عبدالباري عطوان : كيف نجح “حزب الله” وحركة “حماس” في إسقاط ثلاث طائرات إسرائيليّة مُسيّرة في ثلاثة أيّام.
Share
إبنيوز ٢ فبراير
عبدالباري عطوان :
كيف نجح “حزب الله” وحركة “حماس” في إسقاط ثلاث طائرات إسرائيليّة مُسيّرة في ثلاثة أيّام.. وأين يَكمُن السّر؟ ولماذا حاول المُتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي التّقليل من خُطورة هذا التطوّر الاستراتيجي؟
تُعتَبر الأيّام الثّلاثة الماضية بمثابة فترة “حِداد سيبراني” بالنّسبة إلى “إسرائيل” وجيشها لأنّها شَهِدَت سُقوط ثلاث طائرات بُدون طيّار، واحدة في جنوب لبنان واثنتان في جنوب وشِمال قِطاع غزّة، وبصواريخ أو منظومات دفاعيّة مُتطوّرة جدًّا باتت تملكها المُقاومة.
أفيخاي أدرعي، المُتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي، اعترف بسُقوط الطّائرات “المُسيّرة” الثّلاث، ولكنّه حاول أن يُخَفِّف من حجم الخسارة عندما قال في بيانٍ رسميٍّ “لا يُوجد خوف من تسرّب معلومات”، وهو أمر يتنافى مع الوقائع على الأرض، فجميع هذه الطّائرات كانت تقوم بمهام تجسّسيّة، ومُزوّدة بأجهزة رصد وتصوير مُتقدّمة جدًّا، وباتت الآن في حوزة المُقاومة بشقّيها اللّبناني والفِلسطيني.
في الماضي القريب كانت هذه الطّائرات تخترق الأجواء الفِلسطينيّة (قِطاع غزّة) وجنوب لبنان وهي مُطمئنة إلى عدم وجود الأنظمة الدفاعيّة المُتقدّمة القادرة على إسقاطها، ولكن ما كشفت عنه الأيّام الثّلاثة الماضية التي شَهِدَت إسقاط ثلاث مُسيّرات يُؤشِّر إلى حُدوثِ تغييرٍ نوعيٍّ في قواعِد الاشتِباك.
الأمر المُؤكّد أنّ هذا التطوّر النّوعي الذي يَعكِس امتِلاك المُقاومتين اللبنانيّة والفِلسطينيّة للمنظومات الدفاعيّة المُتطوّرة جدًّا، سيزيد من قلق جِنرالات الجيش الإسرائيلي وقيادتهم السياسيّة، خاصّةً أنّهم لم يفيقوا بعد من صدمة المنظومات الصاروخيّة الدّقيقة التي بات عشَرات الآلاف مِنها في حوزة المُقاومة، وقادرة على إصابة أيّ هدف في العُمق الفِلسطيني المُحتل.
بيان الجيش الإسرائيلي الذي يقول إنّه لا يُوجد خوف من تسرّب المعلومات، ليس دقيقًا، وجاء مُحاولةً يائسةً للتّقليل من حجم الصّدمة، والخسائر الجمّة عن فُقدان ثلاث مسيّرات دفعةً واحدةً تتبع دولة تتباهى بها، وتُصَدِّر المِئات منها إلى بعض الدّول باعتِبارها الأكثر تَقَدُّمًا، والأقل عُرضَةً للإسقاط.
في 25 آب (أغسطس) الماضي، أسقطت دفاعات “حزب الله” مُسيّرتين إسرائيليتين فوق الضاحية الجنوبيّة، إحداهما كانت سليمةً تمامًا، وجرى نقلها إلى مكانٍ آمِن للتعرّف على أجهزتها التكنولوجيّة المُتقدّمة جدًّا، وتُفيد معلومات “مُسرّبة” أنّه من المُحتَمل أن تكون هاتان الطّائرتان، أو إحداهما في مهمّة اغتيال لشخصيّةٍ قياديّةٍ كُبرى في “حزب الله” جرى إفشالها من جرّاء عمليّة رصد أمني دقيقة.
وتظَل عمليّة إسقاط طائرة “غلوبال هوك” الأمريكيّة المُسيّرة فوق مضيق هرمز في حزيران (يونيو) عام 2019 هي “الإنجاز” الأكبر في “حرب المُسيّرات” حتى الآن، فهذه الطّائرة التي تُوصَف بأنّها أكبر طائرة تجسّس بُدون طيّار في سلاح الجو الأمريكي، ودُرّة تاج الصّناعات العسكريّة الأمريكيّة (تَصِل قيمتها إلى 150 مِليون دولار) تستطيع الطّيران على ارتِفاعات عالية جدًّا (كانت على ارتفاع 20 كم عندما جرى إسقاطها بصاروخ إيراني) ومُزوّدة بمُختلف معدّات التّجسّس الأحدث لضخامتها، وعرضها الجيش الإيراني في مُؤتمر صحافي، مُؤكِّدًا عبر أحد المُتحدّثين باسمه، أنّ جميع هذه الأجهزة كانت مَوضِع فحص من قِبَل خُبراء نجحوا في فكّ شفراتها.
المعلومات شحيحة حول هذه الطّائرات الثّلاث، فحركتا المُقاومة في لبنان وقِطاع غزّة أعلنتا إسقاطها والاستِحواذ عليها، ونقلهما إلى أماكنٍ آمنةٍ، ولكن دُون إعطاء أيّ تفاصيل أُخرى.
التّطوّر الجديد واللّافت هو امتِلاك “حماس” و”حزب الله” للمنظومات الدفاعيّة المُتطوّرة، التي تُمكّنها من إسقاط الطّائرات، ومن المُؤكّد أن مصدرها واحد في الحالين، وهذا المصدر هو إيران، ولهذا تعيش القِيادة الإسرائيليّة بشقّيها العسكري والسياسي حالةً من الرّعب والارتِباك عبّر عنه إفيف كوخافي، رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، بتوجيه تهديدات غير مسبوقة للمُقاومة في القِطاع ولبنان حيث طالب السكّان بإخلاء منازلهم، وتوعّد إيران بضرباتٍ ساحقةٍ لمُنشآتها النوويّة وبُناها التحتيّة.
أجواء قِطاع غزّة وجنوب لبنان لم تَعُد آمنةً تسرح فيها المُسيّرات الإسرائيليّة، أو “الزنّانات”، مثلما يُطلِق عليها أبناء القِطاع الصّامد المُحاصِر، “فزمن أوّل حوّل”، وأيّ طائرة تخترق هذه الأجواء “لن تعود إلى قواعدها سالمة”.. واللُه أعلم.