الاستخبارات أم الاقتصاد في الحلبة الأمريكية

إب نيوز ٣ إبريل
بقلم الدكتورة هالة الاسعد

اذا اردنا الحديث بمقارنة بين الرؤساء للمنظومة الأمريكية ، كمفهوم دولة فان ذلك يعتمد على عدة مؤسسات داخل هذه الدولة ذلك لأنها تعتبر بمفهوم علم السياسة بالدولة العميقة وبالتالي فإن السياسات والقرارات الأميركية في الخارج مرتبطة بهذه المؤسسات والتي أهمها بل هي الموجه الحقيقي ( مؤسسة الاستخبارات والمؤسسة الاقتصادية) ، التي ترسم المسارات الاستراتيجية لها وهي من تحدد سلوكها اتجاه القضايا الاساسية بما تراه يتلاءم مع مصالحها التي قد تتوافق عليها وقد تختلف فالاحتدام الذي يظهر للعيان يرتفع منسوبه بمستوى الخلاف على تشخيص المصلحة الاميركية ، وليس من التباين في النظر إلى الأطراف الخارجية،
ومن هنا ممكن ان ينظر المراقب السياسي الى محاور توضّح المقصود من سياسة هذه الادارة او خطتها الظاهرة للعيان سواء اعلامياً أو سياسياً :
١.بايدن الديمقراطي و أماني عدل الجلّاد:
يطل علينا بين الفينة و الأخرى أبواق الإعلام من هنا و هناك بأمرٍ من صنّاع الرأي العام و مروجي البروباغندا السياسية الذين يدفعون تريليونات الدولارات لتوجيه الرأي العام و ترسيخ الأكاذيب الإعلامية من خلال التأكيد عليها و تزيينها بالمحاسن المرئية و المسموعة و الموسيقا التصويرية المؤثرة و تكرارها حتى تترسخ عقيدةً لدى الشارع العام و المجتمع الذي لا يفقه خفايا دهاليز السياسة التي تعتبر متاهاتٍ لا يمكن الخوض في غمارها لأيٍّ كان.
بايدن الديمقراطي المنقذ و المصحح للنهج الأمريكي و الرئيس القانوني القادم لأمريكا و الذي يحترم حقوق الإنسان و المعاهدات الدولية و الذي سيعيد النظر في أخطاء الإدارة السابقة لاسيما مع إيران و سورية و العالم العربي و الشعب الفلسطيني… هذه إحدى هذه الدعايات التي لا تملّ و لا تفتأ الصحف و الشاشات العالمية و الإقليمية على التأكيد عليها.

بايدن و إسرائيل تاريخٌ من الولاء:
في الحقيقة لا يمكن تقييم أي فردٍ من خلال كلامه و وعوده بعيداً عن مرور سريع حول تاريخه و علاقاته و مواقفه السابقة في المحافل السياسية و خصوصاً البدايات السياسية لهذه الشخصيات هي التي تحدد صُنّاع هذه الشخصية و داعميها لتتوالى في سُلّم المناسب إلى أن تتقلد زمام الأمور و تبدأ الخدمة المخلصة لذوي الفضل الذين أوصلوها لهذه المكانة بصرف النظر عن أي اعتبارات أخرى فالولاء للداعمين لا للوطن و لا للناخبين، فهؤلاء و إن جاءت بهم صناديق الإقتراع لكن أصوات الناخبين البريئة ضحية الدعاية الإعلامية التي ينفق الداعمون فيها الغالي و النفيس لإيصال أزلامهم للسلطة. و لكي لا نشطّ عن موضوعنا و عودةً على محور نقاشنا و هو جو بايدن فمنذ مايزيد على أربعة عقود و نصف كان قد التقى خلال زيارته الأولى إلى الكيان الصهيوني في عام ١٩٧٣م رئيسة الوزراء غولدا مائير كعضوٍ جديد في مجلس الشيوخ الأمريكي تؤسس الصهيونية له في البلاط الأمريكي ليكون رجل إسرائيل يوماً ما و أي لقاءٍ مهم هذا حيث وصفه بايدن بأنه “كان من أكثر الاجتماعات أهمية” من حيث تأثيره على حياته. منذ ذلك الحين بدأت علاقة بايدن مع الإسرائيليين و هو ما يزيد على نصف عمر الكيان الغاصب و هي علاقة حبٍّ عتيق ورثه عن أبيه. تستمر العلاقات و تتوطد سرّاً و علانية ليعود بايدن و يصرّح مجدداً عام ١٩٨٦م : “إنه إذا لم تكنإسرائيل موجودة، فستضطر الولايات المتحدة إلى اختراع إسرائيل لحماية المصالح الأمريكية”، وقد تصدّرت تصريحاته تلك عناوين الصحف آنذاك، ثم تكررت تلك التصريحات في مناسباتٍ مختلفة و كان أبرزها ما نقلته شبكة CNN عنه: “إذا كنت يهودياً فسأكون صهيونياً،
والدي أشار إلى أنه لا يُشترط عليّ أن أكون يهودياً لأصبح صهيونياً، وهذا أنا. إسرائيل تعتبر ضرورية لأمن اليهود حول العالم” و لقد أعادها مرةً أخرى حيث صرّح (لـشالوم تي في) عام ٢٠٠٧م : “أنا صهيوني، لا يجب أن تكون يهودياً لكي تكون صهيونياً”.
و على الصعيد العائلي و المحيط الضيّق فقد تفاخر رجل إسرائيل أيضاً بزواج ابنه من امرأة يهودية و استمتاعه بحضور عيد الفصح في منزلهم، و أبدى سعادته الفائقة بزواج ابنته من جراح يهوديّ عام ٢٠١٦م و قد قال حينها لقد حققت حلمي.
كل ما قدمناه من تاريخ الرجل يؤكد عمق العلاقات مع الكيان و اللوبي الصهيوني في أمريكا و أنه كما يعلم الجميع رجل إسرائيل لهذه المرحلة بعيداً عن الرتوش التي يرسمها الإعلام له فهو مجرد فزاعة جديدة بيد الصهاينة داخل و خارج أمريكا.

القدس و حلّ الدولتين:
عُرف بايدن بأنه مؤيد صريح للكيان و له في هذا الإطار سجلٌّ حافلٌ بالمواقف المؤيدة لإسرائيل و الداعمة لها حيث قال في خطابٍ ألقاه عام ٢٠١٥م إنه يجب على الولايات المتحدة التمسك “بوعدها المقدس بحماية وطن الشعب اليهودي”. و لهذا كان الرجل محطّ مديح القادة العسكريين و السياسيين و ثقتهم فلقد قال عنه نداف تامير الدبلوماسي السابق و مستشار السياسة الخارجية للرئيس الإسرائيلي السابق شامون بيريز “نحب الأشخاص الذين يحبوننا”. و أكد لوكالة فرانس برس “ما من شكٍّ في أن بايدن صديق يُكنُّ مشاعر قوية جداً تجاه إسرائيل”. و أردف تامير أنَّ بايدن “سيفعل أفضل بكثير من ترامب فيما يتعلق بالقضايا الفعلية لأنه يدرك أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ليس لعبةً متعادلة نتيجتها صفر”
أما شافيت، ضابط المخابرات العسكرية السابق الذي عمل في مكتب نتانياهو من ٢٠١١ إلى ٢٠١٥م، فلقد ركّز على أن بايدن شخصية مألوفة بالنسبة للطبقة السياسية في إسرائيل و هي ترتاح جداً لدى التعامل معه. خاتماً قوله صراحةً بأن: “بايدن يعرفنا ونعرفه”.
موقف جو بايدن من القدس معروفٌ منذ تسعينيات القرن الماضي حيث أيّد مشروع قانونٍ أصدره مجلس الشيوخ عام ١٩٩٥م يقضي بإقامة سفارة أميركية في القدسبحلول عام ١٩٩٩م قائلاً إنّ الخطوة ستوجه “رسالة صائبة”.
بايدن و الاتفاق النووي الإيراني:
وعندما يتحدث أحدهما أو كلاهما عن منطقة ما يسمى ( الشرق الأوسط) وللمكانة والموقع الاستراتيجي سياسياً واقتصادياً ادى الى التنازع العالمي على المنطقة ، والتعامل مع الملف الإيراني بعدوانية وتبني ترامب سياسة مختلفة
تعتبر إسرائيل و مسؤولوها جو بايدن جزءً مهماً من الاتفاق النووي الإيراني حيث أعرب مسؤولون إسرائيليون لموقع “المونيتور” العام الماضي عن إعادة هذا الاتفاق إن فاز الديمقراطيون في الانتخابات الأمريكية هذا العام. و كتب موقع “المونيتور” أن “سجلّ بايدن التاريخي الحافل بدعم إسرائيل سيجعله أفضل المرشحين الأمريكيين القادرين على الدفاع عن الاتفاق النووي مع إيران، من دون تشكيك بنواياه تجاه إسرائيل”.
و قال مسؤول أمريكيّ سابق للصحيفة إن بايدن كان صوتاً رئيسياً في إدارة أوباما يدعو لتهدئة مخاوف إسرائيل من الإتفاق النووي مع إيران التي عارضها نتنياهو بشدة، وهو ما أدّى في نهاية المطاف إلى زيادة أوباما للمساعدات العسكرية السنوية لإسرائيل إلى ٣٨ مليار دولار.
تصريحات بايدن خلال دعايته و حملته الانتخابية:
يعرف الرجل جيداً مأكل الكتف في الإنتخابات و كيف يمكنه ضمان الوصول لمفاتيح سلطة البيت الأبيض و لهذا ركّز جيداً على تطمين اليهود و مغازلة إسرائيل خلال كلماته المتكررة فعلى سبيل المثال لا الحصر فلقد نقلت
صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية عنه بأنه يرحب بتأييد المجموعة الرئيسية، في محاولة لتحريك الدعم
اليهودي الأمريكي خلال الانتخابات، إذ أنَّ المجلس الديمقراطي اليهودي الأمريكي هو القادر على دعم المرشح الأول في الانتخابات، فيما يواصل بايدن تجنيد التصويت اليهودي.
بعد ما قدمناه حول تاريخ علاقات السيد بايدن مع إسرائيل لا يتبقى اي شكً في كيفية مستقبل إدارته و تصرفاته في المرحلة القادمة حيث سيتابع الرجل خطواته الواثقة لتدعيم و تجذير إسرائيل و الدفاع عنها و ضرب مصالح أعدائها بكل ما يستطيع من قوة لا سيما و أنه في ولايته الأولى و عليه إثبات الولاء لاستمرار الدعم الإسرائيلي الذي يشكّل حصة الأسد في الانتخابات الأمريكية. لا شكّ مطلقاً عن أن إدارته ستكون أكثر عمقاً و خبثاً في التعامل مع المجتمع الدولي و ستعيد للأذهان الدور الناعم اللطيف المسموم و المغلّف بكلمات السلام و الديمقراطية و احترام القوانين الدولية و بناءً على تعليمات القادة الحقيقيين ستكون التحركات أكثر حنكةً و دهاءً تغلفها الكلمات و الدعوات الهادئة و اللهجة التصالحية لاستدراج الخصوم إلى مفاوضات جديدة و التحكم بطرفي المعادلات و الضغط باتجاه التهدئة الكاذبة و لعلّ أول ما ستقوم به الإدارة الأمريكية هي الحديث عن الإتفاق النووي و التلويح بالعودة إليه لكن ثقوا تماماً أنه ليس الاتفاق السابق لكنه اتفاقٌ جديد ظاهره العودة للاتفاق النووي و باطنه ملفات جديدة تخصّ ملفات داخليةً و إقليمية و أمنية لكن كلُّنا ثقة أن الإيرانيين لن يقعوا في الفخّ المغطى بالورود و سيكونون على أهبةِ الاستعداد. أما على الصعيد السوريّ فسيتابع الأمريكيون الضغط السياسي و الإقتصادي على الأسد من خلال حلفائهم و أذرعهم في المنطقة و كذلك تعزيز وجودهم على الحدود السورية العراقية و بالاتجاهين معاً و الضغط مجدداً على الروس لدفع الأسد للتنازل و الإسراع بحلٍّ يخدم الإرادة الإسرائيلية و الأمريكية و تحقيق مصالحهما في سورية و حثّ الأسد على إعادة النظر بعلاقاته مع الحلفاء لا سيما مع فقدانه لكل الخيارات الاستراتيجية بعد أن سلبته الحرب الكونية على بلاده الكثير من قوته و استقلالية قراره. و كلّي ثقة أن الدعم لتنظيم داعش سيزداد في الربع الأول من ولايته لتحطيم المعنويات و خلق فوضى يحبها الأمريكيون كثيراً و يعتبرونها طريقتهم المُثلى عندما تنفد خيارتهم و هذا ما يعيد الخوف لأذهان الشعب في سورية و يعيد اليأس إلى النفوس و يعرقل جهود الحلّ و البناء و عودة المهجّرين و اللاجئين إلى بلادهم و سنرى خلطهم لأوراق اللعبة التي استقرت منذ فترة قريبة بوجود اللاعبين الثلاث لحرمان الأسد من فرصة الانتخابات التي سيدخلها حتماً بدون أدنى شكّ و سيضمن نجاحه فيها لكن مع معادلة داخليةٍ معقدةٍ مشحونة.
أما فيما يخصّ القضية الفلسطينية فسيعيد الأمريكيون الجدد النظر بما آلت إليه القضية و يدّعون كذباً رفضهم لهذه الصفقة أو وجود ملاحظات عليها موهمين الفلسطينيين أنهم يريدون تحقيق سلام و حل الدولتين لكنهم فعلياً يمنحون الصهاينة المزيد من الوقت لقضمٍ هادئ للمزيد من الأراضي الفلسطينية و المزيد من الخداع للشعوب العربية و الشعب الفلسطيني تجوباً لحدوث انفجارٍ شعبيّ لا تُحمد عقباه و إن كان احتمال حدوثه في دول الديكتاتوريات الإقليمية يقارب الصفر
.٢.
أما على صعيد علاقات إدارته بتركية فالرهان على الضغط و اللين هو الخيار الأسلم للتعامل مع تركية حيث على خلاف إيران فإن سياسة العقوبات و الضغط يمكن أن تؤثر كثيراً في سلوك الأتراك لاسيما و أنها دولةً سياحية تفتقد مصادر الطاقة التقليدية في أراضيها و هذا ما يجعلها رهينةً للخارج بما يزيد عن نصف اقتصادها فبمجرد تشديد العقوبات عليها ستهتز الجبهة الداخلية و تزداد ترنّحاً و يمكن أن تصل إلى ما لا يُحمَد عقباه لكن الإدارة التركية الحالية فيما إذا تغاضينا عن علاقاتها مع الروس تعد نقطة ارتكازٍ إقليمية فهي رأس حربةٍ في حلفٍ فتيّ من الإخوان و عصا يتم التلويح بها مقابل المحور المصري الخليجي للحفاظ على حالة التوتر الدائم في المنطقة لذلك ستكون العلاقات خجولةً مترنحة و قلقة غير مستقرة لكنها لن تؤثر كثيراً لكون الإدارة التركية تعرف المدخل إلى القلب الأمريكي و هو البوابة الإسرائيلية.
الشهور القلائل القادمة كفيلة أن تكشف صدق ما عرضناه و لتؤكد الكلمات المعروفة في الشارع العربي العملة الأمريكية واحدة بوجهين لكن الدماغ واحد و المخطِّط واحد و لو اختلف المنفذّون.

You might also like