مأرب بوابة صنعاء لوقف العدوان وإستعادة السلام
السفير محمد محمد السادة
قرار صنعاء بإستعادة ما تبقى من محافظة مأرب هو قرار مدروس بعناية ويمتلك مقومات النجاح، فصنعاء الأكثر إستعداداً وجهوزية عسكرياً لإستعادة مأرب،لن تقبل هذه المرة بمعارك الكر والفر ،ولن تتوقف قواتها إلا على الشريط الحدودي للمحافظة مع السعودية ،كما أن توقيت قرار صنعاء لا يرتبط بما يعتقده البعض أنه لتحقيق أعلى سقف من المكاسب في إطار إستباق عملية إستئناف المفاوضات التي لاتبدو قريبة،وتبحث عن أرضية مشتركة جديدة بين الأطراف المعنية تستوعب المُستجدات التي فرضتها صنعاء،كما تتطلب خطوات عملية تُترجم جدية النوايا إن صدقت من خلال إعلان تحالف العدوان الوقف الفوري لكافة عملياته العسكرية في اليمن ،و رفع الحصار الشامل، وفي مقدمه ذلك إعادة فتح مطار صنعاء الدولي وميناء الحديدة تمهيداً لخوض المفاوضات.
مأرب ورقة عسكرية وسياسية واقتصادية رئيسية في معادلة الحرب على اليمن إستفاد منها تحالف العدوان وأدواته على مدار ست سنوات ،وبقدر تلك المكاسب غير المشروعة التي تم تحقيقها على حساب دماء ومُعاناة الشعب اليمني العزيز ستكون العواقب والخسائر التي سيتكبدها تحالف العدوان وأدواته عسكرياً وسياسياً واقتصادياً ،حيث يُمثل إستعادة مأرب إسترداد لجزء هام من ثروات الشعب النفطية والغازية ومصدر إمدادات الطاقة الكهربائية التي منع العدوان ومُرتزقته وصولها للكثير من المحافظات وفي مقدمتها العاصمة صنعاء،حيث ظلت عائدات تلك الثروات طوال سنوات العدوان تُستنزف من قبل قيادات حزب الإصلاح وحكومة هادي من خلال تهريب الأموال للخارج ،وكانت سبباً للإثراء غير المشروع لكثير من تلك القيادات ، فتقرير معهد الإحصاء التركي للعام 2020 على سبيل المثال يُشير إلى أن اليمن إحتل المرتبة التاسعة بين الدول الأكثر شراء للعقارات في تركيا بشراء أكثر من 2200 عقار، وتأسيس 164 شركة حتى نهاية العام 2019 ،حيث نال المسؤولين في حزب الإصلاح الذين يتخذون من تركيا مقراً رئيسي لإقامتهم على الحصة الأكبر في تلك الإستثمارات،ناهيك عن الأموال التي تم تهريبها إلى دول كمصر والأردن وبعض الدول الأوروبية،لذا لايظن أولئك اللصوص أنهم سيُتركون دون عقاب، بل سيتم مُلاحقتهم ومحاسبتهم، وإستعادة ما تم نهبهُ من أموال.
نظراً لأهميتها الجغرافية والاقتصادية فمأرب هي المعقل العسكري لتحالف العدوان وحكومة هادي وحزب الإصلاح،و هي الأكثر تجهيزاً وتحشداً للعديد والعتاد ،وكانت حتى الأمس القريب بوابة التحالف إلى دخول صنعاء، حيث ظلت قيادات التحالف وأدواته تُردد مقولة “قادمون يا صنعاء”،ولكن هذه المعطيات تغيرت لتكون مأرب اليوم هي بوابة صنعاء لوقف العدوان وإستعادة السلام لليمن ،حيث أصبحت المدينة على مرمى حجر من قوات صنعاء التي أطبقت الخناق من جميع الجهات على قوات الإصلاح وهادي المسنودة بمجاميع كبيرة من عناصر تنظيم القاعدة، بالإضافة للدعم العسكري والطيران الحربي والإستطلاعي الذي توفره قوات التحالف.
إستعادة مأرب سيُفضي إلى وقف العدوان في جانبه العسكري ليتبقى الجانب الاقتصادي مُمثلاً بالحصار الشامل المفروض ،وجزءً من الجانب السياسي مُمثلاً بإستئناف عملية المفاوضات وفق الواقع الجديد،حيث يقود إستعادة مأرب تلقائياً إلى إستعادة ما تبقى من محافظة تعز بساحلها وصولاً للحديدة،ومن ناحيه أخرى سيُفتح الطريق نحو محافظات الجنوب التي يتطلع أبنائها الشُرفاء للتحرر من الهيمنة و الوصاية الخارجية، ولتستقر قوات صنعاء جغرافياً على حدود السعودية ،وبذلك تكون قوات صنعاء قد إستعادت كافة مناطق الشمال وأخمدت الجبهات العسكرية فيها ،وهُنا لن يتبقى لتحالف العدوان من قوات ومرتزقة على الأرض لمساندتهم .
يحرص النظام السعودي على منع سقوط مأرب ليس دفاعاً عن حزب الإصلاح أو حكومة هادي، بل لحساسية السقوط في مثل هذا التوقيت سياسياً ،لاسيما وأن المعركة يُرافقها ضربات جوية لقوات صنعاء في العمق الحيوي السعودي،حيث تم إستهداف مطاري أبها وجدة،و تُدرك الرياض أن صنعاء سترد بقوة على أي تصعيد أو حماقات عسكرية ،ولن تتردد في توجيه ضربات أكثر إيلاماً بالصواريخ البالستية والطيران المُسير على غرار ضربة أرمكوا التي أوقفت نصف إنتاج النفط السعودي،و إمكانية قيام قواتها بعمليات عسكرية نوعية في عمق الأراضي السعودية، وهو ما تتجنب الرياض حدوثه في ظل إعلان الرئيس الأمريكي بايدن التوجه نحوإيقاف الحرب في اليمن، و وقف الدعم للعمليات العسكرية للتحالف ،بالإضافة لإلغاء إدارته قرار التصنيف لمكون أنصارالله كمنظمة إرهابية ،وميل واشنطن للإحتفاظ بمسافة أكبر في علاقتها بالرياض لتمارس الإبتزاز في الملفات التي ستفتحها كملف خاشقجي وإنتهاكات حقوق الإنسان وقانون جاستا ،وهي معطيات تُوظفها صنعاء و تُسهم في مزيد من الإضعاف للموقف التفاوضي للرياض،كما تزيد من هاجسها الأمني .
سياسياً أيضاً يُمكن إعتبار إستعادة مأرب بمثابة المسمار الأخير في نعش ما يُسمى بالحكومة الشرعية التي ينتظرُها معركة فاصلة في الجنوب في إطار تصفية حسابات الصراع والثأر القائمة بين المجلس الإنتقالي من جهة ،وحكومة هادي وحزب الإصلاح من جهة أخرى ،وهي معركة يتم فيها إعادة بسط سيطرة المجلس الإنتقالي الكاملة على محافظة عدن ، وتثبيت سيطرته على بعض المحافظات الأخرى كأبين وشبوة ، كمقدمة للذهاب بعيداً نحو إعلان الإنفصال،و يُدرك حزب الإصلاح أن نهايته لن تختلف كثيراً عن نهاية حكومة هادي،لذا فهو مُستميت في محاولة منع إستعادة مأرب معقلهُ العسكري والاقتصادي، وأهم الأوراق التي تحفظ بقائه في المشهد السياسي. وبالمحصلة سيكون على المبعوث الأممي البريطاني غريفيث و زميله المبعوث الأمريكي الخاص لليمن ليندر كينج إعادة قراءة المشهد العسكري والسياسي في اليمن وفق خارطة المعطيات الجديدة، وهذا ما يُفسر القلق والدعوات البريطانية والأمريكية الأحادية الموجهة إلى صنعاء لوقف تقدم قواتها في مأرب.
لاشك أن معركة اليمن ضد الهيمنة والوصاية الخارجية لن تنتهي بإستعادة مأرب التي لا تستهدف معركتها سوى أولئك المُرتهنين للوصاية الرافضون لكل دعوات السلام والحوار ،الواهمين أنهم فقط من يمتلكون الحقيقة ،ولا يؤمنون بالشراكة في وطن يتسع للجميع ،لذ فصنعاء توجه دعواتها لمن تبقى من المغرر بهم في مأرب ممن يُقاتلون في صفوف تلك القيادات التي باركت العدوان على اليمن، وتعمل معه بكل طاقاتها في معركة خاسرة، وتدعوهم ليعودوا إلى صف الوطن مستفيدين من قرار العفو إسوةٍ بالآلاف ممن سبقوهم من زملائهم الذين راجعوا مواقفهم وضمائرهم،وعادوا من مختلف الجبهات بسلاحهم إلى عائلاتهم، وقُراهم،ومُدنهم، ولتكون قبائل ومشائخ وأبناء مأرب الشرفاء قدوتهم في تسجيل المواقف الوطنية بعيداً عن العصبية بكل صورها .
ختاماً، فإستعادة مأرب اليوم ليس مجرد رغبة أو طموح لصنعاء لتحقيق كسب سياسي أو تفاوضي،بل هو قرار و رهان حاسم لوقف العدوان والقضاء على طموحاته غير المشروعة في اليمن الذي يُلقن واشنطن و وكلائها درساً هو الأقسى من كل تلك الدروس التي تلقتها الولايات المتحدة ،و لم تتعظ من تجاربها في فيتنام وأفغانستان والعراق ،و إنجرت وراء وعود النظام السعودي وغروره بقدرته على حسم المعركة في اليمن خلال أيام معدودة، فكانت قيادة بن سلمان لتحالف عدوان على اليمن ضم أكثر من 15 دوله أشبه بركوب سيارة يقودها شخص قاصر ومخمور ،فما الذي حققه ذلك التحالف الأرعن بعد ست سنوات من العدوان سوى التسبب بأسوء كارثة إنسانية في التاريخ ،و إرتكاب أبشع الجرائم بحق الشعب اليمني العزيز ،فكان سقوطه إنسانياً وأخلاقياً أمام المجتمع الدولي قبل أن يسقط عسكرياً أمام صمود وإرادة شعب لايُقهر ،حيث تصدع التحالف وإنحسر ،وتشظت أدواته، وأصبح مرتزقته محل إزدراء،بل وعبئ يجري التخلص منه،وإضطر النظام السعودي لتحمل كُلفة باهضة عسكرياً واقتصادياً وسياسياً فاقت إمكاناته ليُصبح اليوم مُرغماً على القبول بحلول وتسوية ذو كُلفة إضافية لم تكن في حساباته مطلقاً ،أما صنعاء التي أخذت بأسباب النصر ،وقدمت من أجله التضحيات الجليلة و دماء الشهداء الزكية فقد سخرت لها العناية الإلهية الظروف لتكون في خدمتها بما في ذلك العدو نفسه إنتصاراً لقضيتها العادلة ،ولتمضي قُدماً في مشروعها الوطني الأصيل ليبقى اليمن شامخاً عزيزاً مُستقلاً.