جبلًُ هوى ..لكن صاحبنا ارتقى..لك يا أنيس قلوبنا كل العُلا..
إب نيوز ٢٥ فبراير
محمد صادق الحسيني
تتزاحم الشجون و المشاعر والذكريات والمحطات في ذهني كما تتزاحم الاقلام اليوم في رثائك يا أنيس هذا اليوم ، ولا أدري من اين ابدأ واين انتهي معك وأنت اليوم صرت كل الحكاية… ولا تقل “انتهيت وماتت الرواية”… فنحن لا ننتهي بل ننتقل من هذه الدنيا الفانية الى تلك الآخرة الباقية…
حاولت يا أنيس ان ارثيك بقلمي المكسور وظهري المنحني حزناً وقلبي المفجوع برحيلك الفجائي، كما ينبغي ، فما وفقت ولكنني اكتب اليك بضع كلمات لعلها تشفي وجعي..
لقد رحلت عنّا دون وداع ولا استئذان ، الا من عمتنا العقيلة زينب عليها السلام والتي زرتها مودّعاً ومستئذناً قبل ايام من اصابتك بهذا الوباء اللعين، كما هي عادتك وولعك الهندسي في رسم المثلثات والمكعبات وتشفير الرسائل والكلمات فبحت للعقيلة الحوراء ما لم تبحه للآخرين … ورحلت …!
آه يا انيس كم مرةٍ كنت قد قررتَ الرحيل وما اذن الله لك…
دعني ابدأ معك من حيث البداية الهندسية للرواية…
هل تتذكر اول مرة تعرفتُ فيها عليك في مكتبك لهندسة الديكور في كورنيش المزرعة في سبعينات القرن الماضي، يوم كنت تخطط مع رهط عظيم من اصحابك مثل هاني فاخوري وعلي يوسف ونزار الزين ومحمد بركات و محمود هلال رسلان ونذير الاوبري وخالد الشحيمي ومروان الكيالي وعبد الحسن الامين وعصمت مراد وسمير الشيخ وربيع الجبل ومحمد عرندس وعشرات آخرين من الرموز والقامات الاخرى “للاستيلاء” على لبنان كل لبنان وتسليمه كله لفلسطين ، هدية من بيروت كليمة البحر والبحّارين العاشقين للسفر الى المحيط الارحب ، بيروت العصية على الدخلاء والغرباء إلا من آمن بالله ورسله وانبيائه ، ونحت في صخورها ورسم على جدرانها وهندس ديكورها بلوحات فلسطين…!
هل تذكر كيف اخترقتَ يومها كل حواجز و”سيطرات ” القرار الدولي والاقليمي والمحلي المتكلس بنمطيات “لبنان قوي بضعفه” و”لبنان مرآة عاكسة لتناقضات المحيط” و”العين ما فيها تقاوم المخرز” ، لتتمكن من ايصال منشوراتك الى قرى جبل عامل تدعوها للقيام .. وزدت على ذلك طموحا بتجنيد بعض ضباط الامم المتحدة على الطرف الاخر من الاسلاك الشائكة ليوصلوا صوتك الجهوري وصوت حركتك لبنان الارض بتتكلم عربي الى اهلنا في فلسطين…!
كيف أرثيك اليوم وانت انت ، انت الذي هويت اليوم من علياء جبل قاسيون بقوة فرط صوتية لم نألفها فيك ولا منك، و في عينيك اللتين كانت دوماً مسددتين الى جبل الشيخ والجليل الاعلى فاذا بهما تغفيان على سفوح جبل عامل ودماوند فاستحضرت مع رحيلك المدوي هذا ابا جهاد خليل الوزير ومحمد صالح الحسيني وعماد مغنية وآخرين كثر من رجال المشروع الاممي المقاوم المبدعين.. واصراري على ذكر هؤلاء الثلاثة تحديداً لانهم كانوا المواكبين والملهمين لك في لحظات التحول والتغيير الاساسية في عمرك السياسي وان اصبحتَ “ملهما فاق ملهميه” في بعض فصول عطاءه باشواط..!
رثاؤك يا انيس ليس بالامر السهل وانت كنت عنوان التحول والابداع والهندسة الديناميكية في ثلاث محطات اساسية:
١- أنيس لبنان العربي
يوم اجتمع الكون كله ليخطفه من عروبته وفلسطينه فكنت سيد المرحلة في الدفاع عن عروبة لبنان الرديفة لفلسطين بكل تقاسيم العروبة والاسلام مانعاً المرجفين من سلخ لبنان عن بحره ومحيطه والمتحجرين الظلاميين عن التفريط باسلام محمد الاصيل.!
٢- أنيس اسلام الخميني
يوم اجتمع الكون كله ليمنع ولادة ايران الاسلام معلنين الحرب عليها لانها نادت بايران اليوم وغداً فلسطين..!
فكانت نخوتك العربية وصفاء روحك ومن عشقت من السهرودي وملا صدرا وعرفان امام العصر لتتجلى وحدة العقيدة لديك في نظريتك التي احببت وآمنت بان مهندس هذا الكون واحد ونوره واحد ما عنى لك ان تترجمه بانتقالك الى المرحلة الارقى وهي الجمع بين جناحي الامة الاسلامية عنيت به مرحلة الاسلام المحمدي الاصيل على سنة محمد وفي تشيّع علي والتي تمثلت لديك وتبلورت بالانتماء.. نعم الانتماء لمدرسة ونهج محقق حلم الانبياء ووارث آدم والحسين عليهما السلام عنيت به الامام روح الله الموسوي الخميني…!
٣_ أنيس حضارة المشرق
يوم اجتمع الكون كله لينتقم من كل حواضر الامة العربية والاسلامية ممثلة بشام المسيح ومحمد ، وبعثوا جيوشهم الناطقة بعربية زائفة كاذبة والحاملة لراية ظلامية سوداء تحمل في جوفها عدة وعديد بقايا عصابات الهاغانا وشتيرن وسواهما من جيوش الشجرة الملعونة في القرآن، فكنت ايضاً سيد المرحلة وعنوانها منذ اليوم الاول ، ولم تختلط عليك الامور ولم تشتبه ، فاطلقت نداءك الشهير بان هيا لننتقل من الاشتباك “المنفرد” الى التشبيك “المتحد” لتصبح الساحات والدماء واحدة متحدة كما هو هدفنا الواحد الموحد…
ويوم صرعت الامبريالية والصهيونية على بوابات الشام وصعد من صعد الى بارئه من القادة والاحباب وأخيرهم وارث كل علم الحروب والمقاومات وابن الخميني البار ومالك علي الخامنئي الى السماء عنيت به اسطورة الشرق الحاج قاسم سليماني ، قررت ان تذهب انت بكليتك الى دمشق لتخوض ما كنت تعتقد وانت محق بانها المعركة الاخيرة ما قبل الصعود الى الجليل الاعلى ، اي معركة منع تكرار سيناريو العراق الذي يحضر سورية الاسد ولبنان، ولكن هيهات لهم ذلك…. وقد نجحت في أداء واجبك وقسطك في المعركة ، مبدعا وملهما..
وبينما جيش سورية الاسد وحلفائه الاوفياء يستعدون لتطهير ما تبقى من ارض الانبياء وارض المعراج الى السماء ، والكل يعد العدة ممن تعرفهم وآخرين جدد يأتون الينا من كل حدب وصوب ومأرب …فاذا بك تفاجئنا بالترجل عن صهوة فرسك والرحيل…
لماذا يا انيس..!؟
سؤال يُمعن في إيلامنا، لكن الله يقول لنا بلسان الوحي :
“ولكل أمة أجل فاذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون..”
آمنا بالله وهو الحق والموت حق …
رثاؤك صعب يا انيس بعد ان قلّ الأنيس لولا أبي هادي الامين وبعض رهطه وحوارييه…
وبعد ان صار لنا في السماء اكثر مما لنا في الارض، وبعد ان اشتعل الشيب فينا لهباً…!؟
ولكن لا يا انيس ، فعهدنا وإياك ألّا نستسلم، لا للجنرال كلل ولا للجنرال ملل ، ولا للجنرالات الاخرين إحباط ويأس وقنوط، فرحمة الله واسعة..
وعهدنا الاول نحن “جمعية المصدقين” هل تذكر .. هكذا كانوا يسموننا.. باننا مصدقين أن الامور بخير وان كل شئ على مايرام وان التحرير قادم وان أمر محمد وال محمد قائم…
نعم يا أنيس قسماً بمن احببت وبمن آمنت وبمن التحقت اننا على العهد باقون والى الجليل وجبل الشيخ صاعدون ووحن نردد …”نحن اللي خلينا الدنيا تحكي بلهجة فلسطين” و”انا ابن فتح ما هتفت لغيرها” طبعاً فتح التي كانت تعني فلسطين كل فلسطين وكل من حملدالبندقية بعدها وقرر الاشتباك خيراً دائماً لاجل فلسطين حرة عربية مستقلة تسبح في محيطها العربي والاسلامي ، ومدعومة من و كل احرار العالم الذين احببتهم واحبوك يا أنيس الانسان ..
نم قرير العين يا أنيس واطمأن ، وعندما تستفيق غداً أخبر حواريي عيسى المسيح وجند محمد عندك من ضيوف الرفيق الاعلى باننا قادمون وكل واحد من اهل الاختصاص فينا ، قد اخذ موقعه الخاص به في المستوطنة او المستعمرة التي سيحرر… وسنصلي في القدس…
ولكن مع ذلك يا انيس…
ثمة وجع وألم وحنين في قلبي لعودتك وعودة من معك هناك في الفردوس الاعلى وانتم حول محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين متحلقون….
ولكن الحزن عليك يا أنيس جاء أضعاف مضاعفة
كما أخبرتك أعلاه فانت برحيلك استحضرت كل القامات والهامات التي سبقتك…
ولم يبق في جعبتي الا هذه الابيات التي رثا فيها الشريف الر ضي صديقه ابا اسحق الصابي :
اعلمت من حملوا على الاعواد
ارأيت كيف خبا ضياء
النادي
جبل هوى لو خر في البحر اغتدى
من وقعه متزاحم
الازباد
ما كنت اعرف قبل حطك في الثرى
أن الثرى يعلو على
الاطواد
إقبلها مني أوتار في غمد سيفً ملئ بالشجن
لا اقول لك وداعاً يا أنيس حتى النفوس المستوحشة من بعدك
فانت من جنس الشهداء… حي بيننا وان كانت الكورونا قد فتكت بك على حين غرة بالوكالة عن العدو الاصيل الذي هزمته في اكثر من ميدان…
قادمون يا انيس من هرمز التي جهزت راداراتها البحرية بيديك الى باب المندب التي كنت تعمل على تحضير سفينة كارينA ٢ لها ، حتى مع غياب عماد …
ومن البصرة التي لطالما نصحت بحسم أمرها قبل فوات الاوان الى بنت جبيل التي لطالما حرست تلالها انت والقامات الكبرى التي كبرت وكبرت حتى حققت حققت الانتصارين وصار عدوك وعدونا اوهن من بيت العنكبوت…
انت رحلت بدمك يا أنيس مرفوع الهامة منتصراً
ونحن بقينا هنا ننتظر اشارة حبيبك وحبيبنا معركة يوم القيامة التي نكتد نلامسها بين يوم وآخر في معادلة قوة جديدة لجغرافيا آخر الزمان
ستبعث فيها انت ورفاقك الذين سبقوك لتقاتلوا معنا من جديد بهندسة هذه المرة من نسج رب الكون.
الله وياك الله وياك الله وياك
بعدنا طيبين قولوا الله