رحيل العلماء …. الخسارة الكبرى
إب نيوز ١٥ فبراير
عبدالفتاح علي البنوس
العلماء ورثة الأنبياء، وهم نجوم الله في الأرض، وهم مشاعل الهداية، ومصابيح الدجى، يرسمون للأمة المسار الصحيح، ويقدمون لها المنهج القويم، الذي يقودها إلى الصلاح والفلاح والرشاد، والفوز بخير الدنيا ونعيم الآخرة، ومن الطبيعي أن يكون رحيلهم عن عالمنا والتحاقهم بالرفيق الأعلى من المصائب والنكبات والخسائر الكبرى التي تبتلى وتصاب بها الأمة جمعاء، حيث ورد في الأثر عن الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : (إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء) وهو ما ذهبت إليه أعرابية عندما أنشدت شعرا قائلة :
لعمرك ما الرزية فقد مال
ولا شاة تموت ولا بعير
ولكن الرزية فقد قرم
يموت بموته خلق كثير
بالأمس غيب الموت أحد أقطاب العلم الأفذاذ، العالم الزاهد والتقي الورع والمجاهد سهل بن عقيل مفتي محافظة تعز، عضو دار الإفتاء، ورابطة علماء اليمن، العالم الذي ضرب أروع الأمثلة في التقى والطهر والنقاء ومقارعة الباطل والانتصار للحق، والتصدي لقوى العمالة والخيانة والارتزاق، وتصدر المشهد الثوري المناهض للقوى العدوان والغزو والاحتلال، والمدافع عن القيم والأخلاق والمبادئ والثوابت الدينية والوطنية في زمن الانبطاح والسقوط أمام المغريات المادية السعودية والإماراتية.
لم يلزم مسجده ولم يغلق على نفسه باب منزله، بل كان في صدارة المنطلقين للجهاد، قصف العدوان منزله في تعز، فحمل بندقيته على كتفه رغم تقدمه في العمر، وظل حتى توفاه الله مجاهدا ببندقيته وبعلمه وقلمه وأولاده في سبيل الله، لم يجبن أو يخفت صوته على الإطلاق، فقد عاش فارسا مقداما وعالما مجاهدا يشار إليه بالبنان، ظل ثابت المواقف، قوي الإرادة، مؤمنا بعدالة ومظلومية قضية وطنه وشعبه، زار الجبهات للمرابطة مع المجاهدين وتحفيزهم على الرباط والجهاد والثبات في جبهات العزة والكرامة، فكان العالم الواعظ، والثقافي المجاهد، والكاتب المتفرد في كتاباته ومقالاته التي كانت تزدان بها صحيفة الثورة الغراء وبقية الصحف الوطنية.
حديثه لا يمل، ولا يشعر المستمع إلى خطبه ومحاضراته بالشرود أو الغفلة، يشد الجميع بعذب منطقه، وصدق مقاله، وملامسته لكل العلل والأوجاع ببساطة دونما تكلف أو تصنع، كان صريحا ينتقد السلبيات ويقدم النصائح ومقترحات المعالجة والتصويب لها، ويثني ويشيد بالإيجابيات ويحفز على السير في هذا الاتجاه، يشعرك بروحانية العالم الجليل الذي لم يلوث يديه بالبطش والإجرام والارتزاق ولا لسانه بالنفاق والتزلف للحكام ولذوي السلطان ولا بطنه بالحرام، فكان قدوة بكل ما تحمله الكلمة من مفردات ومعان.
عاش حياته متواضعا، يدرس، يعلم، يفقه، يفتي، يخطب، يثقف، يوعي، يبصر الناس بما لهم وما عليهم، ويعمل على خدمتهم وقضاء حوائجهم في حدود ما هو متاح له من إمكانيات، لذلك كان رحيله خسارة فادحة على الأمة الإسلامية عامة واليمن على وجه الخصوص، فالفراغ الذي تركه من الصعب تعويضه على المدى المنظور، يدرك ذلك كل من عرفه وحظي بشرف مرافقته وتعهد مجالسه وحلقات العلم التي كان يقيمها والمحاضرات التي كان يلقيها النابعة من القلب، والمعبرة عن الموقف الإيماني المنوط بالعلماء الأجلاء.
كان حاضرا في كل المراحل والمحطات والمنعطفات التي تخللت المشهد الثوري اليمني، وكان من أوائل العلماء الذين باركوا ثورة 21سبتمبر ووقفوا في صف الثوار وتحملوا مسؤولية تحقيق أهدافها، والوفاء لتضحيات الشهداء الأبرار الذين قدموا أرواحهم في سبيل الله دفاعا عن الأرض والسيادة والعرض والشرف والكرامة، وظل رحمة الله تغشاه وفيا لهم ولعظيم تضحياتهم، ومقتفيا أثرهم، وسالكا مسلكهم الإيماني الجهادي الذي لم يحل تقدمه في السن وحالته الصحية دون ذلك حتى توفاه الله.
بالمختصر المفيد، رحيل العلامة المجاهد سهل بن عقيل في هذه المرحلة هو الخسارة الكبرى على العلم والعلماء، وعلى اليمن واليمنيين وعلى الأمة جمعاء، خسرنا العالم المحدث، والخطيب المثقف، والكاتب المخضرم، والفقيه الورع، والمجاهد المخلص، واليمني الغيور الذي أعلن موقفه الرافض للعدوان على وطنه وشعبه، وتجند وأولاده في صف الوطن للذود عن حماه، غير مكترث بإغراءات المرتزقة وتهديداتهم له، فاستحق التقدير والعلو عند الله أولا وعند خلقه، وصار رمزا علمائيا من رموز الجهاد، وعاش حياته مقارعا لقوى الكفر والعمالة والإلحاد، منارة يسترشد بها الباحثين عن سبيل الهداية والرشاد.
قلت قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ووالدينا ووالديكم، وعاشق النبي يصلي عليه وآله.