شُكوك مُنْهِكَة
إب نيوز ٣٠ إبريل
عــفاف البعداني
راودتني أسئلة كنت أخجل عندما أتفوه بها أمام الآخرين، لم يسرني أن أقولها لهم ؛ خوفاً من أن يكفروني بها، أسئلة لا تخطر على بال العارفين، المقبلين على الله ولكن لجهل مني سألت بها ؟؟ وودت أن يقرأها كل من روادته نفس شكوكي ، كل من خالجه نفس لحودي .
وكم هاجمني التردد في الفصح عنها لكم أو، لا ؟ ولكن أعزائي القارئين أنا أبيت أن أخفيها عنكم وددت أن تقرؤوها لتعرفوا مدى لطف الله بخلقه وحبه لهم رغم كل التعنت الذي يعترينا نحن البشر .
هذه اﻷسئلة كانت مع بالغ أسفي :
من هو الله؟
هل الله يحب خلقه ؟
هل الله يخاصم عباده ؟
لماذا نفقد الشعور بالطمأنينة رغم أننا نرتل ونصلي ونذكر الله ؟
لماذا الله لاينصرالمظلومين لماذا يمهل الظالمين هذه المدة الطويلة ؟؟
لماذا الله أنزل هذه البلاءات، ولايهدينا ؟
الله لايحب العاصين ، وإنما يحب المؤمنين ؟؟
هل الموتى يشعرون بسئم الانتظار للجنة ؟؟
نعم ! هذه كانت اﻷسئلة وغيرها الكثير تسكن داخلي المبعثر كنت أبحث عن أجوبة لها ؛ كي أهدأ من هذا التبعثر الجهلي، كانت تعتاد هذه اﻷسئلة عليّ في كل لحظة، ولاتفارق مُحياي، وتمنيت حينها أن أرَ لسانا طليقــًا يغدقني بالفهم تعمقاً عن الله، تمنيت أن أرَ أجوبة شافية تردني إلى منهج العارفين ، ﻷني أصبحت في منهل الحائرين، تمنيت أن أعرف الله قبل أن أعبده فأنا أؤمن به وأُؤمن بالوهيته ووحدانيته ولكن إيماني منقوص مجرد من أي معنى حقيقي .
تمنيت أن أصل إلى حد المعرفة التي تنسيني هوى النفس ومتاعبها، وضيق الدنيا ونوائبها، تمنيت أن أصل إلى درجة من الحب اﻹلهي الذي يجعلني أنفرد وأستقل عن هذا العالم باسرة .
تمنيت أن أرَ نفسي في مركب الناجين من شراك هذا الضياع في سفينة عباد الله الصالحين ،لكني وجدت نفسي غرقت في هذه اﻷسئلة .
حاولت أن أبحث عنها في قلوب البشر ، ومع كل طيف يسري بالوجود، أجدني أفتش في مقطوعات الكتب وأُنقب في باطن الورق، ولكن لاجدوى، فكلما حاولت أن أقترب من الحقيقة الوجودية، كانت هناك غشاوة تغلف عقلي وتثقل قلبي وترجعني ضائعة بلا معنى ولا أجوبة رغم أن كل ماحولي كان ،يجيب ، إلا أني لم أمتلك الادراك الكلي للاستيعاب وبوجود هذا الخلل الذي تسرب بتلوثه إلى فكري أصبح داخلي يكبر في معترك الأيام ، عشتها وأنا في حال تعجب وحيرة لكل ما يحصل في هذا العالم، سائلة نفسي كم ميلا ابتعدنا عن الله حتى باءنا هذا الجمود، وهذه الوباءات ، شاردة إلى نفسي مالذي يحصل بالضبط في هذا الكون ؟؟؟
صحيح أني أصلي وأصوم وأُؤمن بالله وبنبيه الكريم؛ لكن هذا كله كان/ عبارة عن عادات وسلوكيات نؤديها بلا شعور ، فقط أحافظ عليها كي أُسكت ضمير الحي؛ وخوفاً من العقاب الإلهي .
اقتصرت المعرفة في ذهني عن الله أنه شديد العقاب وأنه خلق جهنم والنار ؛ كي يعذب بها العاصين، وأن الموت قادم فالحياة بدت وكأنها خالية من رونق الجمال، ببساطة هذه كانت جل معرفتي في هذه المرحلة الظلالية ، وهناك من بذلوا قصارى جهدهم معي؛ كي يرشدوني إلى معرفة الله، لم يدركوا آنذاك أن قضيتي لاتقتصر جهل العبادات ، بل كان همي أكبر وهو أن أرتقي إلى سماحة الروحانية السامية والدائمة مع الله،لم أفهم ،لم أعي لم أدرك ، لم أشعر.
إلى أن وصل بي اﻷمر أن أخفضت صوتي عن العالم ، وبالفعل كانت تمر الساعات، وأنا صامتة ولا أتحدث، أكتفي بأن أنظر وأتامل في الطبيعة؛ ﻷبحث عن أشياء تخترق هذا الغلاف الذي أخرس قلبي وصار في غياهب الجمود ، وظل شاردا يبحث عن الراحة الدائمة مع الله ، ولطالما قلت لنفسي : قريباً سوف أدخل في عالم الجنون ﻷن الحياة المليئة باﻷسئلة الفارغة والشكوك ، فعلًا تبدو صعبة ومعكرة، وهي خالية من أجوبة مشبعة للروح والعقل ، في التواجد البشري .
إلى أن جاءني صوت بالكاد أن سمعته !! وكأنه جاء من خلف السحب، ومن خلف اﻷفلاك جاء لأجلي، طار بي السهاد مرة واحدة، ونظرت نحو القمر أبحث عن الصوت ولم أجده لكني قطعا كنت أسمعه سألني وقال : أتبحثين عن لطف الله !!
– فقلت بدهشة : نعم .
– فقال : أيتها الباحثة عن الله، إن الله بلطفه وحبه وعطفه ورفقه موجود، موجود في كل شيء في الحركة والسكون في الحياة والنشور موجود باسمائه وصفاته، في آياته بتعاقب ليله ونهاره، موجود في رحمة اﻷم لطفلها، وفي سعة السماء ورفعها ، معرفة الله لاتحتاج للبحث” يامحاورة” معرفة الله: وأضحة وجلية في كل شيء ولكن لجهل منا نرى ولا ندرك لو تأملتي معي أيتها المحاورة، إلى أصغر مخلوقاته في الطبيعة من :
?العنكبوت
? والنحل
?والنمل
وحتى البعوض؛ ستجدي أن لطفه وهدايته وعنايته ورحمته وسعت كل شيء ، هذا التمعن سيجعلك تستفيقي من هذه الشكوك ، والشرود وتعي أن الله كرم عباده، وجعلهم مشرفون على سائر مخلوقاته بالعقل والتفكر، فاحمدي الله على هذه النعمة التي خصك بها ، ولانغفل حقيقة أن الله سخر لذوي البشر ، من اللطف والحب مافاق تصور العارفين !! ماعجز عن وصفه الذاكرين !! ماأذهل به العلماء والباحثين !!! فلتكوني واثقة بأن الله موجود ولم يترك، وأن الله قريب ولم يبتعد، وأن الله يحب وحاشا أن يخاصم، وأن الله يعتني وحاشا أن ينسى وأن الله يعلم خائنة اﻷعين وماتخفي الصدور ،الله يامحاورة خلق كل شيء بقدر محسوب وموزون فإذا رأيت من شذوذ البشر ، ومن تأخرنزول القدر فهذا لحكمة يعلمها الله .
واستغرب منك يامحاورة المساء، كيف تقولي : أنك تؤمني بالله وتحبيه و تثقي بالله ، ومعه تحملي تلك الظنون، أيتها المحاورة قفي عند هذه الكلمات بتأني ولتدعي تأملك بمخلوقات الله هو طريق عمل وجهاد ، يقودك إلى معرفته عز وجل .
وأنا أسمع لحديثه استفقت وتغيرت مفاهيم الحياة بمعتقداتي الفكرية ، دبت فيني حياة شبه كاملة تقنعني وتشملني بالراحة واﻹطمئنان بما هو قائم بالمحيط من حرب، وظلم، وبلاء، وكأن كل حروبي الذاتية هدأت بغضون هوينات .
وعلى أواخر هذا السرد الطويل من الوصف والحديث لم يكن تثريباً ولاعبثًا ، وإنما هي قصة تروي نفسها لتخبركم مدى العجز والضعف الذي نحن على وجده البشر ، تخبركم أن معرفة الله أصل ومنطلق العبادة ، فعبادة بلا معرفة كفرع بلا أصل ، تخبركم أن هناك في هذا العالم مازال أناس يعتنقون السلام والسماحة ولم ينطفئ بريقهم ،تخبركم أنه ليس من العيب أن نخطئ أو نوسوس، ليس العيب أن نضعف ،العيب الفضيع ياكرام هو : أن لانفكر ولا نراقب ونفهم محتوانا وكيف نغيره إلى اﻷفضل، فالله معكم وشرفكم وأحبكم وإياكم أن تسمحوا لفكركم أن يشرد و يغوص في غياهب اﻷسئلة القدرية ،كما غاص فكري وتلبد ادراكي .
.