من الذاكرة

إب نيوز ٢٥ إبريل

فاطمة حسين

11 رمضان /1436

الحادي عشر من رمضان ( أول سنةٍ في العدوان ) .. اليوم الذي لن يُنسى في حياتي..

كانت المرة الأولى منذُ بداية شهر رمضان المبارك الذي استغرق فيه نومي حينها حتى الحادية عشرة ماقبل الظهر ، ربما لأن الأجواء في ذلك اليوم كانت هادئة ، لم نسمع فيها أصوات الطائرات ولا دوي الانفجارات ، ولكن تحسباً لأي طارئ لم نكن ننام في المنزل الذي نزحنا فيه من منطقتنا ، كون القصف العشوائي اشتد في تلك الفترة ،

كنا نحن وجيران المنزل جميعاً ننامُ في مكانٍ آخر تحسباً للقصف العشوائي ، لم يكن المكان بعيدا عن منازلنا ، فقد كانت المنازل على بعد خطواتٍ فقط ،

في الليل كنّا دائماً نجتمع ونقرأ آيات القرآن ، ونقوم بتطبيق البرنامج الرمضاني ، وكنت أغلب الوقت أنا من يقرأ الدعاء وأكمل بقية البرنامج ، إلا أنّني في تلك الليلة لم استطع ، لذلك اعتذرت منهم ، لأني كنت أشعر بضيقةٍ شديدة لم أكن أعلم مصدرها ، فلم استطع مشاركتهم في أي شيء ، فقط كنت استمع لهم ، وقد أثار ذلك استغرابهم ، إلا أنه لم يكن أحد يعلم مابي حتى نفسي ، لم أكن اعلم بأنّ تلك الضيقة التي انتابتني سببها سيكون في الصباح..

في اليوم الذي قبله زارنا خالي ليتفقد أحوالنا ، وأحوال عمتي التي هي زوجته وطفله كونها كانت نازحةً معنا ، وكان لايأتي إلا في رأس كل شهر زيارةً فقط كونه كان مرتبطاً بعملٍ جهادي ،
وصل إلينا في ذلك اليوم قُبيل المغرب بدقائق فقط رغم تأكيد الكل عليه قبل مجيئه بأن يمكث حتى اليوم الثاني ، ثُمّ يأتي لزيارتنا كون الوقت قد تأخر ، إلا أنه رفض ذلك ، وأصر على المجيئ ، ربما كان هناك شيءٌ ما يقوده..

في الصباح وبينما كنتُ مستغرقةً في النوم ، دوّى صوتُ انفجارٍ عنيف لم اسمع مثله قطُ في حياتي ، نهضت بسرعة لأرى ما الذي يحدث ، إلا أنّه دوى صوتُ انفجارٍ ثانٍ وثالث بعده مباشرة ، لم أكن أعلم في ذلك الوقت ماذا يحدث ؟

سمعنا أصوات الطائرات ، كونها قبل الانفجار كانت كاتمةً للصوت ، وعندها نهضتُ بسرعة لأرى ماالذي يحدث هناك في الخارج ؟ وقبل نهوضي وصلت إلينا إحدى جاراتنا كونها قد نهضت قبل ساعات ، وذهبت لتفقد أحوال منزلهم ، سألتها ما الذي حدث ؟

صمتت قليلاً .. ثُمّ أخبرتني بأنّ الانفجار كان في منزلنا ، ولايعلمون من بداخله ، فقد كنت في ذلك اليوم نائمة بجانب إحدى الصديقات كوننا أصبحنا كالأسرةً الواحدة ، وأسرتي كانت تنام في جانبٍ آخر ،
عندما سمعتها تقول ذلك لم استطع سماع بقية حديثها ، ولم استطع سماعها وهي تخبر من كنت بجانبها أنّ والدتها وإحدى أخواتها كانت بجانب المنزل ،،

نهضتُ مسرعةً إلى الخارج لأتقصى الحقيقة ، فلم استطع تصديق شيئاً مما قالته ، إلا أنّها صرخت فيني ألا أذهب فالمكان خطر ، وربما تعاود الطائرات القصف إلا أنّي لم آبه بكلامها ، كان جلُّ همي أن أرى أسرتي ، وأرى هل مازال الجميع على قيد الحياة ؟!

خرجت ورأيتُ المكان ، وكان كأن القيامة قد قامت فيه، الشظايا وذرات البارود وحجارة المنزل متناثرةً في كل مكان ، المنزل أصبح مسوّاً بالأرض تماما ، وكأنه لم يكن هناك منزلٌ بتاتاً ، علت الأصوات والصرخات في كل مكان ، وأحدهم كان يصرخ ، ويسأل من كان بداخل المنزل قبل الانفجار ؟

كنتُ متجمدةً في مكاني بدون حراك ، فرؤية المكان والمنزل بذلك الشكل أفقدني الحركة تماماً ؟

وفي تلك اللحظات رأيتُ والدي يهرول من بعيد كونه كان ينام في مسجد القرية ، كان يحاول ليتفقد الموجودين ، وهل نحن من بينهم ، عندها هرعت إليه مسرعة ، وذهبت أنا وهو إلى المكان الذي كانت تنامُ فيه أسرتي ، وصلنا إلى هناك ووجدنا الجميع فحمدت الله على ذلك،
ماعدا خالي الذي رجحنا بأنّه ربما قد غادر ،
في ذلك الوقت سمعنا صوت بكاءٍ وصراخٍ عالٍ ، نهضنا مسرعين لنرى ما الذي يحدث ؟!

كانت تلك الصديقة التي كنت نائمةً بجنبها تصرخ وتبكي ، بالإضافة إلى أختها الرضيعة التي لم تكن تتجاوز العامين ، والتي لم تكن تفارق والدتها ولو للحظة، كان منظرهما يبكي الحجر ،

صرخ فينا والدي أن نذهب بسرعة لكي ينقلنا إلى مكانٍ آمن ، بالإضافة إلى أنهم قاموا بنقل جميع الأسر من هناك فقط تلك الصديقة التي رفضت الذهاب حتى يأتوها بوالدتها وأختها ،

ذهبنا من ذلك المكان الذي نجونا منه بأعجوبةٍ ومعجزة ، وطوال الطريق كانت عمتي لاتزال تواصل الاتصال بخالي لكي تعرف أين مكانه ، إلا أنه وفي كل اتصال كان يجيبها الهاتف مغلق ، وعندما وصلنا إلى مكانٍ آمن كانت والدتي وأخواتي الصغار قد سبقونا إليه ،

بقينا في حالٍ يرثى لها ، ننتظر الأخبار ، وماالذي حدث ، كأننا في حلم ولم نستيقظ منه بعد ،
في الساعة الخامسة عصراً وصلنا اتصالٌ من هناك يخبرنا بأنهم وجدوا خالي تحت أنقاض المنزل، وكان قد ارتقى شهيداً ، بالإضافة إلى والدة الصديقة واختها..

في ذلك اليوم لم أفكر بأنّي سأبقى بعده على قيد الحياة لهول تلك الفاجعة ، ولعظم المصيبة ، ولكن بفضل الله تجاوزنا كل شيء ،
وفي اليوم الثاني أحسستُ بأنّ جميع الأحرف تتجمع في رأسي تحثني على إخراج حزني ، ولأصف به تلك الفاجعة ، ومنذُ ذلك الحين بدأتُ مسيرتي في الكتابة ..

You might also like