لاجـئـــون .
إب نيوز ٢ فبراير
عفاف البعداني
في قلب العالم الكبير، وضواحيه الواسعة، وتضاريسه المتنوعة ثمة هناك حقائق مستترة، وشواهد جلية، هناك عدة مخلوقات ، تشترك بالوجود والحركة و التنفس، والعبودية لله وحده ، وتختلف تماما بالهيئة والخِلقة أيُما اختلاف، ولكن من أي صنف أنت !! وإلى أي هدفا متجه ، ماهي الثوابت التي لم تتغير من حولك، ما هي الأشياء التي تتنامى معك كل يوم، ماهي حقيقة البحر الذي لم يجف إلى هذه اللحظة، و الصحراء التي لم تمت لحيننا هذا، ما هذا الكون العجيب، يصبح الوقت ليلاً بتزامن الفصول، ويتزين بجوهرة قمرية معلقة لم يسبق أن سقطت في منزل أحد منا، خفقان نجوم، نور متوهج، وعتمة فاضلة، هل يعني هذا !! أن السماء تقيم الاحتفالات كل ليلة .
وماذا عن الشمس الكبيرة !؟؟ تقبل في الصباح مبتسمة ، تبدأ نشاطها كالعادة ترى كل شيء، الحروب ، السلام ، الجمال ، الحقد ، الكره ، الحسد، الصداع ، وليس بوسعنا رؤيتها ولو للحظة، هل يعني أنها لا تمل من وظيفتها، ولا تبتأس من تصرفات البشر، هل هي طيبة لدرجة أنها تأتي كل يوم بلا أي منبه أو دعوة، و ما سر تلك الجبال الواقفة ألم تتعب من الوقوف !! ربما أنها تتوق للجلوس، ولكن لا يبدو لي أنها أيضًا مستاءة ، بل هي على سابق نشاطها بلا تذمر، لست ملحدا ، أؤمن بحكمة الله قطعا لا شكا ، ولست مجنون حتى أصنف الأشياء من جهة مختلة، لست أعمى أبصر للتو حتى رأى كل ما حوله متوسد على شرفة الغرابة، لا !!!.أنا إنسان كباقي البشر لست مختلا ولا أعمى ، ولا ملحد يبحث عن إله، لقد علمني جدي سورة الإخلاص قبل أن أدخل المدرسة، بل أنا في خضم شعوري مندهش في معرفة سرائر الكون بدقة، لدي كمية هائلة من التعمق يزداد كل يوم وأحيانا ينطفأ فجأة، يتجاوز مكاني ويحتل عمري فأصاب بالشيخوخة المبكرة، وأنا في منتصف الحياة، ولا أعي هل أعد هذا حظا أغبط نفسي عليه أم هي خيبة أعزي نفسي بها ، فليس بالسهل أن تعيش وأنت مدرك لحسيات ما حولك باسهاب .
يستلطفني الشيء المتروك من قبل ماهية البشرية، انبهر برؤية المجانين ، أرصد تحركاتهم المضطربة، و أتعجب لهندامهم المكركب، ليس لأني أجيد فن السخرية لا !! لا !!! لا أثمر في نفسي تنقيصًا من شأن أحد ، أحترم الذرة ، وأتمعن تعاون جيش النمل عندما يحملون حبة قمح واحدة، ابتسم للقط وهو في قيلولته، وأنظر لعيون الكلب، واتلمس عش العصفور الذي سقط بالأمس واتمنى أن أعيده لمكانه ، وكل هذا لأني أجد لغتي بين كل ماهو شاذ ومختلف ، لقد سبق وحاولت أن أجد نفسي بين عموم الأشياء، والبشر ، والحياة، ولكني لم استطع ، فتارة تتملكني عجوز حكيمة جدا ، وتارة طفلة تجدل شعورها بشكل معوج .
أجد اللطافة في كل المرئيات واستهدف الحس الغويص في داخل كل مخلوق، و بعد عمر محسوب ليس محدودا بالعشرين أو الأربعين أو حتى بعد فصولا من الولادة أو ماشابه ، تكتشف أنك لست نباتا ولا حيوانا ولا جمادا إنما أنت إنسان لك دوافع لا ترى وتصرفات مبنية على كل ما لا تراه بل ما تحسه، إذا كان الأمر رهيبا ومعقدا وليس بالبساطة التي تخيلتها في بداية سؤالي في معرفة الذات المخبأة ، والمعضلة الحقة ليست بكونك إنسان فقط بل أنك تجد نفسك شاذا في شوارع الإنسان ، تقطع الرصيف باحثا عن نفسك بين الأزقة ، والزهور والطبيعة، والمتنزهات ، والمحافل الثقافية ، والمعالم ، والتأريخ .
لا تعرف أي صنف يستجديك، وماهي الخطوة التي ستدفع بك نحو السمو السابع، هل أنت باحثا أو محللا أو مهندسا بستاني، أو كاتبا يبحث عن عنواين جديدة بين أوساط الشعوب المكلوم ، تصادفك معاناتهم ، تعيش تجربة وطنك و تكبر معهم دون أن تعي كم سنة كبرت مع الحروب، تأكل خبزهم وترتشف من نهرهم ، ولكن… ولكن…. ولكن ماذا ؟؟ نعم هناك تكمن المشكلة أن تحمل إدراكا قويا يفوقهم ، أن تحوي طيبا يغمر كل صروفهم ، أن تعطي كثيرا لأشخاص لا تعرف حتى أسماء هم كل ما عرفته عنهم أنهم لآجئون في حرب ساحقة ، تشفق عليهم ترمم سقوفهم المحطمة ولكن ماذا بعد لا أعرف !؟؟
سطور مفقودة في كل زاوية ومنحدرات دقيقة يتهاوى فيها المبصر ويمر منها الأعمى البصير، قد نتصف باللا منطقية ، وغريبي الأطوار ، وأحيانا خارجين عن الدور ، وبعد سنون الحرب أدركنا أننا لآجئون من أشياء كثيرة… من الحرب…. ومن الذات ، والحياة ، والوقت .
.