شهيد مكة له اجران وثالثهما وسام الشهادة
إب نيوز ٣٠ مارس
منير الشامي
يقال أن الحق ابلج والباطل لجلج وتلك حقيقة لا شك فيها، ولذلك فأهل الحق قلة في عددهم وأهل الباطل كثيرة اعدادهم ،وتلك سنة من سنن الله التي لا تبديل لها ولا تحويل وقد بينها الله سبحانه وتعالى وأكدها في مواضع عدة من كتابه العزيز فقال جل من قائل مخاطبا سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
( وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِين)َ سورة يوسف- آية (103) ، وبين سبحانه وتعالى أيضا أن فئة الحق وإن قلت فهي القوة الغالبة بإذن الله تعالى بقوله تعالى: (ِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ
سورة البقرة- من الآية (249)
فكم في الآية تشير إلى كثرة الغلبة لفئات الحق القليلة على فئات الباطل الكثيرة، ولن نذهب بعيدا فأبرز مثال حي وشاهد على هذه السنة الإلهية هو ما نشاهده ويشاهده العالم منذ ست سنوات فقد اجتمعت قوى الباطل والشر العالمية في تحالف العدوان على انصار الله وهم فئة حق قليلة لم يكونوا يملكون ولا حتى ما يوازي 0،1% من إمكانيات وقدرات قوى تحالف العدوان قبل ست سنوات وهاهم اليوم بقيادتهم الربانية الحكيمة ومشروعهم القرآني وتحت ظلال مسيرتهم القرآنية قد دشنوا العام السابع من مواجهتهم لتحالف العدوان بأوسع وأكبر عملية نوعية تمثل نقطة تحول في مسار مواجهة العدوان وتشير إلى أن ما بعدها سيكون أشد ايلاما منها وأعظم تأثيرا.
إذن فالغلبة لم تكن يوما بكثرة العدد والعدة ولن تكون ابدا إلا بين فئتين كلاهما على باطل أما بين فئة حق وفئة باطل فلا تأثير للكثرة في المواجهة، ولعل الدرس الذي علمه الله للمسلمين بغزوة حنين أكبر دليل على ذلك فقد فر المسلمين من ساحة المعركة رغم كثرتهم ولم يتحقق النصر إلا بثبات النبي صلى الله عليه وعلى آله والامام علي وعمه العباس وعدد قليل بجانبهم لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليدين ، وهناك أمثلة كثيرة ضربها الله في القرآن الكريم عن ذلك، ويرجع السبب في غلبة فئات الحق القليلة لفئات الباطل الكثيرة إلى ان رجال فئات الحق
ليسوا كرجال فئات الباطل بل يتميزون بمواصفات ايمانية فريدة وخصائص قرآنية متفردة تجعل الرجل الواحد منهم يعادل العشرات أو الميأت من رجال الباطل بل إن بعض رجال الحق يعدل الواحد منهم بآلاف الرجال من أهل الباطل والإمام الأعظم أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام خير مثال لهم في كل الغزوات كما هو ثابت في صفحات التاريخ وكتب السيرة
فالحق يستهوي ذوي الفطر السليمة وذوي الأفئدة الرقيقة والنفوس الزاكية، حتى وإن كانوا ينتمون إلى مجتمع الباطل – وخير مثال على ذلك -الشهيد البطل عبدالعزيز يوسف سعد محمد عمر “أبو العز” أما الباطل فيستهوي ذوي الفطر المنحرفة وذوي الافئدة المريضة وذوي النفوس الخبيثة حتى وإن كانوا ينتمون إلى مجتمع الحق -كالمرتزقة مثلا- وهؤلاء يمثلون الكثرة في كل زمان ومكان.
الشهيد عبدالعزيز يوسف سعد محمد عمر (أبو العز)أنموذجا للمؤمن الصادق الذي جسد قوة الإيمان وصدق المواقف وسلامة الفطرة ولين الفؤاد وزكاء النفس
هذا الشهيد من ابناء مكة المكرمة وهو واحدا من ظباط الجيش السعودي وقع أسيرا بيد الجيش واللجان الشعبية، وأول ما لفت نظره معاملة الجيش واللجان الشعبية له ولغيره ممن وقع في الأسر حيث رأى منهم خلاف ما كانت قيادتهم السعودية تخبرهم به من أكاذيب وتضليل عن الجيش واللجان الشعبية، ورأى أيضا أنهم يعاملون الأسرى بطريقة تختلف جذريا عن معاملة الجيش السعودي لأسرى الجيش واللجان الشعبية لقد رأى ارقى معاملة بكل احترام وتقدير ورأى أفراد الجيش واللجان كيف يسارعون إلى تطمين الاسرى من مختلف الجنسيات والتهدئة من روعتهم واسعاف الاسرى وحملهم فوق ظهورهم وتقديمهم للأسرى على انفسهم بالمأكل والمشرب والدواء فكانت تلك المعاملة أول مفاتيح الهداية إلى الحق ،وجعلته يركز أكثر ويتأمل إلى تصرفات الجيش واللجان أثناء نقله مع من وقع معه في الأسر مع أفراد آخرين غير الذين اسروه، وتبادر إلى ذهنه أن المعاملة هذه ستختفي عندما يصل إلى السجن، ولكنه تفاجأ بعد وصوله أكثر فأكثر لقد وجد نفسه ضيفا على قوم كرماء لا أسير حرب فحفاوة الاستقبال وكرم الضيافة ادهشه أكثر فأكثر والسجن الذي كان ينتظر دخوله لم يكن سجنا بل مكانا أشبه ما يكون بدار ضيافة أو استراحة تتوفر فيها كل ما يحتاج إليه بالمجان، ويعامل من اخوة له فرحين بقدومه كما لو كان أخ لهم عاد إليهم بعد طول غياب، كان لكل ذلك أثرا بالغا في اعماق نفسه،جعلته يتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعه، وبدأت تساؤلات كثيرة تتقاذف في أعماقه: من يكونوا هؤلاء الناس؟ ومن أين لهم هذه الأخلاق العظيمة؟ هل هؤلاء هم الحوثيين الروافض المتوحشين الذين يسبوا عائشة والصحابة الذين وصفوهم لنا ؟ أم أن هؤلاء ملائكة الله في صورة بشر؟ هل وقعت في الأسر حقا؟ …….
تساؤلات وتساؤلات كثيرة تتلاحق في مخيلته جعلته يقرر أن يتأمل في صلاتهم وفعل ذلك فوجدها لا تختلف عن الصلاة التي يعرفها إلا أنهم لا يرددون التأمين ولا يضمون في الصلاة، ومرت الأيام وهو يزيد دهشة واعجابا بكل ما يراه ويسمعه منهم، إلى أن اخبروه ومن معه أن هناك دوره ثقافية ستبدأ للأسرى – فسأل عن مضمونها :فقيل له لا تسأل عن سوق انت وصال إليه – وبدأت الدورة الثقافية – فعرف الثقافة القرآنية وعرف مؤسس مشروعها الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي- رضوان الله عليه- ولأنه كان يحفظ القرآن أدرك انه كان بحفظه لكتاب الله لم يكن يختلف عن ذاكرة إلكترونية محملة بالمصحف – ومن خلال ملازم الشهيد القائد التي أخذها في الدورة أدرك الضلال الذي كان عليه وأدرك ضلال النظام السعودي وبعده عن دين الله ومحاربته للإسلام الحنيف وانجراره بعد قوى الشر والاستكبار وارتهانه لها – وعرف كيف يحمل القرآن وكيف يتحرك بحركته ويقف مواقفه ، وعرف الحق وأهله والباطل وطغمته
فاعلن انه لن يعود إلى حضن الباطل ولا يريد العودة إلى بلاده ورفض إدخال اسمه ضمن كشوف الأسرى وأبدى رغبته الجامحة في الالتحاق بالجهاد في صفوف الجيش واللجان الشعبية وأمام إصراره الشديد ونزولا عند رغبته وافق له قائد الثورة على ذلك فحاز على اجران من الله اﻷجر الأول براءته من قوى الباطل، والعودة اليه ، والاجر الثاني بموالاته للحق وأهله وانطلاقة للجهاد في سبيل الله بصفوفه فكان له اجران من الله تعالى.
إن هذا البطل المؤمن قد جسد أروع مواقف قوة الإيمان بالله سبحانه وتعالى وضرب اروع الامثلة في التضحية والثبات في سبيل الله ، آثر إرضاء الله سبخانه وتعالى على نعيم الدنيا وحطامها فخرج من الجيش السعودي غير آسفا على ما كان عليه من رفاهية العيش وسعة الرزق وكثرة المزيا والحقوق التي كانت تمنح له ،ولم يكتفي بهذه التضحية فحسب بل إلتحق بالجيش واللجان الشعبية ليجاهد في سبيل الله ضد طغيان قومه وجبروتهم وظل كذلك حتى نال وسام الشهادة والتحق بركب العظماء الخالدين فسلام الله على روحه الطاهرة التقية وعلى نفسه المؤمنة الزكية يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا وهنيئا له الخلود بصحبة محمد وآله صلوات الله عليه وعليهم وطوبى لشهيد مكة وحسن مآب.