهن ويراعيهن ، دائماً كان الفضول يقتلني لمعرفة ماحدث معه في الأسر وماهو كل العذاب الذي تلقاه لكنه لم يخبرني إلا بماقد أخبر الجميع وقال لن أنسى ماحدث معي في الأسر ماحييت، فكلما أتذكر ذلك العذاب الذي لا تفي كل كلمات العالم لوصفه تفيض عيني بالدموع ً ، فقررت بعدها ألا ألح عليه بأخباري بشيء حتى أنني وأهله لانعلم حقاً ماعمله وماهو دوره في الجبهة ولم نعلم إلا بعد أن استشهد_ سلام الله عليه _ كنت حاملاً بولدنا عمار وكان حينها كثير المكوث في الجبهة ولم يكن آخر عهد له بي إلا بعد ولادتي كان قد رأى صغيره عمار مرتين وعندما أتى قضى معنا أسبوعاً واحداً فقط، ثم غادر وحينها كان ولده عمار لم يكمل سوى أربعين يوما ودعنا وداعاً لا أنساه وقبل ولده الصغير ، وكان يقول الموت أهون عندي من أن أفرط في حق الله وفي المسؤولية الموكلة إلي ، وكان يوصيني بالثبات في المسيرة القرآنية وكان يقول إنها سفينة النجاة وكان يوصيني بولده عمار، ويقول هذا ولي من أولياء الله فالتربيه أفضل تربية فنحن نذرناه في سبيل الله، أجبته بأننا جميعاً في سبيل الله وتيقنت حينها أنه لن يعود لزيارتنا أبداً فكان النور يشع من وجهه ، وروحه كأنها لاتحتمل البقاء على الأرض فسلام الله عليه ماتعاقب الليل والنهار…..
في آخر مرة كان موكل إلى أبي عمار عمل تعزيزات لجبهة نجران فذهب وجلس في وادي أبو جبارة أسبوعا،وحينها كان ضرب طيران العدو هستيرياً وبكثافة خلال عملية نصر من الله التي كانت الأولى من نوعها ، وحينذاك ضربت إحدى الطائرات على موقع كان يوجد به رفاق أبي عمار فهرع لينقذ رفاقه المجاهدين ويحاول عمل إسعافات أولية لهم فعاود الطيران غاراته ليصاب حينها أبو عمار _سلام الله عليه_ بشضية في رجله فربطها ليكمل إنقاذ رفاقه مع فرق الإنقاذ فيتم سحب الجرحى خارج منطقة الخطر ليتبقى أبو عمار فقط فلم يستطع أحد الدخول مرة أخرى لإنقاذه بسبب كثافة تحليق الطيران وغاراته ، وحينها استند تحت ظل شجرة ليعاود الطيران قصفه الهمجي والغادر لتصل شظية جديدة تكون هي آخر مايشعر به أبو عمار لترتقي روحه الطاهرة إلى السموات العلا ويفتتح له الباب الأخضر الذي كان قد رآه في غيبوبته بعد جرحه في حنجرته بمأرب ، حيث رأى باباً أخضر يفتتح ليطل منه الإمام علي _كرم الله وجهه_ ومن ثم يقفل الباب ويفتح آخر في أرض نجران وهنا قد تحققت الرؤية وارتقى شهيداً بعد رحلة استبسال لن ينساها التاريخ على مر العصور فكان آخر عهد له بالدنيا يوم الأربعاء في الثامن والعشرين من شهر سبتمبر 2019 م، ارتقت روحه الطاهرة بأمان ، واستمر الطيران يصب جام حقده على كل شبر سار فيه المجاهدون أو تمركزوا فيه ، ليظل أبو عمار عشرة أيام لايستطيع أي من رفاقه الاقتراب منه بسبب خطورة التقدم وكثافة التحليق، ولكنهم أجمعوا في النهاية على المضي قدماً لإخراج جثة رفيقهم العزيز وقالوا سنمضي وليكن مايكون فاستطاعوا بعون الله الوصول إليه،ليجدوا جسده كما تركوه وكأن روحه صعدت لبارئها منذ دقائق قليلة ورأوا بجانبه حفرة عميقة من حقد غارات العدوان لم تصب جسده الطاهر بشيء سوى الشظية التي أصابت قفصه الصدري ليحملوه ويخرجوا به ورائحة المسك تنبعث منه ،حزن رفاقه حزناً بالغاً على رحيله عنهم وفرحوا له بنيله الشهادة ، ليصل خبر استشهاده لزوجته وأسرته فقابلوا هذا العطاء بالحمد والشكر لله رغم ألم الفقد والفراق واستشعروا فضل الله بأن جعله من الشهداء الأحياء الذين ارتقوا بصبرهم وثباتهم مكاناً عليا عند مليك مقتدر ليتم بعدها تشييع جثمانه الطاهر إلى روضة الشهداء بالجراف في أمانة العاصمة …..
أي عطاء قد يوازي عطاء هؤلاء، وأي كلام قد يفيهم حقهم ، أحرف قواميس اللغات كلها خجلى ، فأي وصف قد يعطي هؤلاء الشهداء قدرهم فسلام لكم بماصبرتم ونعم عقبى الدار ، وهنيئاً لكم بمافزتم فنعم عطاؤكم ونعم عطاء المولى لكم فسلام عليكم سلام سلام ….
# فريق_عشاق_الشهادة