صحفي يمني .. يوجه رسالة هامة إلى تركيا.. اليمن ليست ليبيا والقتال فيها ليس كمسلسل وادي الذئاب.
وجه الصحفي اليمني عبدالوارث النجري رسالة هامة إلى تركيا، وذلك في ظل المساعي الحثيثة من قبل حزب الإصلاح ( إخوان اليمن ) لجرها للإنضمام إلى تحالف العدوان، والمشاركة في الحرب على اليمن.
وقال النجري في منشور على صفحته بالفيس بوك ( إذا كانوا بالفعل قد نسوا ما حدث، فمن الواجب علينا ان نذكرهم .. إنها لا تزال ( مقبرة الغزاة ) .. وليعلموا أن اليمن ليست ليبيا .. والقتال فيها ليس كمسلسل ( وادي الذئاب ).
كيف تعامل اليمنيون مع الأتراك في الحرب العالمية الأولى؟
عن مسار هذه الأحداث يقول الباحث عبدالله بن عامر -في مصنفه الأول المعنون ( تاريخ اليمن مقبرة الغزاة الطبعة الأولى – الجزء الثاني والذي يتناول تاريخ اليمن عبر الغزو بالتحليل وقراءة الأبعاد والأسباب والظواهر)- ان الدولة العثمانية قد استهلكت في مراحلها الأخيرة الكثير من طاقاتها الحربية في اليمن فقد كانت تقوم بسحب قوات لها من ولايات عربية وإسلامية مختلفة حتى ترسلها إلى اليمن لقمع الثورة في وقت لم تكن بحاجة إلى كل هذا المجهود الحربي الضخم إذ أن مسألة اليمن كانت تحتاج إلى الالتقاء مع الواقع اليمني..
ويشير الباحث إلى ما ذكره المؤرخ الشماحي عن موقف الإمام يحيى ومعه اليمنيون كافة بشأن الأتراك المتواجدين في اليمن أثناء اندلاع الحرب العالمية الأولى وكيف أن الإمام رفض العروض البريطانية في إعلان الحرب على الأتراك وطردهم إلا أنه رفض تلك العروض وكانت اليمن بلداً آمناً للأترك في وقت كانت بقية البلدان تثور عليهم وتطردهم بتحريض من بريطانيا وفي ذلك يقول الشماحي” وتركيا التي ما زال لها وجود باليمن بموجب اتفاقية دعان تضع يدها بيد ألمانيا الإمبراطورية العسكرية وتندلع الحرب العالمية الأولى وتنضم الدول والبلدان العربية إلى بريطانيا ويضربون الأتراك من الخلف وفي القلب، ولكن الإمام يحيى في هذه الظروف كان أعمق القادة العرب فكراً وأشرفهم موقفاً فوق موقف الحياد ولم يطعن الأتراك لا من الإمام ولا من الخلف التزاماً منه باتفاقية دعان وبأنهم مسلمون يحاربون مستعمراً كافراً, (الإنجليز) وحلفاءهم ولم يقف به هذا الاعتقاد عند حد المتاركة للترك بل أمدهم بالمال ولم يعارض من أحب التطوع من اليمنيين للقتال معهم ضد الإنجليز وتنتهي الحرب العالمية الأولى بهزيمة تركيا والمانيا فسلم القادة العرب كل من بيدهم من الأتراك إلى بريطانيا وحلفائها المنتصرين كأسرى، ولكن اليمنيين والإمام يحيى لم يصنعوا هذا الصنيع برغم ما جره الأتراك من ويلات إلى اليمن بل احتفظوا بمن بين أظهرهم من الأتراك وفتحوا المنطقة المتحررة من الأتراك والحماية البريطانية لكل تركي أحب اللجوء إليها وتركوا لهم حق الاختيار في البقاء باليمن أو الرجوع إلى بلادهم.. لقد كان اليمن شريفاً في انتصاره وأيام سلمه..
ومما يؤكد الموقف اليمني التاريخي رسائل القادة الأتراك الذين أعادوا انكسار الدولة العثمانية في الحرب العالمية إلى محاربة أهالي العراق والحجاز وفلسطين والشام إلى جوار العدو كما يقول سعيد باشا في رسالة قائم مقام الحجرية ودفع اليمن ثمن موقفه الرافض للعروض البريطانية في الوقوف معهم ضد الأتراك ولو استجاب الإمام لتلك العروض لمكنته بريطانيا من أغلب بقاع الجزيرة العربية إلا أنه لم يكن عميلاً فقد فضل الحياد وفي ذات الوقت دفع باليمنيين إلى القتال في صفوف الأتراك كما حدث في معارك لحج وعدن وتوقفت أعمال المقاومة في كافة المناطق تضامناً مع الدولة العثمانية ضد بريطانيا، ويقول المؤرخ فاروق أباظة عن الموقف اليمني التاريخي مع العثمانيين : غلب اليمنيون النزعة الإسلامية على ما عداها فقد عقدوا الهدنة مع الأتراك في 1911م ليتيحوا فرصة التفرغ لمواجهة الخطر الإيطالي ويضيف : لقد حاولت بريطانيا أن تبقى في ميناء الحديدة لكي تملأ الفراغ الذي سيتركه الأتراك وللضغط على الإمام يحيى ليسلم لها بعض الإمتيازات قبل ان تجلوا قواتها عن الميناء ولكنها لم تفلح وما يجدر قوله هذه الأحداث ما أشار إليه الباحث عن الجلاء النهائي للأتراك:فقد فرضت الدولة المتضررة في الحرب العالمية الأولى على الدول المنهزمة شروط الاستسلام وذلك في اتفاقية مندوروس التي تلزم القوات التركية في شبه الجزيرة العربية إلى تسليم نفسها لأقرب قوات بريطانية وهو ما يعني أن القوات التركية في اليمن يجب أن تستسلم للقوات البريطانية المحتلة لعدن، وبعد وصول أنباء اتفاقية مندوروس أجتمع ما تبقى من القادة الأتراك في اليمن إلى الإمام يحيى الذي أكد لهم وقوفه إلى جوارهم واستمرار النفقات على القوات الموجودة باليمن وطلب منها عدم الإستسلام لبريطانيا وكتب الإمام إلى سعيد باشا للتأكد من صحة الخبر وللتأكيد على وقوفه معهم وبأنه مستعد للقتال حتى الممات كون ذلك واجباً دينياً وأخلاقياً.
التكتيك العسكري للمقاومة اليمنية في مواجهة الأتراك
لا شك أن براعة اليمنيين في الحرب والقتال بشكل عام يرجع إلى وجود القادة العسكريين الذين يمتلكون الخبرة الكافية لإدارة المعارك
والذي يٌعد عاملاً مهماً من عوامل صمود اليمنيين في تلك الفترة لدرجة أن الخسائر اليمنية في عهد الإمام يحيى كانت أقل بكثير من خسائر العثمانيين، فقد تراكمت خبرة الإمام يحيى في المجال العسكري أثناء مشاركته في المقاومة في عهد أبيه إضافة إلى أن عهده شهد بروز قيادات عسكرية عدة ساهمت بشكل كبير في التنكيل بالعثمانيين وإجبارهم على تقديم تنازلات كبيرة وقد اعتمد اليمنيون على تكتيكات قتالية تستخدم في أحدث الجيوش النظامية ووقتها لم يكن اليمنيون قد عرفوا العسكرية النظامية بالشكل الصحيح المتعارف عليه اليوم إلا أن أساليبهم الحربية وذكاءهم الفطري وارتباطهم الوثيق بأرضهم ونظرتهم للأجنبي ونزعتهم للاستقلال شكل لديهم ثقة كبيرة بأنفسهم وإرادة قوية أدت إلى أن يكون القائد العسكري اليمني الذي لم يسبق له أن تدرج في الرتب العسكرية أو التحق بأي كلية في العلوم العسكرية أو حتى شارك في تدريبات تمهيدية كتلك التي تعطى للجنود بعد الإنتساب جعلت هذا القائد وجهاً لوجه أمام القادة الأتراك الذين قضوا أوقاتاً طويلة في اكتساب المهارات العسكرية والكثير منهم تلقى العلوم العسكرية في أحدث الكليات بذلك الوقت فبات أكثر معرفة بالحرب وأساليبها من غيره ، غير أن كل ذلك لم يكن له فائدة تذكر حين يتعلق الأمر باليمن الأرض والإنسان الجبال والتضاريس والمقاتل والمحارب .
ولهذا يمكن القول ان الذي كان يحدد طبيعة المعركة وزمانها ومكانها بل وفي كثير من الأحيان نتائجها كان المقاتل اليمني فلا غرابة ومن خلال قراءة تلك المرحلة نجد أنه لم تحدث مواجهات عسكرية شاملة فقد كان الإمام ومن معه من القادة العسكريين يحسنون اقتناص الأوقات المناسبة للهجوم واختيار أوقات الانسحاب والتراجع، فالهجوم عندما تكون القوة بروح معنوية عالية وجاهزة للقتال والانسحاب عندما تكون قوة العدو أكبر والميدان القتالي لا يساعد على الانتصار الخاطف والسريع وكانت عملية انسحاب الإمام يحيى من صنعاء مع قدوم حملة عسكرية تركية كبيرة بقيادة فيضي باشا مقدمة لانتصار ساحق على الأتراك فقد أنجز الأتراك وهم مزهوون بوهم الانتصار إلى المناطق الشمالية وتقدموا إلى معاقل القبائل الثائرة وحاصروا شهارة وكانت بداية التراجع والهزيمة.
ولا ننسى هنا الإشارة إلى ظروف اقتصادية وسياسية واجتماعية ساهمت في اتخاذ القرارات المناسبة بالنسبة للعمليات العسكرية كون هذه العمليات مرتبطة بعوامل نفسية وتتأثر بالجوانب الاجتماعية والثقافية والاقتصادية فالحرب ليست نزهة أو عمل من ضمن الأعمال الاعتيادية كما يحاول البعض أن يصوره بل كانت قرارات الحرب من أخطر القرارات التي تتطلب دراسة مسبقة ومعرفة متأنية بأحوال الخصم، وكذلك قراءة طبيعة الظروف المحيطة وكل هذا لم يكن بعيدا عن عقلية إدارة الصراع مع العثمانيين في تلك الفترة ولأجل ذلك شهدنا مراحل تقدم وأخرى تقهقر وما بينهما اعتمد الإمام على سياسة النفس الطويل فكان لا يخذل القبائل عندما تهب لطلب إعلان الثورة والجهاد ضد الأتراك بل يستغل تلك الحماسة المتقدة في توزيع الجيوش على الكثير من المناطق وأحداث الخسائر الفادحة بالأتراك وفي نفس الوقت كان لا يتهور بدفع القبائل إلى حرب مستمرة دون استراحة محارب.
ولهذا نجد أن اليمنيين تعودوا على الحرب وألفوا القتال مع الأتراك لكن ليس بمعنى التهور بل التدبر والتخطيط وأن يألف اليمني القتال مع الأتراك يعني أنه خير من استفاد من دروسه السابقة فكان لا يكرر خطأ ويقرأ خصمه جيداً بجوانب القوة ونقاط الضعف حتى أن الخوف من الحرب أصبح هاجساً يخيم على الأتراك وليس على اليمنيين بل في عملية الحصار على المدن كان الإمام يحرص على أضعاف الأتراك ودفعهم إلى الاستسلام دون معركة حاسمة ولهذا نجد أثناء الحصار الأخير على صنعاء كانت قوات الإمام أضعاف القوات التركية ومع ذلك لم يأمر قواته باقتحام المدينة رغم أن ذلك كان متاحاً بحسب التقديرات العسكرية.
الإمام يحيى والصراع مع الأتراك
برع اليمنيون في الحروب والقتال بشكل عام، فقد تعودوا على الحرب وألفوا القتال مع الكثير من الغزاة من حاولوا أحتلال اليمن على مدى العصور السابقة، فقد جعل منها ذلك الموقع مطمعاً لكل الطامحين في الهيمنة والإستبداد، وآخرهم الأتراك وهذا يعني بروز قيادات عسكرية عدة اكتسبت خبرة في الكثير من المعارك ، إضافة إلى اكتساب القادة العسكريين الخبرة الكافية لإدارة المعارك وتحقيق النصر.
الإمام يحيى بن حميد الدين قدم نموذجاً في المجال العسكري وبخاصة في مواجهته للأتراك في عهد أبيه لدرجة أن الخسائر اليمنية في عهده كانت أقل بكثير من خسائر العثمانيين بحسب الباحث والمؤرخ عبدالله بن عامر في كتابه( تاريخ اليمن مقبرة الغزاة – الجزء الثاني) والحديث للباحث حيث يشير إلى أن عهد الإمام يحيى شهد مواجهات عسكرية ضارية بين اليمنيين والأتراك نتج عن هذه الحروب والمواجهات إمتلاك اليمنيين الخبرة لإدارة المعارك والذي يعد عاملاً مهماً من عوامل الصمود والثبات، إضافة إلى بروز قيادات عسكرية عدة ساهمت بشكل كبير في التنكيل بالعثمانيين وإجبارهم على تقديم تنازلات كثيرة، وأن قتال اليمنيين تكتيكياً وعسكرياً مع الأتراك قد أكسب الإمام يحيى فنون القيادة العسكرية في الميدان، ففي هذه الجزئية يقول المؤرخ والباحث عبدالله بن عامر ” أن اليمنيون قد اعتمدوا على تكتيكات قتالية تستخدم في أحدث الجيوش النظامية ووقتها لم يكن اليمنيون قد عرفوا العسكرية النظامية بالشكل الصحيح المتعارف عليه اليوم إلا أن أساليبهم الحربية وذكاءهم الفطري وارتباطهم الوثيق بأرضهم ونظرتهم للأجنبي ونزعتهم للأستقلال شكل لديهم ثقة كبيرة بأنفسهم وإرادة قوية أدت إلى أن يكون القائد العسكري اليمني الذي لم يسبق له أن تدرج في الرتب العسكرية أو التحق بأي كلية في العلوم العسكرية أو حتى شارك في تدريبات تمهيدية كتلك التي تعطى للجنود بعد الإنتساب جعلت هذا القائد وجهاً لوجه أمام القادة الأتراك الذين قضوا أوقاتاً طويلة في اكتساب المهارات العسكرية والكثير منهم تلقى العلوم العسكرية في أحدث الكليات بذلك الوقت فبات أكثر معرفة بالحرب وأساليبها من غيره، غير أن كل ذلك لم يكن له فائدة تذكر حين يتعلق الأمر باليمن الأرض والإنسان الجبال والتضاريس والمقاتل والمحارب.
ولهذا يمكن القول أن الذي كان يحدد طبيعة المعركة وزمانها ومكانها بل وفي كثير من الأحيان نتائجها كان المقاتل اليمني فلا غرابة ومن خلال قراءة تلك المرحلة نجد أنه لم تحدث مواجهات عسكرية شاملة فقد كان الإمام ومن معه من القادة العسكريين يحسنون اقتناص الأوقات المناسبة للهجوم واختيار أوقات الأنسحاب والتراجع، فالهجوم عندما تكون القوة بروح معنوية عالية وجاهزة للقتال والانسحاب عندما تكون قوة العدو أكبر والميدان القتالي لا يساعد على الانتصار الخاطف والسريع وكانت عملية انسحاب الإمام يحيى من صنعاء مع قدوم حملة عسكرية تركية كبيرة بقيادة فيضي باشا مقدمة لانتصار ساحق على الأتراك فقد أنجر الأتراك وهم مزهوون بوهم الانتصار إلى المناطق الشمالية وتقدموا إلى معاقل القبائل الثائرة وحاصروا شهارة وكانت بداية التراجع والهزيمة.
ولا ننسى هنا الإشارة إلى ظروف اقتصادية وسياسية واجتماعية ساهمت في اتخاذ القرارات المناسبة بالنسبة للعمليات العسكرية كون هذه العمليات مرتبطة بعوامل نفسية وتتأثر بالجوانب الاجتماعية والثقافية والاقتصادية فالحرب ليست نزهة أو عمل من ضمن الأعمال الاعتيادية كما يحاول البعض أن يصوره بل كانت قرارات الحرب من أخطر القرارات التي تتطلب دراسة مسبقة ومعرفة متأنية بأحوال الخصم، وكذلك قراءة طبيعة الظروف المحيطة.. وبحسب المؤلف فأن هذا لم يكن بعيداً عن عقلية إدارة الصراع مع العثمانيين في تلك الفترة ولأجل ذلك شهدنا مراحل تقدم وأخرى تقهقر وما بينهما اعتمد الإمام على سياسة النفس الطويل فكان لا يخذل القبائل عندما تهب لطلب إعلان الثورة والجهاد ضد الأتراك بل يستغل تلك الحماسة المتقدة في توزيع الجيوش على الكثير من المناطق واحداث الخسائر الفادحة بالأتراك وفي نفس الوقت كان لا يتهور بدفع القبائل إلى حرب مستمرة دون استراحة محارب.
مشيراً أن اليمنيين تعودوا على الحرب وألفوا القتال مع الأتراك لكن ليس بمعنى التهور بل التدبر والتخطيط وأن يألف اليمني القتال مع الأتراك يعني أنه خير من استفاد من دروسه السابقة فكان لا يكرر خطأ ويقرأ خصمه جيداً بجوانب القوه ونقاط الضعف حتى أن الخوف من الحرب أصبح هاجساً يخيم على الأتراك وليس على اليمنيين بل في عملية الحصار على المدن كان الإمام يحرص على إضعاف الأتراك ودفعهم إلى الاستسلام دون معركة حاسمة ولهذا نجد أثناء الحصار الأخير على صنعاء كانت قوات الإمام أضعاف القوات التركية ومع ذلك لم يأمر قواته باقتحام المدينة رغم أن ذلك كان متاحاً بحسب التقديرات العسكرية.
300 ألف تركي قتلوا في اليمن
كان الأتراك الأكثر من حيث الخسائر البشرية بالنسبة لأية قوة غازية حاولت احتلال اليمن ولهذا نجد في أكثر من منطقة يمنية مقابر تعود إلى فترات الحملات العسكرية التركية
حتى في تلك المناطق التي لم تتطرق إليها المراجع التاريخية الرئاسية التي وثقت للفترة الأولى أو الثانية ولهذا لا غرابة في أن يطلق الأتراك على اليمن وصف مقبرة الأناضول فمقابرهم في اليمن تكاد تكون في جميع المناطق الشمالية والوسطى والغربية، فمثلاً في صعدة فقط هناك عدة مقابر في رازح فيها قبور لقادة عسكريين أتراك وكذلك في مديريات أخرى بنفس المحافظة والأمر ذاته بالنسبة لمديرية السلفية بمحافظة ريمة ففيها ثلاث مقابر للإتراك وهي المقابر المعروفة حتى اليوم وكذلك في عمران والمحويت وصنعاء وذمار وإب وتعز والحديدة وحجة وهناك مقابر عدة في زبيد ليس للأتراك فقط بل وللمماليك وقبلهم للأيوبيين وفي عدن للبريطانيين.
تتحدث الوثائق التركية الرسمية عن 300 ألف جندي وضابط وقائد من جيش الدولة العثمانية قتلوا في اليمن أثناء التواجد التركي في اليمن ولا يخفي الأتراك حجم خسائرهم في اليمن رغم الاختلاف في تقديرات عدد القتلى والجرحى فهناك من يرى إلى هذا الرقم بأنه مبالغ فيه وهناك من يعتبره واقعياً بحكم ضراوة قتال اليمنيين.
وكانت وسائل الإعلام التركية تتحدث مطالع القرن العشرين عن الحرب في اليمن بالقول: أن باليمن أربعة ملايين مسلم ومع ذلك خسرت الدولة عليهم مئات الآلاف من الرجال والملايين من النقود دون أن تسفيد منهم شيئاً ولا غرابة في القول أن الهزيمة العثمانية في اليمن كانت مقدمة لهزيمة كبرى على المستوى العالمي وبداية تفكك تلك الدولة وانهيارها، فقد كانت العمليات الحربية الكبيرة المستمرة في اليمن تكلف العثمانيين كثيراً من المال والرجال فضلاً عن أن قضية اليمن كانت تشغلها عن المشكلات الأخرى الكبيرة الخاصة بباقي الإمبراطورية العثمانية الواسعة.
وينقل سيد مصطفى سالم عن ويفل في كتابة تكوين اليمن الحديث صـ(77) القول: وبينما كان العرب يتنازعون حول تقرير المصير كان تاريخ اليمن تاريخ السيف والنار فهو تسجيل المعارك والحصار وأماكن توخذ عنوة وحاميات تخضع نتيجة الجوع ومذابح وحشية وانتقام قاسٍ أما الثعالبي في رحلته اليمانية فق تطرق إلى حديث دار بينه وبين يمنية طلبت منه عودة الأتراك فرد عليها بالقول أن الأتراك لم يخرجوا من اليمن إلا بعد أن يئسوا منكم فقد قتلتم من رجالهم في نحو أثنتي عشرة سنة نحو مائتي ألف عسكري من خيرة جيوشهم وأبطالهم حتى أنهم كانوا يسمون اليمن مقبرة العساكر التركية ثم تساءل وهل هذه الحالة تشجع إلى الرجوع إليكم.
وتذكر أحداث تلك الفترة تمردات الجيش العثماني بعد تعرضه لهزائم ساحقة خلال حروبه مع اليمنيين فكان المئات من الجنود يفرون إلى البحر والكثير منهم يعلن تمرده في صنعاء أو في عمران ويطالب مستحاقته المالية ومن ثم يغادر الأرض اليمية حتى أن الولاة كانوا يدفعون مبالغ إضافية من أجل ترغيب الجنود في البقاء مدة أطول في اليمن.
أما عن الخسائر في الجانب اليمني فلا توجد إحصائيات لذلك سيما عدد الشهداء والجرحى فهناك من يقدرهم بعشرات الآلاف وقال المؤرخ الشماحي إن اليمن قدمت في سبيل الإستقلال من الأتراك نصف مليون شهيد وهو مالا يمكن التحقق منه بسبب عدم الاهتمام وقتها بإحصاء الخسائر وتوثيقها، لكن ما لا يخفى على أحد أن اليمنيين قدموا الكثير من التضحيات في المرحلة التركية الثانية وأن حروبهم مع الأتراك لم تتوقف يوماً واحداً وكانت الدولة العثمانية بكل قوتها تدفع بعشرات الآلاف من جنودها لقمع مقاومة بإمكانيات متواضعة، فلم تكن اليمن وقتها دولة وليس لها جيش منظم بل كان الشعب هو الجيش والقبائل هي التشكيلات العسكرية والمواطنون هم الجنود والأبطال والقادة وهم من تحدوا الدولة العثمانية وصمدوا أمام جحافلها ولم يستسلموا رغم فارق القوة الهائل بل ألهموا بقية العرب والمسلمين إلى الثورة ضد الظلم حتى علم القاصي والداني أن اليمن مقبرة كل غازٍ.
استقلال اليمن من الاحتلال التركي
انتزع اليمنيون استقلالهم من الاحتلال التركي وبشكل نهائي في العشر الأوائل من شهر جمادي الأولى سنة 1045هـ الموافق 22 أكتوبر 1635م وكانت اليمن أول بلد عربي ينتزع استقلاله وحريته من الاحتلال العثماني، فيما أغلب البلدان العربية والإسلامية ظلت ترزح تحت الحكم العثماني لعقود بل ولقرون،
فبعد عقود من النضال توج اليمانيون الأحرار تضحياتهم وانتصاراتهم بالتحرر والاستقلال وعادوا إلى تأسيس دولتهم المستقلة التي كانت تناطح أقوى سلطنة على مستوى العالم في تلك الفترة وكان يأتي إليها المظلومون من كل البلاد العربية هرباً من البطش التركي أو استنجاداً لنصرتهم.
وقد اتسع نفوذ الدولة القاسمية إلى ينبع شمالاً وإلى ظفار شرقاً وإلى جزر فرسان ودهلك وإلى سقطرى جنوباً وكان لها نفوذ على الضفة الغربية للبحر الأحمر.
وعن الجلاء الأول للعثمانيين يقول المؤرخ عثمان فاروق : وأخيراً وجد العثمانيون أنفسهم في اليمن يواجهون تياراً عنيفاً من التذمر والعداء والثورات المستمرة والمقاومة العنيفة الضارية التي كان يشترك فيها مع الزيديين في الجبال إخوانهم الشافعيون في تهامة على الرغم من اتفاقهم المذهبي مع العثمانيين.
وكانت القوات العثمانية تتكبد بصفة دائمة خسائر فادحة في الأموال والأرواح مما جعل العثمانيين يفكرون في الجلاء عن اليمن تخلصاً من هذا الحلم المزعج الذي عاشوا فيه قرابة قرن من الزمان فكان الجلاء في عهد مراد الرابع استجابة طبيعية لما فرضته المقاومة العنيفة التي قام بها الشعب اليمني ضد العثمانيين.
سلاح اليمنيين كيف وصل إليهم؟
وعندما نتساءل عن كيفية حصول اليمنيين على السلاح في تلك الظروف فلم تكن هناك أسواق لبيع السلاح ولم تكن إمكانات اليمنيين قادرة على صناعته لكن عندما نتصفح أحداث تلك الفترة نجد أن المصدر الرئيس للسلاح هم الأعداء أنفسهم ولكن كيف؟
يبدع اليمنيون في مقاومتهم للغزاة، فكانت قوافل إمدادات الأتراك هي أحد هذه المصادر إضافة إلى الكمائن والهجوم المباغت الذي كان يحدث على الحاميات التركية في مختلف المناطق ووقتها لم تكن القبائل تعود من غزو أو غارة إلا ولديها ما يكفيها من السلاح والعتاد لشن غارات وغزوات أخرى, وهكذا تمكن اليمنيون من تسليح أنفسهم من أسلحة العدو نفسه، فهاهم أتباع الإمام القاسم يتسللون إلى داخل صنعاء فيهاجمون حاميتها ويستولون على بعض أسلحتها وذخائرها ثم يفرون منها آخر الليل إلى جبل نقم المشرف عليها ويختفون به ولم يكن لدى اليمنيين وقتها كميات كافية من الأسلحة، فقد كان الأتراك يعمدون إلى جمع الأسلحة من الأهالي ومصادرتها، وذلك لإضعاف قدرتهم على الثورة وكانت البنادق في تلك المدة عند ظهور دعوة الإمام القاسم قليلة مع القبائل لا تكاد توجد إلا مع أرباب الدولة وقد أدت الخشية من البطش التركي إلى أن قررت قبائل الحيمة أن تكون ملكية الغنائم من البنادق ملكية جماعية بين الأفراد حتى لا يتعرض أحد منهم بمفردة لعقاب العثمانيين.
واستمر اليمنيون في أبتكار الأساليب المختلفة للتزود بالسلاح من أجل استمرارية الثورة ضد المحتل فها هو الحسن أبن الإمام القاسم يقود غارة على قافلة عظيمة للأتراك تحمل المدد العسكري للجيش التركي في زبيد وعندما وصلت تلك القافلة إلى وادي النخل حاصرتها المقاومة اليمنية وتمكنت من الإستيلاء عليها بالكامل وفيها مدافع وبارود ورصاص، أما الجنود الأتراك فقد ولوا هاربين تاركين كل ما في القافلة لليمنيين.
ويمكن حصر مصادر سلاح المقاومة اليمنية ووسائل الحصول عليه فيما يلي:
جميع السلاح كان مصدره الغازي نفسه أي أن تسليح القبائل اليمنية كان من الجيش العثماني نفسه ونادراً ما نجد شعباً يقاوم غازياً أو معتدياً معتمداً في ذلك على سلاح هذا الغازي أو ذلك المعتدي وذلك من خلال الغنائم الناتجة عن المعارك الحربية.
عندما يضعف الأتراك كان اليمنيون يقومون بشراء السلاح منهم قبل أن يغادروا ويتركوا الحصون والقلاع وبهذا سخر اليمنيون جزءاً من أموالهم لشراء الأسلحة من العدو نفسه، ولهذا توطدت العلاقة بين اليمني وسلاحه كون عملية الحصول عليه لم تكن سهلة، فإما أن تكون ناتجه عن مغامرة حربية أو دفع المال في ظل ظروف اقتصادية صعبة.
في الكمائن والتعرض لقوافل الإمداد والهجمات النوعية يحصل اليمنيون على كميات كبيرة من الأسلحة وقد أشرنا إلى الكثير من العمليات النوعية التي كان الهدف منها الاستيلاء على الأسلحة وبالفعل تمكن اليمنيون وخلال فترة وجيزة من تخزين كميات كبيرة من الأسلحة.
تعلم اليمنيون في تلك الفترة صناعة البارود وهذا بحد ذاته كان يعد من أهم إنجازات العقل اليمني الذي ضمن استمرار المقاومة وكسر احتكار الغازي للذخيرة وضاعف من أهمية السلاح الذي يفقد تأثيره حال انتهاء البارود.
واتخذ الإمام عدة إجراءات بهدف تقوية التحصينات في المناطق الجنوبية وحيازة الأسلحة الثقيلة، وكانت تلك الإجراءات بهدف مواجهة أية فوضى قد تحدث جراء تسليم ما تبقى من القوات التركية نفسها للبريطانيين بموجب الاتفاقية المذكورة، وسلمت القوات المتواجدة في لحج بقيادة سعيد باشا نفسها للبريطانيين مع كامل عتادها رغم حاجة اليمنيين لذلك العتاد الكبير من المدافع والأسلحة وقد تركت هذه الخطوة أثراً في نفس الإمام وكافة اليمنيين.
وأما القوات في صنعاء وبقية المناطق فقد سلمت أسلحتها للإمام وغادرت إلى الحديدة التي كانت قد احتلتها القوات البريطانية بموجب اقتراح وزير الخارجية البريطاني بلفور في محاولة للتضييق على الإمام الذي كان يدفع القوات التركية المتبقية إلى عدم الإستسلام وهذا أزعج البريطانيين بشكل كبير إضافة إلى موقف الإمام من الحرب العالمية الثانية فقد حاول البريطانيون كسب موقفه إلا أنه لم يستجب وكان لموقفه أثر لدى الأتراك سيما القيادات في اليمن التي كانت تشعر بمرارة الهزيمة في تلك الحرب ومع ذلك لم يغدر بها الإمام رغم أنه كان قادراً على ذلك بل استمر في الإنفاق على الأتراك بعد أن تخلت عنهم حكومتهم وكانوا في موقف لا يحسد عليه.
وفي الحقيقة أن موقف الإمام سيسجل في أنصع صفحات التاريخ، ففي الوقت الذي كان فيه القادة العرب يتقربون إلى بريطانيا عبر الثورة على الأتراك كان الإمام يحافظ على مروءة اليمنيين وأصالتهم من خلال تعامله الإخلاقي مع الأتراك الذين حافظوا على حياتهم أثناء وجودهم باليمن، فيما قواتهم المحاربة في جميع الجبهات العالمية تعرضت للهزيمة الساحقة ويالها من مفارقة عجيبة أن نجد اليمنيين الذين ثاروا على الأتراك من أجل رفع الظلم وتحقيق الإستقلال يقفون مع الأتراك عندما تحتشد القوى العالمية ضدهم.
وبعد استسلام القوات التركية في الحديدة لم يبق في اليمن من الأتراك إلا القليل ومنهم قادة كمحمود نديم الذي أصر على العمل مع الإمام.
وفي نوفمبر 1918م سلمت صنعاء للإمام يحيى الذي بدأ يبعث الرسائل الإحتجاجية إلى البريطانيين بسبب احتلالهم الحديدة، فما إن يغادر محتل حتى يأتي آخر، وهكذا اليمن منذ فجر التاريخ.. محل أطماع كافة القوى العالمية.
نقلا عن موقع ” الواقع السعودي”