صفحاتُ الصماد

إب نيوز ٢٠ إبريل

فاطمة حسين

في كل مرةٍ كنت أحاول أن أمسك بقلمي وأكتب عن ذلك الرجل الأسطوري , ولكن كانت دائماً ما تخونُني الكمات ، ويخونني التعبير , وأقف عاجزةً تماماً عن الكتابة كلما حدثتني نفسي بالكتابة عنه , فأيُ الكلمات وأي السطور ستوفيه حقه , ولكن نقول لعلنا نجد في هذه الكلمات ما يطفأ نار الفراق , ونسكب على جراح الفقد بكلماتنا من ينبوع الصمود الذي سقانا منه ..

فعندما نأتي لنقلب صفحات الصماد سنجد أنفسنا حائرين من أين نبدأ وإلى أين سننتهي , فيا ترى من أين نبدأ بالحديث والحديثُ طويل عنه , هل عن رجل الصماد كرجل الرئاسة والسياسة , ذاك الذي لم يُغرِه منصبٍ ولا مال , وقال : يا دنيا غرّي غيري , فأنا لست برجل منصبٍ ولا مال , فحياتي ومماتي سخرتها كلها لله , وخدمةً ودفاعاً لشعبي ووطني , فقد عاهدتهم أن أكون لهم مرؤوساً يحمل همومهم وأوجاعهم لا رئيساً يظلمهم ويأكل حقوقهم , وكان لهم كذلك حقاً ..

أم عن رجلٍ الدين والثقافة , ذاك العالم العابد الزاهد الذي ترك ملذات الدنيا رغم أنّها كانت كلها بيديه , وغيره أمسكها بكلتا يديه , ولكنّه رفض غير طريق الله , وغير طريق الحق والعدل , فإن لم يعطي مما لديه لم يأخذ شيئاً من حقوق الشعب كما فعل غيره ,
كما أنّه نهل من معين الثقافة والأدب ، حيثُ كانت أحرفه سيفاً حاداً يقطع الأعداء , فقد كان للشعر قائداً , وللأدب أميراً , يخوض غمار الثقافة والعلم , فكان بحق رجلاً أهلاً لأن يكون في المنصب الذي ولاه شعبه ..

وأما عن شجاعته فقد كان ذاك الأسد الذي خاض المعارك , وصال غمارها , لم يهاب الموت ولم يأبه به , فقد كان ليثاً ضرغاما يخوض أشرس الحروب وأشنعها حتى صار كابوساً للعدو قبل بدء العدوان , وعندما بدأ عدوان الشيطان وصار رئيساً على شعبه , لم يجعله المنصب جالسا على كرسي الرئاسة ، بل نزل إلى ساح المعركة ، وزار جنوده الأبطال , وكان يقول : (( إنّ مسح نعال المجاهدين أشرف من مناصب الدنيا )) …

فأيُ الصفحات نبدأ بتقليبها وأي سطورٍ نبحثُ عن صمادنا فيها , فلو قلبت صفحات الكتب لوجدتها صماداً ولو بحثت عن الصماد لوجدته صفحاتٍ من كُتُب , فلم يرحل الصماد عنّا وإنما أحيا فينا ألف صماد , وبمشروعه (( يدٌ تبني ويدٌ تحمي )) بنى فينا العزة والكرامة والصمود , فسلامٌ على الصماد يوم ولد ويوم استُشهد ويوم يُبعثُ حياً عند رب العالمين …

You might also like