على ضفاف محاضرات القائد الرمضانية
إب نيوز ٢٧ إبريل
على ضفاف محاضرات القائد الرمضانية
” الجزء الأول “
أشجان الجرموزي
يأتي شهر الرحمات بنكهة أخرى تختلف عن أعوام بعيدة مضت لم نكن نعي فيه سوى أن الصوم فريضة ، ومن بضعة أعوام كان يأتي شهر رمضان ونحن في شوق كبير للتزود والاستفادة من محاضرات السيد القائد يحفظه الله وفي خضم الانتظار كل يوم نتعلم دروساً لم نكن ندرك أهميتها ونرتقي بأنفسنا في سلم التعلم الروحي ونستقي من فيض نعم الله علينا عن طريق أعلام هداه الأخيار وكان لابد أن نحفظ كل ما نتعلمه ونفهمه كل ليلة في سطور لتبقى محفورة في أذهاننا ولنذكر بها لكل من لم يسمعها أو غفل عن بعض ما ورد فيها..
قال تعالى” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ”
أوامر الله وتوجيهاته تقتضي أن يعمل الإنسان بها وتطبيقها فالصيام كركن أساسي من أركان الإسلام شرعه الله كوسيلة عملية لها غاية سامية في تطبيق تشريعات الله وتزكية النفس البشرية بما ينسجم مع طبيعة وفطرة الإنسان ليرتقي ويصل إلى مراتب التقوى حينها يستطيع التفريق بين الحياتين الدنيا والأخرى والتي لاتفصلهما سوى عمل الإنسان واستقامته يكون حدها النهائي ماقبل الآخرة هو الموت
فالإنسان في الدنيا مهيأة له نعم لاتعد ولاتحصى ولاتوصف جعلها الله في متناول الإنسان وحينئذ يرى ما أسبغ الله عليه من نعم فيتوجب عليه حمد الله وشكره وتثبيت غرائزه النفسية والشهوانية وعدم السماح لشيطان الرغبات بالسيطرة عليه والتحكم في توجهاته ومايدور في خلجات نفسه فالشيطان هو العدو اللدود للنفس البشرية فهويحاول جاهداً صرف الإنسان عن الله ويسعى لأن يضله ويوجد له طرقا وآمالاًً وهمية تقوده لمستنقع الضلال ، فكلما لمس الشيطان رغبات الإنسان الخارجة عن توجيهات الله ومنهجيته يصبح هدفاً سهلاً له ويكون سبباً في شقاء الإنسان ووقوعه في الشر ، فحتى يتغلب الإنسان على هذا العدو الذي لايسعى للتقرب إلى الله بل لإضلال عباده شرع لنا الله الصيام كإحدى الوسائل التي تصد الشيطان وعمله وتجابهه وتزيد من قوة الإيمان والعزم على الابتعاد عن وساوسه فكل مايسعى إليه هو إغواء النفس البشرية وأكبر مثال نبي الله آدم عليه السلام وشجرة الخلد لنستيقن أهمية العمل بأوامر الله ومخاطر التفريط في توجيهاته فكل شقاء وعناء يحصل للإنسان هو من كيد الشيطان وعمله ….
لأن رحمة الله وسعت كل شي شرع لنا الصيام كطريق هداية وممر لتحقيق التقوى ففي شهر الخير شهر البركات شهر رمضان الكريم أنزل الله فيه القرآن الذي هو منهاج لكل البشر ، ولو تأملنا بعض الشيء لعلاقة الصيام بالقرآن لوجدنا أن كليهما نعمة عظيمة تمنحنا النقاء والبركة وتترك فينا أثراً نفسياً ووجدانياً عظيماً يخلص الإنسان من وجع الحياة وكدرها لما لهما من أثر على الجانب الروحي ،فالصيام أثر عظيم في ضبط النفس والقرآن له أثر في تحديد مسار استقامتها
فكل مافيه من هداية وتوجيهات وأوامر وتشريعات ليس إلا رحمة من الله بنا ، فعندما يستشعر الانسان تلك النعمة تتغير نظرته ويزداد تمسكه بالقرآن فكل ماجاء فيه عظيم يدل على حكمة وعظمة وقوة منزله سبحانه وتعالى فهو مصدر الحكمة ومادونه لايعد حكمة أبداً فاالله الحق وأنزله بحق قال تعالى ” وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ” فمن لم يعي أهمية هذا المصدر ينجر في ضلال التبعية والانحراف مهما حمل من الوعي والثقافة الواهمة ، فلا ثقافة ولا وعياً ولافكرة ولا أطروحة ولا رؤية لا تنتمي لكتاب الله تعد أشياء وهمية وفاشلة وتعد إعراضاً وتعدياً على ما أنزله الله في كتابه ولايوجد للإنسان أي مبرر للإعراض عن القرآن وماجاء فيه فيصبح عليه وزرا عظيمً لايع مدى خطورته
في هذه الحياة ثمة مشكلة في الأمة الإسلامية أنها لاتعي بالقدر الكافي أهمية القرآن واقترانه بالصيام وعلاقته بالتقوى فقد أصبح القرآن عند أغلب الأقوام مهجوراً وقد تحدث الله سبحانه في كتابه عن ذلك الإعراض والهجر ولم يدركوا أن هذا الكتاب هو الهادي والمذكر لنا ففيه تكمن السعادة والتقوى وبه يرقى الإنسان للفوز وخصوصاً في هذا العصر اليوم مايسمى بعصر العولمة والتطور لتقي الأمة نفسها من شر الفتن ففي كتاب الله تستقيم دنيانا وأخرانا
وكما روي عن الإمام علي عليه السلام أنه سأل رسول الله صلوات الله عليه وآله : مالمخرج يارسول الله فأجابه” كتاب الله فيه نبأ ماقبلكم وخير مابعدكم وحكم مابينكم ” فهذا جواب شاف لكل من يرى في أنه في غنى عن القرآن الكريم وسوف يكون الشقاء نصيبه والنار مستقره وسيقصمه الله الجبار فمهما علا الإنسان في الأرض وتعلم وتثقف فلن يكون ملماً بالقرآن الكريم لأنه معجزة الله المتجددة .
وحينما يتصل الإنسان بالقرآن اتصالاً عميقاً ينتج عن ذلك الاتصال استقامة عظيمة تكون أساساً للاستقامة في الحياة الأخرى فالحياتان _الدنيا والأخرى_ بحاجة إلى يقظة دائمة حتى يستطيع الإنسان الفوز في الآخرة من خلال جهاده وإيمانه واجتهاده في العمل الصالح ، أما إن غفل الإنسان عن أهمية دوره في الحياة وعن جزاء الآخرة وعاقبته لتلك الغفلة والإعراض فإنه يكون معرضاً عن كتاب الله وذلك يودي بنفسه إلى الضيق والضنك والضجر والخسران المبين ، فالحياة فترة زمنية مؤقتة إن اجتهد فيها وعمل صالحاً ربح وإن غفل وتهاون عنها خسر فكل ماتحلم به النفس البشرية من نعيم وراحة يحتاج لعناء وسعي ومضي ولن يأتي تحصيل حاصل ونعيم متوفر دون جهد وبذل فكلا الحياتين أعمالها ظاهرة وواضحة وسبل النجاة والراحة فيها معروفة وليست مجهولة ومابينهما ليس سوى فاصل يسمى الموت وبه يتوقف الوقت ولايسع الإنسان أن يفكر في العمل لأجل الآخرة وقد غادر الدنيا ….
الله سبحانه جعل كتابه وآياته مفتاح للنعم كما في سورة الرحمن تلك السورة التي فصل فيها الله نعمه العظيمة وكيف أن القرآن الكريم هو أيضاً مفتاح متطلبات الحياة ،يجب أن يكون هو المرجع لكل أمور الحياة صغيرها وكبيرها حتى يحظى الإنسان برحمة من الله وإرشاد إلى السلامة من عذابه ، رحمة يسمو بها ، فبه يكون التعليم والهداية فقد أوجد الله للإنسان نعم عظيمة من شأنها أن تجعل الإنسان يتحرك في كل مجالات الحياة على المستوى الذهني والجسدي ، وخلق الله الكون ومافيه من نعم عظيمة بقوانين متزنة تنتظم بها حياة البشر كالشمس والقمر والنجوم وماينتج عنها من تدابير إلهية في ظهور نعم أخرى كبيرة تهدي الإنسان إلى الرحمة الربانية والعدل الإلهي والنظام المتزن ، كل ذلك يعلم الإنسان أن العدل هو أساس الحياة وأساس الحفاظ على النعم وشكر الله عليها، فإن تسلل الطغيان إلى هذا النظام العادل المتزن فقد الإنسان توازنه في التعامل فيفسد كل معايير المعاملات البشرية ولا يستطيع الإنسان بوجود الطغيان إقامة العدل ، والمحافظة على مااستخلفه الله عليه في الدنيا وماسخره له ليكون العدل ركيزة أساسية تستقيم بها حياته …..
لتستقم حياتنا يجب أن تستقيم أنفسنا وأن يكون هدي الله أساس تعاملاتنا ،فبهدي الله النجاة وبالإعراض عنه الهلاك والخسران .
على ضفاف محاضرات القائد الرمضانية
“الجزء الثاني”
أشجان الجرموزي
نقرأ القرآن باستمرار ونجزم أننا استوعبنا وفهمنا مضمونه فكما يترآءى لنا أنه ليس بالمضمون الصعب ، لكن حينما يتم التفسير الدقيق لآيات الله ونعيمه ووعيده ندرك جيداً أننا لم نقرأ القرآن إلا حروفاً وليس مضموناً ، فكلما أدركنا آيات الله وتوجيهاته وحديثه لنا ووعوده لنا عندئذ تكون استجابتنا كبيرة ووعينا أكبر ونسعى لأن نُري العالم مابصُرنا به ….
الهداية هي المفتاح لكل النعم ، والغفلة والإعراض عن هدي الله ونعمه تعد حالة سلبية وحالة تكبر تجعل الإنسان يتنصل عن المسؤولية أمام الله ولا يقف موقف المحب لله والشاكر لأنعمه ، فهو مهما تحرك في الحياة تحت أي مسمى إلا إنه يتوجب عليه التوجه صوب الله ومناشدته بدلاً عن مناشدته نفسه وتعظيمها والله أحق بذلك ، ليظل الإنسان في حالة استشعار دائم لله ولمنه وفضله وكرمه ..
للنعم التي أوجدها الله فوائد كبيرة منها ماأودعها في البحار بحجمها الهائل وعمقها وحركتها ، فوائد يسرها لنا الله في حياتنا العملية حركتها التجارية كانت أم الاقتصادية ، وجعلها الله سبحانه حلقة وصل بين مختلف البلدان في كل بقاع الأرض ، وسهل الحركة فيها ويسرها وأودع فيها كل ماينفع الإنسان من غذاء نعمة عظيمة في متناول يده ،إضافة إلى نعمة الزينة من اللؤلؤ والمرجان آيات بديعة من الله سبحانه في تلك البحار العظيمة وماحوتها من نعم عظيمة وجلية ، وأنى لذلك الماء أن ترسو عليه تلك السفن الجواري بقدرته سبحانه ليكون منها انتفاع كبير للإنسان في حركة النقل والملاحة البحرية والتجارية ، ومن عظمة الله وتدبيره الدقيق أن جعل هناك بحاراً وبحيرات وأنهاراً ومحيطات لكل منها سيرها وخواصها ويفصل بينهما فاصل لا يخطيء ولا يتعدى أحدهما على الآخر …
عند رؤية كل تلك النعم التي أوجدها وهيأها لنا الله والتي يتوجب على الإنسان التفكر فيها والاستفادة منها والتذكر الدائم أن الله أكرمنا كرماً لايضاهيه أي شيء ، ولو تفكرنا قليلاً في أصل خلقنا لوجدنا أن الله أعلى شأننا وسخر لنا كل ماهو أصلح وأنفع وإن لم نقابل تلك النعم بالحمد والشكر والعمل بما يرضي الله فستكون حالة الإنسان مزرية وفي خسارة فادحة ، فيتوجب على الإنسان شكر الله في واقعه النفسي والعملي وفي كل حدث وخطوة صغيرة كانت أم كبيرة ،فالإنسان مهما علا وارتقى سيبقى صغيراً جداً أمام الله ، فالثقلان _الإنس والجن _ لو أرادوا أن يجتمعوا ضد الله لن يقدروا على شيء لأنهم أضعف الكائنات ، وإن لم يخافوا من الله ويستقيموا ستأتي القيامة بغتة ولا نجاة إلا لمن استشعر الخوف من الله سبحانه وسعى لتحقيق الاستجابة الإيمانية الكاملة في الالتزامات والمجالات ، وأن يتم السيطرة على الرغبات الداخلية ، للفوز بنعيم الله الأبدي الذي يوجد به الكثير من المرغبات والحياة الرغيدة التي فيها أكثر ممايطمح ويفكر فيه الإنسان من غذاء وفواكه وأشجار للتظلل ومتكآت وخيام وحور حسان وراحة أبدية لاتوجد بها منغصات ولا موت وهموم وغموم ، بها نعيم دائم بلا انقطاع لمن خاف مقام ربه وكان مع الحق ولم يكن في صف الباطل وإلا فوعيد الله ينذر بالأشد والأمر على الإنسان إن لم يستجب استجابة كاملة لله ولما أمرنا به وعمل بالقرآن وفق مزاجه ….
كل مالدى الله باق ومالدى الإنسان فانٍ ، فيتوجب على من يطمح للفوز برضوان الله ونعيمه أن يهتدي بهدى الله وأن يشكر نعمه ويتفكر فيها ويعمل للفوز بنعيم الله الأبدي حيث لاضلال ولا شقاء …