أوطــان مفقودة

إب نيوز ٢٨ مارس

عــفاف البعداني

في وطني تعددت اﻷحزاب، وتزايدت اﻷلقاب، وشُيّع الوطن في مراسم العنصرية، ولم أجد بُدّا وخلاصًا من هذه المجريات والمستجدات العارمة، إلا حينما أخذت قلمي وبدأت بالكتابة عنه، وماجعلني أكتب المقالات الطويلة، وأدون السطور الكبيرة في زوايا محدودة ومقتصرة فقط عن الوطن ، هو واقعي الأليم الذي لوتكلم لكان كلامه كافيًا بأن يلوث جزيرة كانت مليئة بالسعادة .

ولن أزين المسؤلين، ولن أدعي العنصرية، ولن ألمع أي أحد، بغض النظر عن اتجاهي الفكري، وميولي الشخصي ، ولكني بشكل عموم أختلف تمامًا مع هذه السطور التي قرأتها مؤخرا في إحدى المنشورات

((إن أفضل المقولات الواجب عليك تقديسها ..
‘أن أي أرض أكرمتك هي وطن.. وأي أرض أهانتك هي غربة .. وإن الوطن حيث تكون أنت بخير ‘ .. ))

لا……والف لا لو بلغ الوجع العنان ، وفاق عجافه السبع الطوال، وفاق صبره صبر أيوب ، يبقى الأصل القومي ، أن الوطن : هو ذلك المحيط الذي ولدت فيه ولاغنى لك عنه ، قد تجوع، تعرى، تشقى، تظلم، تهان، تموت ، ولكنه وطنك شئت أم أبيت، وستبقى سيدًا على كل الحدود مادمت في أرضك ووطنك مهما قست التضاريس عليك .

أما قضية الاغتراب والغربة ؛حتى لو ترعرت والفت الحياة الرغيدة فيها، وجمعت المال ، وحصدت الانجازات، وعُمِلت بإنسانية بإسلامية، ورأيت أمان لحالك اﻹجتماعي والعاطفي ، ستبقى غريبًا مهما تعاظمت علاقتك مع الحدود والناس والجغرافيا ، هذه حقيقة فطرية في كل شخص ولست من صنفها للحظتي ، هذا إن كان في الاغتراب حظا يبشر ،أما إن كان شقاء لايؤل وهو غالبًا المألوف، هنا ستكون موجوع مرتين وجع الغربة ، ووجع النفس .

ولنا في رسولنا اﻷعظم أُسوة حسنة، فعندما هاجر من مكة بلغ به اﻷلم مابلغ به ، رغم أنه عُذب وشُرد ،وشُتم ،وحاربه أقرب الناس إليه، إلا أن عاطفته بقيت متربعة في تلك المساحة اﻷرضية التي ولد فيها وأنجبته ذات يوم.

لذا لا تسافر وتهاجر؛ بحثًا عن كرامتك ، ابقى وستكون بخير، ابقى وفتش عنها هنا في أرضك الخيرة، وبُنك العريق، وحضارتك القديمة، ابحث عنها في الجبال والوديان والصخور والتلال، في اللبن الأصيل والخبز الطري والماء الزلال ، فالكرامة ملتصقة بوطنك ولن تكن في أي أرض ثانية ، فاﻷم هي واحدة وإن رحلت لا ثاني لها ، ومهما تعاظمت طيبة الخالة ، ستبقى مرت أبيك وليست أمك .

ومتى ماكنت مواطنًا حرًا لاتخاف ، متعلما نافعا ملهما مدركا لتفاصيل الأمور، ستحرر الكرامة ولو خبأها عنك الحكام في باطن اﻷرض، ستساعدك الطبيعة وتكون سعيدًا وعلى مايرام بعون الله ،فها هو الزبيري رحل ولكن ثورته الوطنية بقيت وخلدت في مناهجنا وذاكرتنا وإلى اﻷبد ، وصحيح هناك من هاجروا إلى المنفى سعيًا في تحسين اﻷوضاع، كشعراء المهجر وغيرهم… ، ولكنهم عاشوا وفي داخلهم شوق ضريح لوطنهم، ولم يعتبروا المهجر أبدا وطنا لهم، وكنصيحة…. “ارجع ،ثم ارجع ثم ارجع ” فنحن بحاجة للوطن أكثر مما هو بحاجتنا *فالغربة بحد ذاتها مجازفة مصيرية على مناطيد الغياب* .

 

You might also like