كلنا (سادة)، كلنا (أقيال)!
إب نيوز ١٩ إبريل
بقلم الشيخ عبد المنان السنبلي.
سأقولها بكل صراحة أنني في حقيقة الأمر لا أخاف على اليمن من العدوان وأطماعه، فالعدوان مهما طغى وبغى حتماً سينتهي يوماً وتتبدد كُـلّ أحلامه وأطماعه، كما أنني لا أخاف عليه كذلك من الاحتراب والاقتتال الداخلي الحاصل اليوم، فالحرب بلا شك ستضع أوزارها يوماً وسيلتقي الأخوة الفرقاء ويجلسون على طاولةٍ واحدة ويتصالحون!
انا لا أخاف عليه أَيْـضاً من اتساع دائرة البطالة والفقر ولا من انقطاع الرواتب مثلاً أَو انعدام الخدمات الأَسَاسية ولا من أي شئٍ من هذا القبيل، فهذه مشاكل وإن تفاقمت واستفحلت في الأول والأخير يمكن معالجتها وتجاوزها أَو حتى التقليص من حدتها وكبح جماحها إذَا ما استقر الأمر واستتب الأمن وذلك عن طريق القيام ببعض الإصلاحات والإجراءات اللازمة في هذا الخصوص!
إنا في الحقيقة لا أخاف على اليمن إلا من تداعيات وآثار ما يجري اليوم من عملية الاستهداف الغير مبرّرة الذي يتعرض له النسيج الاجتماعي اليمني والرامية إلى تمزيقه والعبث بفسيفسائه المتنوعة الفريدة والتي ما فتأ الكثيرون من الحمقى يوججون نارها ويذكون جدوتها من خلال مواقفهم المتشنجة أَو كتاباتهم ومداخلاتهم المتوترة في أكثر من مكانٍ ومقام سواءً على وسائل التواصل الاجتماعي أَو من خلال المنابر والمحافل الإعلامية الأُخرى.
فقط يكفي أن يقوم أحدهم بتنزيل منشورٍ أَو تغريدةٍ واحدةٍ في فيس بوك مثلاً أَو تويتر أَو أي وسيلةٍ متاحةٍ أُخرى يتعرض من خلالها خبثاً ولؤماً لشريحةٍ مجتمعيةٍ معينةٍ مثلاً أَو بيتٍ أَو عصبةٍ أَو فئةٍ أَو جماعةٍ أَو حتى منطقة ولك أن تتخيل بعدها ماذا سيحدث؟
أعدادٌ مهولةٌ من الناس الذين طبعاً لا يقل مستوى تفكيرهم انحطاطاً عن مستوى تفكير صاحبنا هذا سيبدأون على الفور معركةً تلاسنيةً ضاريةً لا يدعون فيها قبيحةً ولا ذميمةً واحدةً إلا وتراشقوا بها بلا هوادةٍ ولا مراعاةٍ لأي خطوطٍ حمراء أَو زرقاء أَو حتى بنفسجية. ليس هذا فحسب، بل أن البعض لن يتردّد وبضغطة زر في نقل المعركة هذه إلى ساحاتٍ ومحافل ومنابر أُخرى وذلك بالقيام بإعادة تدوير ونشر هذا الكلام في مواقع شتى لينتهي الأمر وقد اشتعلت الدنيا وعجت بكل أنواع الأحقاد والكراهية والبغضاء!
معاركٌ ومعاركٌ وهجماتٌ وهجماتٌ مضادة في كُـلّ مكانٍ يشترك فيها جميع الحمقى مستخدمين لذلك طبعاً كُـلّ أنواع الألفاظ والعبارات التي لا تخلو من مفردات اللعن والسب والتجريح والتخوين والطعن في الأحساب والانساب والانتماءات وغيرها!
لا والطامة الكبرى (أيش)؟!
أنك تجد الكثيرين ممن يفترض أنهم من النخب المتعلمة والمثقفة والذين يقع على عاتقهم مسئولية محاربة مثل هكذا سفه وطيش منخرطين في هذا الأمر بكل طمأنينةٍ وأريحية فلا يغادرون موضوعاً فيه دائماً إلا وقد تركوا وراءهم لأنفسهم إسهاماتٍ وبصماتٍ بارزةٍ لا تقل بشاعةً وحمقاً عن ما يرتكبه ويقترفه أُولئك العاهات والحمقى!
والمحصلة في النهاية ماذا؟
خناجرٌ مسمومةٌ تُغرس كُـلّ آنٍ وحين في خاصرة النسيج الاجتماعي اليمني لا تقل جرماً عن الحرب والعدوان بل أنها أنكأ جرحاً وأبلغ اثرا!
لماذا وكيف؟ ولأجل من كُـلّ هذا السَفَه؟!
وأية قضيةٍ وطنيةٍ ساميةٍ يحمل هؤلاء؟!
وهل يحمل قضيةً وطنيةً أصلاً من لا شغل له سوى إحياء النعرات وبث سموم الأحقاد والفرقة وضرب الأحساب بالأحساب والأنساب بالأنساب لا لشيء إلا محاولةً منهم فقط لتسجيل حضورٍ هنا أَو هناك لا أقل ولا أكثر؟
ساحات القتال مفتوحة على أشدها، يعني ليست مغلقة في وجه أحد، فليختر من أراد أن يقاتل لنفسه الساحة التي يريدها وليذهب ويقاتل هناك برجولةٍ وشرف بدلاً من أن يظل متمترساً خلف إحدى وسائل التواصل الاجتماعي يصب جم غضبه وحقده كُـلّ يوم على ما تبقى لنا من عرى ووحدة وتماسك هذا النسيج الاجتماعي اليمني المتهتك أصلاً!
حقيقةً مأساة! وأي مأساة؟
أإلى هذا المستوى من الانحطاط الوطني والإنساني وصل بنا وبهؤلاء الأمر للأسف الشديد؟!
ألسنا كلنا سادةً وأقيالا هاشميين وقحطانيين شماليين وجنوبيين أبناء وطنٍ واحدٍ وشعبٍ واحدٍ ودينٍ واحدٍ وعرقٍ واحدٍ وجدٍ واحدٍ كذلك؟
فمن أعطى الحق لمثل هؤلاء الحمقى أن يصنفونا ويشكلونا بحسب أهواءهم وعقلياتهم المريضة القاصرة أقواماً وأجناساً وألوانا وكيفما يشاؤون؟
من منحهم الفرصة ليرسموا لنا ولأجيالنا ملامح وسمات علاقاتنا البينية كيمنيين مع بعضنا البعض على أسسٍ عنصريةٍ ومناطقيةٍ وإثنيةٍ بغيضة؟
من ومن ومن يا تُرى؟!
والله أستحي أن أذكر هنا بعضاً مما رأيت وقرأت من هذه التفاهات والسخافات والتجاوزات المفرطة مما يتقوله هولاء ويتفوهون به!
يكفي أن وصل بأحدهم الأمر وكإعلان موقفٍ منه تجاه فئةٍ معينةٍ أن تطاول على النبي (ص)، وآخرون مثله يتطاولون إما على آل بيته الأطهار أَو أصحابه الأخيار!
فعلاً واقعً يندى له الجبين للأسف الشديد كم نحن في غنى عنه اليوم وكل يوم!
فمتى يستشعر العقلاء من كُـلّ الاخوة الفرقاء المتصارعين اليوم حساسية وخطورة هذا الأمر ومتى يدركون ماذا يعني أن يُضرب النسيج الاجتماعي اليمني ويُصَاب في مقتل بفعل ما يقوم به هؤلاء من إشاعته وترويجه زوراً وبهتاناً جهاراً ونهارا وعلى رؤوس الأشهاد والملأ؟
لم يعد هنالك متسعٌ من الوقت للصمت أكثر، فإذا لم يسارعوا ويتحَرّكوا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه مما تبقى لنا من هذا النسيج الاجتماعي، على الأقل أن يقوم كُـلّ طرفٍ بكبح جماح من يظنون أنهم محسوبون عليهم من هؤلاء الناعقين وإخراس أفواههم وأقلامهم، ما لم فعلينا جميعاً وعلى اليمن السلام، فالأوطان لا تقاس مكانتها ودرجة احترامها إلا بمدى تماسك وقوة نسيجها الاجتماعي أَو كما يقولون.
فهلا أخبرتهم بذلك أُستاذنا عبدالباري عطوان؟
اللهم بلغت.. اللهم فاشهد.