الحبّ بين الواقع و المفترض

إب نيوز ١٧ فبراير

استفزتني مقالة لأحد الإخوة الأفاضل يذكر فيها عيد الحب و يتساءل لماذا اتجه البعض لإحياء مثل ذلك التقليد ؟
و ذكر أننا قبل أن ننتقد ذلك يجب أن نلتفت لحاجتنا للحب الذي افتقدناه بيننا في حياتنا الواقعية ،
بينما كان تعليقي لأحد الأفاضل حين كتب سؤال ( ذات مرّة ) :
ما مفهوم الحبّ في نظرك ؟
و رغم أن قضية كالحبّ واسعة اتساع هذا الكون إلّا أني رغبت في أن أعلّق بإجابتي و رؤيتي ( غير الملزمة لأحد )، و التي أرى فيهاُ أنّ الحبّ :
_ حاجة و ضرورة
_ منحة و نعمة
_ أمانة و مسؤولية ،
و لي تساؤل كما لإجابتي فلسفة ، و هذا التساؤل :
لماذا نخاف أن ننطق كلمة الحبّ في مجتمعاتنا الشرقية و خاصة المجتمع اليمني ، رغم أنّنا شعب الحب فالإيمان حبّ و الحكمة حبّ ، و الحبّ إيمان و الحبّ حكمة ،
بالأمس مرض أخي فوجدت أهلنا و أصدقاءنا و جيراننا و الكثير يلتفون حوله التفاف الوطن على سكناه ، رأيتُ الحبّ حقيقة في اهتمامهم بأخي .. في مبادراتهم .. في زياراتهم .. في اتصالاتهم .. في ترددهم عليه .. في تقديم أرواحهم و جهدهم ، رأيت الحبّ نعمة حقيقية ، رأيت قلوبهم النظيفة و معدنهم الكريم ، و لا أظنه إلّا الحبّ دفعهم و يدفعهم لتلك المثالية في الحرص على الالتفاف و الاهتمام بهذا المريض ،
شعب شهم و مبادئ قويمة لهذا الشّعب من دين يحث فيه رسوله ( صلّى اللّه عليه و آله ) على الحبّ صراحة و إشارة و تلميحا ” إنّ اللّه يحبّ … ” ، ” لايؤمن أحدكم حتّى يحبّ … و :” من أحبّني أحبّ آل بيتي ” ، و : ” يطلع عليكم رجل ….. رجلا يفتح اللّه على يديه يحبّ اللّه و رسوله و يحبّه اللّه و رسوله ” ؛ ( قاصدا الإمام عليّ ( كرّم اللّه وجهه )) ، و كذلك فالقرآن ذكر الحبّ تصريحا و تلميحا و للمتقن قراءته سيجدّ الحبّ على أرقى مستوياته ،،
و هنا اختلطت فيّ المشاعر و الأفكار و حينها قفز إلى ذهني رمز من رموز البغض ؛ فكانت أمريكا وتاريخها و رؤساؤها هي العدوّ الأوّل للحبّ فهي تعادي الإنسان فمثلا جورج بوش ( دبل ) و كلينتون و أوباما و ترامب واليوم ( بايدن ) العدوّ للحب ؛ ّ فالإنسان وطن الحبّ و قد عادت أمريكا الحبّ بتدمير الأوطان و محاولة احتلالها لها ، و عادت اليمن ( خاصّة ) عدوانا أظلم و أحمق ، ثمّ عادت العالم بأكمله بمخترعها الكورونا ؛ الذي حملت عليه و فيه كلّ البغض و الكره و الضغينة و المعاداة للإنسان ،
ذكرت الكورونا كحاجز و مبرر و مخترع يقطع الحبّ ليموت الحبّ ،
نعم حين تنقطع العلاقات الإنسانية و الاجتماعية معناها موت الحبّ ، لأنّ الحبّ بيننا حقيقة ، و ديننا هو دين الحبّ ؛ فرسول اللّه يبارك أمته التي لازال فيها من يبرّ والديه ، و يعزّي أهل الميت ، و يزور المريض ، و الكورونا يصرّ على ترك أقرب النّاس في الحالة الأشدّ ، و ترك الميت يدفنه مكممون وحدهم ، و يصرّ على قطع الحياة الاجتماعية تماما ، و أن تقف مكتوف القلب متحجّر المشاعر حتّى لو رأيت أعزّ من لك قد مات مصابا ( كما يدعون بالكورونا ) ،
أي مستوى من الانحطاط الأخلاقي حين اخترعوا هذا الكورونا الذي أرادوا به تمزيق العلاقات البشرية ليصنعوا أجسادا متبلدة لا تسطيع درء المكروه عن نفسها ، أرادونا عبدة شيطانهم الأكبر ،
لكننا أهل الحبّ و خاصة هذا الشعب الذي تحدّى و ما خاف الكورونا و ظلت القيمة الإنسانية فيه فتغلب على أقذر منتج أمريكي دقيق جدا كحجم و ضخم كتهويل ،
قتلوا الحبّ بين البشر و جاؤوا بيوم يلبسون الأحمر فيه و يشجّعون لعلاقات الظلام ، و أمّا احتفال اثنينهما فلو كانا متزوجين فلا بأس أن يحتفل زوجان كنوع من التجديد في حياتهما الزوجية ، و إن كان الحبّ تترجمه الرّحمة و المودة التي تكون أعلى منزلة من الحبّ و قد لازمها ربّ العالمين و وضعها بين الزّوجين ؛ فالحبّ حين يقدّر الرجل عمل و تعب زوجته و يشجعها على كلّ خير، و الحبّ عندما تشفق عليه و تهدأ من طلباتها حين تراه في قسوة الظرف المادي ، و الحبّ أن تحترم أهله ، و الحبّ أن يحترم أهلها ، و الحبّ مسؤولية كل منهما تجاه الآخر ، و رفقه به و عدم تحميله ما لا يطيق ،
الحبّ منه كلمة حانية تخفف عنها ، و الحبّ منها دعوة ترضيه قبيل خروجه من بيتها ، و استقباله بملامح الرّضا ، و الحبّ فرحتها بتواجده معها فلتعامله الجميل تكره الابتعاد عنه ، فهو من يكرمها بما يسطيع و لا يبخل عليها بسعادة ، و هو من يخلق الفرحة في قلبها ، و هكذا هي ، و بهذا فالحبّ كائن حي يعيش بين الزوجين في كلّ تفاصيل حياتهما و لايحتاج إلّا لمعرفة اللّه و أن يتقي كلاهما الله في صاحبه ، و لكن الغريب العجيب أن بعض من يحتفلون بعيد الحب يحرمون الاحتفالات الروحية المعنوية التي تحيي الأرواح فالاحتفال برمز الحبّ الأعظم ( محمد بن عبداللّه ) رسولا و نبيا لديهم ” بدعة و كلّ بدعة ضلالة و كلّ ضلالة في النّار ” ،
و هكذا يحرمون و يحللون على هوى شياطينهم ، و هكذا أسرد التكفيريون فتاواهم لتحريم الاحتفال بأعظم حبّ بل بالرحمة المهداة للبشر باعتبار الرّحمة مرحلة تفوق الحبّ أو أعمق منه ، و الأجمل أن ربّ العرش أسمى رسوله الخاتم حبيبه ، فحرّموا الاحتفال بحبيب اللّه ، و احتفلوا ببقية الكائنات ، و قصدوا و قصروا الحبّ على رجل و امرأة غريبين ( غير متزوجين ) ،
نعم ثقّفوا الأمم و ربطوا مفهوم الحبّ بين غريبين و الحب بريئ من هكذا تصوّر ؛ فقد قال : ” لا تواعدوهنّ سرّا ” ، فهل يتفق هذا النّهي مع علاقات الظّلام و مواعدة الرجال للنّساء بالزواج في الخفاء ؟ !
هكذا صمّموا للحب ثوبا على هواهم ليقتلوا الحبّ الحقيقي الذي يفترض ألّا يختبئ في الظّلام ؛ فالحبّ من اللّه و اللّه نور و النّور عكس الظّلام ، فلماذا حصروا الحبّ و جعلوه كمقدمة للغريزة ؟!
الحبّ بين العالمين من البشر المسالمين من أيّ كانوا بلدا أو لونا أو لغة فإن لم يكونوا لي إخوة في الدين فهم يضارعونني في الإنسانية ، لهم مالي و عليهم ماعلي ،
و الحبّ حبّ الوطن و صونه من البيع و الدّفاع عنه ؛ و لهذا لايمكن أن يفهمني معنى الحبّ مرتزق خائن عميل باع وطنه و شارك في عدوانه و استقدم و أيّد و شجّع الغزاة على اقتحام وطنه و لو حتّى بحياده و صمته عن قول الحقّ ؛ و كذب كلّ دعيّ بحبّ الوطن و هو لم ينطلق لجبهة ليدافع عن وطنه ، و كذب كلّ دعيّ يحسب أنه أنموذج لجندي من المسيرة القرآنية و هو فاسد لصّ شللي ، و كذب كلّ دعيّ يزعم أنه بعباداته يرقى لحبّ اللّه و هو لا يقدس بناء اللّه فيقتل و يعتدي و يسفك دماء الشعب اليمني و يتقنع بوجوده في الأرض الحرام !!
إذن الحبّ كائن حي موجود ، الحب ذلك المفهوم المظلوم المضطهد عند من حصره في نفسه و روحه بين رجل و امرأة غريبين عن بعض لنعود فنفند و ننزّه الحبّ عن علاقات الظلام التي لا تسمى إلّا خيانات :
خيانة الرجل زوجته بحبه لأخرى غريبة عنه و خيانته مرة أخرى لقيمه و عفّته حين يواعدها بزواج و هو لا يسطيع ، و خيانة البنت لأبيها و أسرتها حين لم تكن متزوجة فتتقبل مواعدة ذاك الرجل ، و أمّا لو متزوجة فهي مجرمة أشدّ و أكثر و متجاوزة للقيم كما هو الرجل مجرم لأنّه يتقنّع و يبرر لعلاقات الظّلام و يستدرج المرأة من باب إباحة الشرع له بأن يتزوج أربع ، و هذا لو عرفنا الحبّ بين اثنين ،
أمّا الحبّ الحقيقي فهو يرفع و لا يضع ، و هو يشرّف و لا يحرّف ،
و ما أجملها من صديقة عادت من بلد عربي أحبّت جماله و ناسه ، و لكن حين مازحتها بالقول : و لمَ لم تتزوجي من هناك فقالت :” لقد سمعت من بعضهم يقول ( من باب احترامه لأيّ امرأة ( حبيبة قلبي ) ؛ و لهذا لا أرغب إلّا في اليمني الذي لن يقول هذه الكلمة إلّا لي وحدي ( كزوجة ) ” ،
لم أجادلها، و إن كنت أود القول لها : إن بعضا من هذا الرجل قد انقاد بحروب النّت الناعمة لهاوية الانحراف ، و استعذب الإفساد و الإيقاع ببنات الناس ، و ربّما له حساب وهمي ( في مواقع التّواصل ) يوزع فيه كلمة الحبّ و يقول : حبيبة قلبي لألف واحدة بينما لو كنتِ زوجته فستتمني كلمة حانية منه ولن تجديها، بينما ذلك العربي فهي بيئته و قد أصبحت كلمة الحب ّ متناولة فيما بينهم، و لا يقصد بها لغطا أو خداعا أو بذاءة فلربّما قالها أمام زوجته ، و ربّما قالتها المرأة أمام أهلها في غير خوف ؛ لأنهّ التّعامل الاجتماعي بينهم بالرّقة و اللطافة و اللين و الوداد ، و قد أصبحت كلمة ( حبيب قلبي ) جزءا من ثقافتهم المجتمعية و التي فيها من الودّ و الاحترام مايفوق ظنون غيرهم ، و عندها تذكّرت حين كتبت مقالتي لسيّد المقاومة سماحة السيّد / حسن نصر اللّه و ذكرت أنه العشق ، و امتنع أحد الإخوة الإعلاميين من نشر مقالتي تلك و تحفّظ قائلا : أخاف أن يطلقك زوجك لو قرأ المقالة ، بينما كتبت و أكتب عن سيّدي القائد العَلَم / عبدالملك بن البدر الحوثي و تنطلق روحي قبل حروفي لتسجل عشقي المقدس له فينصحني كذلك أحد الإخوة بأن خفّفي من لهجة العشق فقد يفهمك معشر الرّجال خطأ ،
بينما أولئك لم يعرفوا فلسفتي للحبّ و ما أعنيه ، و قد جهلوا تربيتي حين عرّفني والداي و قالا بأنّ الحبّ أسمى و أرقى و أطهر ، و لا أقول : إني أعشق فلانا إلّا كعشق الصوفي ، متساميا مترفعا نزيها عذبا نقيا نظيفا طاهرا طهر الإيمان في صدر المؤمن ، لا يفقهون بأن الشّمس تشرق كلّ يوم لتوزع نورها و دفئها علينا بأمر الله إلّا و هي تعشق ، لا يفقهون لغة عشق المقاتل في سبيل اللّه لبندقيته ، و عشق الرّصاصة لجبين الخائن و المرتزق ، لم يفقهوا صلوات العابدين و مناجاة الساجدين لربّ العالمين عشقا و رغبة و طلبا لمحبّته و رضاه ،
لم يعرفوا بعد سرّ تضحيات الشّهداء الذين يبذلون أرواحهم ذوبانا و رغبة في القرب من اللّه ، لا يفقهون تناسي الأم لآلام حملها و ولادتها لجنينها ثم إرضاعه و أن ذلك كلّه لم و لن يكون إلّا بحبّ و عشق ،
و هكذا فالبعض لا يفقه معاني الحبّ بسموّه ، و البعض انبهر بلغة الحبّ الغرائزي الذي ما أسميناه نحن حبّا بل أسماه المجتمع الغربي المنحلّ عن العفّة و الحياء ، الباذل للعربدة و الدّاعي للعهر و هو المجتمع الذي حطّ من شأن الحبّ حتّى حاصره و سمّى العلاقة الغرائزية الجنسية ( ممارسة حبّ ) ، بينما ممارسة الحبّ ليس ذلك ، و لكنّ ذاك المجتمع الغريب عبّر بذلك عن سقوط أفراده في شهوة الماديات و انسلاخهم عن الروح و القيم التي يفترض أن تملأ الرّوح فكانوا بحبهم يمارسون الرذيلة على قوارع الطّرقات كالكلاب و بقية الحيوانات ، و ما ارتقوا بعد للحب و ما فقهوا أسلوبه و معانيه الفضلى التي علّمنا إيّاها اللّه و رسله و أنبياؤه ( عليهم السّلام ) ، و السّلام .

أشواق مهدي دومان

You might also like