هُــرَاء الادرك

إب نيوز ٥ إبريل
عــفاف الــبعداني

في كل رحلة قرائية نجد ما نبحث عنه في سطر واحد أو ربما أقل من ذلك، أحيانا نفقده تماما وسط محيط غني بالتصورات والتجارب العميقة، يصبح البحث لاجدوى منه فكل مؤهلاتنا قاصرة في مواصلة البحث في قلب الرفيف الخافق ، وأوارق الكتب المصتفة بعناية، والتي تضم في ذاكرتها حيوات عدة للقدماء.

ومن يحب تناول الكتب بشراهة لاشك أنها ستمنحه بعضا من ألغازها وكثيرا من أسرار الوجود، فمثلا عندما تقرأ نصا تستطيع مع مرور الوقت أن تفهمه ، تنقحه تعرف ماهي القوالب الفنية، التي اتبعها الكاتب ، كالاستعطاف، والبساطة، والتقريب، أيضا تكتشف بذكاء كل الانشائيات الخفيفة التي اتخذت من كتاب آخرين ، و هذه النظرة لايمتلكها إلا فئة محدودة .

وحقيقة أحيانا أستغرب على مناص تفكيري، رغم شحتي بالقراءة وبُعدي عن حلمي الذي أرتقبه فلست من نسل الصوامع، ولا من قبيل الإطراء والمدح لكني محقة فيما أقوله، استنبطت ولوجات كثيرة ، أحيانا أجد الحقائق معراة من أي احتفالات تنكيرة ، وكم أخاف ، نعم أخااااف !! أخاف من إفراط إدراكي العميق الذي أعتبره جناحا ثقيلا، نحلق به إلى حيث نريد، لكننا مؤخرا ندفع ثمنه من روحنا ، ومن قلبنا، من جسدنا، لا نحتمل من ثقل الحياة أي شيء ولو كان زهرا صغيرا في كفوف يدينا الصغيرة ، ليس لأننا ضعفاء ، أو لا نعرف في العرفان دليلا، لا حاشا فروحنا قوية وخفيفة من كل مساوى العالم، لكن هناك تعبا روحيا استهلكك واستولى عليك من أي شيء آخر، رغم أن كل تضاريس الحياة مغروسة بداخلك تضج بطقوسها الضارية، وقد اجتزتها من قبل بجزالة.

لكني في نهاية الأمر ومنتهى قرار نفسي ، عرفت وياليتني لم أعرف !! علمت ما الذي كان يقصده بالضبط دستو يفسكي في كتبه عندما قال : ” الادراك علة مرضية” نعم أصبنا بهذا العلة ، ولم نعِ أنها عدوى متناقلة بمختلف العصور ، جل ما أروم إليه الآن أنك إن كنت صاحب إدارك قوي، إن كنت بهذه الفصيلة الفكرية، فصيلة الدموية اللاحدودية ، ستعيش بتعب وأرق لا يوصف .

وكم تكررت ، أن أرى وجه الحياة بملامح متعددة وغريبة، ألمح تجاعيد النصوص القلبية، قد لا أستطيع تميز الشكل والطول والعرض، ومؤكد لا أستطيع تحديد سبب أرق وحزن المخلوقات البشرية بالتحديد، فالله وحده يعلم مافي الصدور، ، لكني أفهم روح الحياة بكل وضوح، أهيم بالخطاب الروحي كثيرا ، ومرة أخرى عندما أتمعن في نصوص أحد الكتاب، أكتشف الأ ساليب المأخوذة ولو كانت طفيفة أشمها من مكان بعيد، كما لو كانت وجبتي المفضلة .

لذا رسالتي لكل شخص يحب الكتابة ، رسالتي لكل كاتبة تريد أن تعد لها تأريخا مشرقا، لا تكوني نسخة من أي كاتب غيرك، لا تتبعِ نفس أسلوبه حتى تكوني مؤثرة ، خذ منه كلمة، تصور، عقيدة، مفرد، ووظفيها فيمَ تريه مناسب.

أما أنته أيها الكائن نفخ فيك من روح الله، وعنيت بالعقل، فثق بنفسك وبقدرتك الحسية، قد تملك أشياء لا يملكها أي كاتب، قد تكون أديبا مختلفا ، وعبقريا راجحا، وفيلسوفا خارقا، ومخترعا رهيبا، فقط كن مجتهد فيما تحبه وتحسنه، ابحث طالع، نقح ، اسأل، جرب ، احزن، اتعب لو تطلب الأمر أبكي… نعم أبكي ، أصرخ .

اتذكر في إحدى المرات تناولني البؤس بشراهة ، وأخذت الدموع تشق طريقها في وجنتي بغزارة ، كوني فقدت لذة الشعور بالحياة ومواصل الدروب ، أصبت بجمود حروفي لا حيلة لي على مواجهته ولعلي جازفت كثيرا في هذه المعضلة، للحظتي، لكني لم أيأس قط، لم أقطع الأمل رغم كل التأشيرات المحبطة، لست بغادة، ولا درويش فعلا، ولكني أؤمن أني شيء مختلف ، قد يكون جميلا، أو نصف جميل، قد يكون شي ء أو ربما لا شيء، قد يكن تأريخي نملة شقية، وغريبا لا يعرف أن أين هو موطنه، ولكن المهم أنني سأحاول، وأتخيل إلى آخر رمق لي بالحياة، ليس بالضرورة أن نعيش ونحقق كل أمانينا فالحياة بطبيعتها لا تسعد ولاتحب أحد، فقط الخيال والعبور خلف مرئيات وسطحيات الحياة يمنحنا حياة ثانية وحبا غامرا، سنجد الله معنا وبقربنا في كل زهرة، وجبل وتلة وحقل ووادي ، وطريق ، لذا هذه الحقيقة وحدها تكفي كي نكمل العيش بمجازفة ومغامرة.

.

You might also like