شهر رمضان وشعب الحكمة والإيمان
إب نيوز ١٢ إبريل
وفاء الكبسي
بدأت رائحة رمضان المبارك تفوح، وتفوح معه رائحة تلك الذكريات العظيمة التي رسمت تاريخ المسلمين وصنعت أمجادهم وعزهم، ففي رمضان كانت غزوة بدر الكبرى، وفتح مكة التي لن ينساها التاريخ ولن يمر عليها مرور الكرام لأهميتها.
أريد في هذا المقال المتواضع أن أسلط الضوء على كيف تميز رمضان المبارك بالجهاد والفتوحات وكيف كانت تنتهي بالظفر والنصر.
المتأمل في أحداث شهر رمضان المبارك عبر التاريخ الإسلامي يجد أموراً عجيبة، لم تأتِ مصادفة، لأن كل شيء عند الله عز وجل بمقدار، فقد وجدنا المسلمون الأوائل كانوا ينتقلون من مرحلة إلى مرحلة أخرى في شهر رمضان، من ضعف إلى قوة، ومن ذلٍ إلى عزة.
شهر رمضان المبارك إرتبط بالجهاد بشكل لافت للنظر، فالمتأمل لآيات الصيام في سورة البقرة بدايةً من قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} إلى أن انتقلت الآيات في الربع الجديد من نفس السورة وبدأت تتحدث عن الجهاد والقتال، وهي آيات كثيرة تحض على الجهاد، قال الله تعالى : {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ * فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ}.
آيات تحضُ على الجهاد والقتال بشدَّة، والعلاقة واضحة بينها وبين آيات الصيام، فالإعداد للجهاد هو إعداد للنفس، إعداد للجسد، إعداد للأمة كلها، فالعلاقة بين الصيام والجهاد وثيقة جداً فالتاريخ الإسلامي يؤكد هذا الارتباط، ففي رمضان كانت غزوة بدر الكبرى والتي سميت بالفرقان، لأنها فرقت بين الحق والباطل، بين الإيمان والكفر والخير والشر، وفتح مكة العظيم التي تدمرت وتكسرت فيه كل أصنام الشرك والكفر.
ولو تأملنا في كل معركة وقعت فيه، سنلاحظ أنها كانت تنتهي بالنصر والظفر العظيم وذلك لأن الصحابة المنتجبين قاموا بنصرة هذا الدين، وإعلاء كلمة التوحيد، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، وجاهدوا في سبيل الله، وحكموا بين الناس بالعدل، فنصرهم الله على عدوه وعدوهم، ومكنهم في الأرض واستخلفهم فيها، فلم يأتِ هذا النصر بالأماني، وإنما تحقق بالقيام بنصرة الدين قال تعالى”{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ}، وقال تعالى:{إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ}.
للأسف هذا الأمر غفل عنه المسلمين فلم يعد لديهم أي استشعار بأن رمضان شهر الصبر والمصابرة، والجهاد والمجاهدة، والفتوحات والانتصارات، فنجد الكثير منهم إذا دخل رمضان اتخذوه فرصة للراحة، فيقضون ليلهم في السهر فيما يغضب الله بالنظر إلى فضائيات الشر التي تدمر الفضيلة، أو باللعب واللهو، أو يقضون جل نهارهم في النوم وإهدار الأوقات، وربما إستدل بعض المغفلين على جواز هذا بقوله: “نوم الصائم عبادة”!!
أيكون -بالله عليكم- النوم والغفلة عبادة، كيف انقلبت الموازين؟ كيف صار بعض الناس يعتقد أنه يعبد الله بما حرم الله، إن هذا لهو العجب العجاب!! ، بل علينا أن نجعل من رمضان طريقاً يقودنا نحو الثبات والنصر والحرية.
وللأسف الشديد في زماننا هذا شوهت صورة الجهاد، وحيكت المؤامرات العديدة للقضاء عليه، فوصف من يقومون به بأنهم إرهابيون، ومجوس وروافض وإنقلابيون، وغيرها من المسميات التي نُعت بها أنصار الله في اليمن، بل قالوا أن الجهاد كان في حقبة من الزمان قديماً، أما اليوم فقد أصبح العالم كالقرية الواحدة، وأصبح العدل منشراً، فلا داعي للقتال، ويكفينا السلام وعلى الدنيا السلام!!
هذا قول المنافقون الذين تنازلوا عن أهم مبادئ دينهم”الجهاد” في حين نجد الغرب الكافر غزانا بعدوان آثم لامبرر له في عقر دارنا، ودمروا المدن والقرى، وقتل الأطفال والنساء والشيوخ بمختلف الأسلحة والصواريخ المحرمة دولياً والقنابل العنقودية والتفريغية والذكية والغبية والتقليدية وأسماء ماسمعنا بها من قبل، وهتك الأعراض، وانتشرت بسببه الأمراض، ونهب خيراتنا وحاصرنا ليمت من لم يمت بعدوانهم، ووجدنا الرويبضة المنافقون من حكام العرب يتآمرون ويتحالفون مع أمريكا وإسرائيل ويطبعون معهم ويسلمون لهم الأمور، بل ويشربون معهم كأس نشوة قتلنا وخرابنا وحصارنا ليس في اليمن فقط، بل في أغلب الدول العربية، فكم جاء رمضان بعد رمضان لعقود طويلة والأمة العربية والإسلامية تنزف، فجرح فلسطين غائر، وسوريا نازف والعراق وليبيا جرح أخر وكم يوجد من المآسي والأحزان والجروح، أليس الأوجب علينا كمسلمين الإتحاد تحت راية واحدة “راية الجهاد” لقتالهم لتخليص العالم الإسلامي من شرهم وشرورهم، لنكسر كل صنم يعبد دون الله كصنم البيت الأبيض، ولنرفع راية الإسلام الحق راية القتال ضد الباطل وحزبه أليس هذا هو رمضان الذي يريده الله لنا؟
برغم كل هذه المآسي والتخاذل والتهاون والتفريط لاتزال طائفة من هذه الأمة فيها الخير تقوم بهذا الواجب الذي ضاع، يجاهدون في سبيل الله ويدافعون عن الدين والحرمات ويناصرون المستضعفين، فنراهم جلياً على أرض اليمن مجاهدون أوفياء أبطال يقاتلون في سبيل الله لايخافون لومة لائم، جعلوا من شهر رمضان المبارك الأعوام السابقة وسيجعلون منه هذا العام شهر أعزاز الإسلام وتمكين الدين ونصر المؤمنين، شهر الإنقاذ والنجدة والنصر والعزة، فأنا على ثقة ويقين بأن شهر رمضان هذا العام سيكون شهر الفرقان بين الحق والباطل، بين العدوان وشعب الحكمة والإيمان، وكما رَسم شهر رمضان المبارك تاريخنا القديم، سيرسم اليوم تاريخنا الجديد الذي نصنعه بأيدينا نحن أحفاد الأنصار، تاريخ المجد والعزة والرفعة والحرية للإسلام الذي سيجعله كياناً مهاباً وجانباً مصوناً وقوة جبارة لاتهزم -بإذن الله.