صراع الأجنحة في أروقة البلاط الملكي الأردني: الأمير حمزة.. قائدُ الانقلاب أم ضحيةُ المؤامرة.. (تفاصيل)
تقرير / عبدالقوي السباعي
بعد توجيه الجيش الأردني، يوم أمس الأول، تحذيراً شديدَ اللهجة للأمير حمزة بشأن تصرفات تستهدف الأمن والاستقرار في الأردن أحد أوثق حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، ظهر الأمير “حمزة بن الحسين” عبر تسجيلٍ مصوَّر، قال: إنه “قيد الإقامة الجبرية، وإن حراسه الشخصيين اعتقلوا”، مُضيفاً “أنا ليس سببَ الخراب والدمار الذي مس مؤسّسات الدولة”، وإنه تلقى تعليمات بعدم التواصل مع الخارج، وشدّد على “أنه ليس جزءاً من أية مؤامرة أجنبية، وأنه لم يكن ضمن أية مؤامرة”، مندّداً في الوقت نفسه بنظام الحكم و”وصفه بأنه فاسد”.
وخرج نائبُ رئيس الوزراء الأردني “أيمن الصفدي”، أمس الأحد، ليقول: إن “الأمير حمزة بن الحسين ولي العهد السابق والأخ غير الشقيق للعاهل الأردني الملك عبد الله تواصل مع جهات خارجية فيما يتعلق بمخطّط لزعزعة استقرار البلاد وإنه خضع لتحقيق لبعض الوقت، مؤكّـداً أنه “تم إحباط هذه الجهود، وتم وأد هذه الفتنة”.
وقال الصفدي: إن التحقيقاتِ رصدت تدخلاتٍ واتصالاتٍ مع جهاتٍ خارجيةٍ بشأن التوقيت المناسب لزعزعة استقرار الأردن، ولم يسمِّ هذه الجهات أَو يلمّح بها، غير أنهُ أضاف أن من بينها “اتصالَ وكالة مخابرات أجنبية بزوجة الأمير حمزة لترتيب طائرة للزوجين لمغادرة الأردن”.
وعلى وَقْعِ مشهدٍ ضبابي وبشكلٍ مفاجئ، أعلنت السلطاتُ الأردنية تنفيذَ عملية أمنية واسعة شملت اعتقال عدد من كبار المسؤولين في البلاد وسط أنباء عن اعتقال بعض أفراد الأسرة المالكة، وسط تسريبات من وسائل إعلام غربية عن وجود مؤامرة تضم زعماء قبائل ومسؤولين في أجهزة أمنية.
رئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الأردني “اللواء الركن يوسف أحمد الحنيطي” أكّـد أن الأجهزةَ الأمنية “اعتقلت المبعوثَ السابقَ الخاص للملك إلى السعوديّة “حسن بن زيد”، والرئيس السابق للديوان الملكي “باسم إبراهيم عوض الله” وآخرين، وذلك في إطار التحقيقات الشاملة” التي قال إنها “سيُعلَنُ عن نتائجها بكل شفافية ووضوح”!.
الأمير حمزة بن الحسين في سطور
الأمير حمزة بن الحسين بن طلال بن عبد الله، هو وليُّ عهد المملكة الأردنية الهاشمية السابق، والأخ غير الشقيق للملك عبد الله الثاني، وُلد الأمير حمزة في 29 مارس 1980م، وهو ضابط سابق وابن الملكة نور الزوجة الرابعة، تولى حمزة ولاية العهد بالفترة بين 7 فبراير 1999م إلى 28 نوفمبر 2004م.
وفي 2 يوليو 2009م، أصدر ملك الأردن عبد الله الثاني أمراً ملكياً عيَّن بموجبه نجلَه البكر، الأمير الحسين بن عبد الله، ولياً للعهد، وذلك بعد خمس سنوات من عزل أخيه الأصغر غير الشقيق، الأمير حمزة بن الحسين، وفي العام الجاري بدأ الأمير الصغير حسين يمارس سلطاته ويُكثّـف الملكُ من إعدادِه لدوره المستقبلي ملكاً للأردن.
من جانبها، عبّرت أرملة ملك الأردن السابق الملك حسين، الملكة نور والدة الأمير حمزة، أمس الأحد، عن أملِها من أن تسود الحقيقة والعدالة لكل “الضحايا الأبرياء لهذا البُهتان الآثم”.
لكنها لم تطالب الملك عبد الله الثاني مباشرةً؛ لأَنَّهُ قد خذلها سابقًا حينما أعفى أخاه الأميرَ حمزة من ولاية العهد في 2004م، مما أحبط طموحات الملكة نور زوجة أبيه (أمريكية الجنسية) والتي كانت تعد أكبر أبنائها منذ الطفولة لارتقاء العرش، فبعد تجريد الأمير حمزة من كافة السلطات تم تحييده، وعزز الملك عبد الله قبضته على السلطة بتسمية ابنه حسين ولياً للعهد.
تداعياتُ الانقلاب ورسائلُ التأييد
توالت ردودُ الأفعال المؤيدة للملك عبد الله الثاني وأبرزها جاء من الولايات المتحدة الأمريكية، حَيثُ أعلنت وزارةُ الخارجية أن واشنطن تتابعُ عن كثب التقارير الواردة من الأردن، وأكّـدت أن الملك عبدالله شريكٌ رئيسي، والولايات المتحدة تدعمه بشكل كامل.
إلى ذلك، كشفت قناة “كان” التابعة لهيئة البث “الإسرائيلية” الرسمية، أنه عقب تردُّد أنباء عن محاولة انقلاب عسكري في الأردن، فَـإنَّ “الأردن، أكّـد “لإسرائيل” عبر القنوات العسكرية، أن الوضع تحتَ السيطرة، ولا خوفَ على استقرار المملكة”، وقال وزير الحرب “الإسرائيلي”: “الأردن عمقُنا الاستراتيجي وعلينا تقديمُ كُـلّ الدعم لأمنه واستقراره”.
وفورَ انتشار الأخبار من الأردن “أصدر الديوان الملكي السعوديّ بياناً للتعليق على أحداث الأردن، وأكّـد وقوفَ المملكة إلى جانبه، وذلك بعد أقل من ساعة على إصدار الجيش الأردني بيانه الرسمي الأول للتعليق على أنباء اعتقال الأمير حمزة، وكان البيان السعوديّ هو البيانُ الأولُ حول هذه الأحداث، حَيثُ لم تصدر قبله أية تصريحات إقليمية أَو دولية، وقد أكّـد البيان “أن المملكة تقف إلى جانب الأردن، وتدعم أمنه واستقراره”، وأثار صدور البيان السعوديّ بهذه السرعة تساؤلات وتعليقات؛ بسَببِ علاقة المملكة بأهم اثنين من المعتقلين على خلفية الأحداث، وهما “باسم عوض الله والشريف حسن بن زيد”.
كما أكّـدت البحرين ومصر والعراق وقطر وغيرها، عن وقوفهم التام إلى جانب الأردن ومساندتهم الكاملة للملك عبدالله الثاني ولقراراته والإجراءات التي يتخذها لحفظ أمن واستقرار المملكة، كما أصدرت الكثير من الدول بياناتٍ بشأن الأحداث في الأردن، حَيثُ علّق المتحدث باسم الخارجية الإيرانية “سعيد خطيب زادة”، أمس الأحد، على هذه التطورات قائلاً: “إن بصماتِ الكيان الصهيوني تشاهَدُ دائماً في كُـلّ فتنة في الدول الإسلامية”.
أبعادُ الحدث وبروزُ نظرية المؤامرة
صحيفة “واشنطن بوست” نقلت عن مسؤول مخابرات أردني قوله: “إن خطة الانقلاب على الملك عبد الله الثاني كانت “منظمةً تنظيماً جيداً”، وإن المتآمرين لديهم علاقات خارجية”.
بينما وصف محللون سياسيون وضع الأمير حمزة بن الحسين في الحبس المنزلي واعتقال العشرات في الأردن، والذي جاء في إطار الكشف عن مخطّط ومؤامرة بحسب التوصيف الرسمي، لم يكن انقلاباً ولا محاولةَ انقلاب منابعُه من الخارج الذي لم يحدّد حتى اللحظة، بل تم بناؤه ليتصدى للغليان الشعبي غير المعلَن من الأداء الحكومي المتدني عُمُـومًا، نتيجةً للتدهور الاقتصادي والوضع المعيشي المتردي نتيجة وباء كورونا، فجاء وصفُ الانقلاب والمؤامرة لتضخيم الأمر إعلامياً بما يناسب وحجمَ الأمير حمزة وشعبيته في الشارع الأردني.
فكان لا بد من تقديم ضحية بهذا الوزن، فالأمير حمزةيقيم علاقاتٍ مع قيادات عشائرية ناقمة على رأس حركة احتجاجية فضفاضة مناهضة للحكومة تسمى “الحراك” استأنفت في الأسابيع الأخيرة دعواتها لتنظيم احتجاجات على الفساد.
وقال محللون ومصادر سياسية: إن “من المستبعد أن تمثل المعارضة الصريحة من جانب الأمير حمزة، رغم كونها غيرَ مسبوقةٍ، أي تهديد للحكم الملكي خَاصَّة دون دعم الجيش الأردني القوي الذي يتمتع الملك بولائه على نطاق واسع”، إذ “لا يمكنك أن تنفذ انقلاباً في بلد مثل الأردن دون إشراك الجيش، وحتى الآن لا يوجد ما يشير إلى ذلك”.
إضافة أن الجيش هو القوة الوحيدة التي لها اعتبار وتملك القدرة على السيطرة على الوزارات الحكومية وعلى مراكز السلطة، والأمير لا يملك هذه القدرة، ومن جانبه قال مسؤول أمريكي سابق على علم بالتطورات في الأردن: إن “هذه الأحداث لا تنطوي على انقلاب”، وَأَضَـافَ أن “المشاركين فيها كانوا يخططون لتنظيم احتجاجات تبدو وكأنها انتفاضة شعبيّة تخرج فيها الجماهير إلى الشارع بدعم عشائري، وعلى الأرجح كانت أية محاولة للاستيلاء على السلطة ستفشل دون دعم الولايات المتحدة والقوى الإقليمية التي أعربت عن تأييدها للملك عبدالله وأية خطوات ضرورية لضمان أمن الأردن”، واعتقاد آخر: “لا يوجد شيء محلي يمكن أن أرى أنه أطلق شرارة ما حدث ولذا ربما يكون هناك عنصر خارجي”.
غير أن صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية فجّرت مفاجأةً من العيار الثقيل، بزعمها تورط السعوديّة وولي العهد محمد بن سلمان تحديداً، في محاولة الانقلاب الفاشلة بالأردن، ونسبت ذلك لمصادر وصفتها بـ”المصادر الكبيرة جِـدًّا في الأردن”، وفي تقريرها الذي نشرته، أمس الأحد، ذكرت الصحيفة العبرية أن شخصيات عربية تقف خلف محاولة الانقلاب في الأردن، وأنّ السعوديّة وإحدى إمارات الخليج كانتا متورطتين في الأمر من وراء الكواليس، موضحة أنّ باسم عوض الله، الذي كان وزيرَ المالية ومعروفاً بقربه من الملك عبد الله، تحوّل إلى حلقة الوصل بين العائلة المالكة السعوديّة وبين الأمراء في الأردن”، وأنه رجلُ محمد بن سلمان، ويده ورجله وعينه وأُذُنُه في الأردن.
فيما أشار مراقبون إلى طلبٍ سبق أن قدمه ابن سلمان لملك الأردن، وما زال الأخير يخشى بعض الأصوات المعارضة في الأسرة الحاكمة، فيما يتعلق باستكمال المشروع السعوديّ العملاق “مدينة نيوم”، والخاص بضم الأجزاء الجنوبية من محافظة “معان” وكامل محافظة العقبة والتي تضم بحسب المخطّط، كلاً من لواء قصبة العقبة بمركزها وكامل مدنها وأقضيتها وقراها، ولواء القويرة بمركزها وكامل مدنها وأقضيتها وقراها، وبحسب مراقبين ما زال النظام الأردني يحارب طواحين الهواء؛ هروباً من الشعب الذي أثقلتهُ الأزمة الاقتصادية، وتخلصاً من منافسين لولي عهده الصغير، ولتمرير مخطّطات مشاريع حلفائه الإقليميين (السعوديّة و”إسرائيل”).
فيما يحاول الأردنيون (ساسةً وشعباً) سَبْرَ أغوار المؤامرة، التي تستهدفهم فعلاً كشعبٍ ودولةٍ.