وهمي الجميل

إب نيوز ٥ مارس

عــــفاف الــــبعداني

ظننت أن الروح نائمة في عترة الليل المسكين، ولكن التنبؤات الروحية، هي دائما ملتصقة بدخائل النفس الغويصة، و تعد أقوى مسارا من ابتعاث الظنون عليها، فهذه المرة جئتك أيها الليل بموعد مختلف لم يسبق وإن فكرت بزيارتك بهذا الوقت فعملي الشاق التهم كل زياراتي السابقة، ولكنّ خيالي خَطَى إليك بمحض إرادته وأعرض عن السرب المعتاد للنوم، لم أعلم له متجه إلا عندما أوجس فيني أمرا مجهولا، أجبناها أنا وظلي معا واقتربنا من النافذة فتحناها وأرخينا عنها الستائر ببطء، وقصدت أولا ً تلك الزهور الحانقة، اسقيتها ومازالت ممتعضة مني بعض الشيء، نسيتها في المغيب ولم تشفع لي نسياني المعتوه، همست في أذنها لايليق بك البؤس أيتها الزهرة… قريبا سيحل الربيع وستنسي مآسي الشتاء….. وبسرعة كطفل تبدل لونها و تلألأت قطرات الماء في أوراقها وكأنها أصبحت عيون للقمر، ابتسمت لي عن طيب خاطر وبدأ عطرها ينتشر في الأرجاء ، عندها زاحمتني دموع خفيفة، وجدت روحي مستيقظة لشيء جميل نحوالسماء درت بنظري وتنفست الهواء العذب وشعرت بمصالحة موفقة مع الطقس والحياة معا.

والحقيقة أن عيناي لم تنبس لأي جهة من الأرض إلا عندما لمحت شيئا بمقعد العشب، فجأة اجتمع بصري بنقطة واحدة ، بعدما كان موزعا في حكايات السماء، عيناي في أوج تاملها، فهي وجدت فضاءك مرسوم بجانب شجرة أيها السيد : “شمس التبريزي”… .. كنت ألمحك جالسا متكئا على لحاء شجرتنا العفيفة، بدأ لي أنك تقرأ كتابا كأنه زمهريرا متشبثًا بأطراف أصابعك بعناية، وكم حاولت أن أحظى بقراءة العنوان كون الغلاف مترع بالأضاءات الوليدة والحياة المستحبة، ولكن ثمة أمرا عجيب حال بيني وبين الدراية، طيور الليل مجتمعة، وشعاعات عدة تخرج من براجم يديك من شأنها مصافحة السماء فحسب ولا تعهد للبشر بشيء ، ….ولم أكن أعلم أي كتاب ذاك وأي شخصا أنت حتى ينتابني ذاك الشعور…… مع أن سماءنا صافية و مزاجها منتعشا بالقمر ، ولكن لم أستطع أن استخرج حرفا واحد يجيد ترجمة الغلاف، كل ما استنتجته هو شعورا واحد أن المخلوقات تطامنت بوجودك ياسيدي كما تطامنت أنا… في حين لم أعهد لها مجيء بهذا الشكل.

وسرعان ما اختتمت زيارتك بابتسامة رفيعة وذهاب سريع، اختفيت من المكان، واستأنست كثيرا لتلك السماء وتلك الطبيعة المحفوفة بالاستقراء لنا دون عناء ومشقة للبوح…. ولم أذكر حينها أن صداعي هو أحد الآجئين لي في نهاية كل لحظة هادئة، أتى مبتهلا بالأرق… استسلمت له…. ورحبت فيه تعجب من مزاجي هذه الليلة و كالعادة ظل يجري في جمجمتي للحظات كالعاقل المجنون، والطفل الباحث عن أمه، تعجب كثيرا كيف أني صرت صبورة جدا للحد الذي لا أتضرر منه ولا استنفر لوجوده، لم يفلح أن يدووم في نهاية الأمر نائم …. ويا… ليته… .ينوم للأبد .

.

You might also like