عبدالباري عطوان : ماذا بعد خطاب السيد نصرالله ومعادلاته الاستراتيجية الجديدة التي اسقطت كل الخطوط الحمراء؟
إب نيوز ٢٦ مايو
عبدالباري عطوان :
ماذا بعد خطاب السيد نصرالله ومعادلاته الاستراتيجية الجديدة التي اسقطت كل الخطوط الحمراء؟ هل اقتربت حرب القدس الإقليمية؟ وهل سيجرؤ المستوطنون اقتحام الاقصى مرة اخرى واقامة هيكلهم المزعوم؟ وماذا تعني دموعه غير المسبوقة تأثرا بتضامن الفقراء المحاصرين في اليمن مع فلسطين واستعدادهم لاقتسام لقمة الخبز؟
في خطابه الذي القاه مساء يوم الثلاثاء بمناسبة الذكرى 21 لانتصار المقاومة اللبنانية وهزيمة الجيش الإسرائيلي وانسحابه ذليلا من الاراضي اللبنانية، كان السيد حسن نصرالله لا يتحدث باسم “حزب الله”، ولا المقاومة اللبنانية، انما باسم محور المقاومة ومئات الملايين من انصاره ومؤيديه في مختلف انحاء العالم الإسلامي.
رغم المرض، ورغم الوضع اللبناني الداخلي السيء، والوضع العربي الأسوأ، كان السيد نصرالله في افضل حالاته، ويعيش حالة من الزهو والفخر والايمان بالنصر غير مسبوقة، والسبب الانتصار الكبير الذي حققته فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة التي اخذت قرارا استراتيجيا تاريخيا بالدفاع عن المقدسات المسيحية والإسلامية في القدس المحتلة، باتخاذها لقرار الحرب وهزيمة واحد من اقوى الجيوش في المنطقة، وانطلاقا من قطاع محاصر مجوع لا تزيد مساحته عن 365 كيلومترا مربعا، وبدون جبال او غابات او وسائل حمائية طبيعية.
المعادلة الجديدة التي رسّخها السيد نصرالله، وستكون عنوان المرحلة المقبلة، تبني على هذا الانتصار وتكمله، وتوسع دائرته وتقول بكل وضوح: “المساس بالقدس مقدساتها المسيحية والإسلامية مختلف عن أي اعتداء آخر، ويعني حربا إقليمية وزوال الكيان الإسرائيلي”.
هذه هي المرة الأولى في نظرنا الذي تتقدم فيها كرامة المقدسات على الاعتبارات المحلية اللبنانية “فعندما تواجه المقدسات الإسلامية والمسيحية خطرا وجوديا فلا معنى لخطوط حمر او مصطنعة”.
الترجمة العملية لهذا الخطاب الناري، ومن قبل رجل يقول ويفعل، تقول بكل قوة وصراحة ان أي اعتداء إسرائيلي قادم على المسجد الأقصى سيواجه بآلاف الصواريخ دفعة واحدة باتجاه كل مدينة، وهدف استراتيجي، في العمق الفلسطيني المحتل، وعلى خطى الرد نفسه الذي أقدمت عليه الفصائل الفلسطينية انطلاقا من قطاع غزة، فزمن الغرور والغطرسة والعدوان قد ولى ولن يعود، وللمسجد رجال يحمونه بدمائهم وارواحهم وصواريخهم.
فاذا كانت فصائل المقاومة الغزية لم تتردد في اتخاذ قرار الحرب انتصارا للمقدسات، وثأرا للحرائر والمرابطين في المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح، والحاق هزيمة مذلة بهذا العدو المتغطرس فكيف سيكون الحال لو جاء الرد من محور المقاومة الاضخم، و”حزب الله” على وجه الخصوص الذي يملك اكثر من 150 الف صاروخ معظمها دقيقة، مثلما يملك خبرة قتالية عالية بفضل حروبه في لبنان والعراق وسورية؟
افيغدور ليبرمان، وزير الحرب الصهيوني الأسبق، كان صادقا وهو الكذوب، عندما اطلق صفارة الإنذار التي ارعبت ستة ملايين إسرائيلي عندما قال “اذا لم يستطع جيشنا العظيم هزيمة حركة “حماس” وحلفائها، فكيف سيكون الحال اذا شنت ايران و”حزب الله” حربا علينا؟”.
سؤال وجيه جدا يدور حاليا في اذهان جميع الإسرائيليين المحتلين، والاجابة عليه واضحة مكتوبة على الحائط، وتقول: الحلم الصهيوني انهار، وقبل ان يكمل المئوية الأولى من عمره، وليس امام المخدوعين فيه غير الرحيل، سباحة او على متن أي قارب نجاة عبر البحر المتوسط.
الحروب لا تحسم بالطيران، ولا بالصواريخ، وانما بالدبابات والحروب البرية، ولعل رعب الجيش الإسرائيلي من خوض هذه الحرب، لأنه يدرك جيدا انه لن يكسبها، وستكون نهايته تماما، مثلما حدث سابقا في القطاع ثلاث مرات، وهروب ارييل شارون بجلده، طلبا للسلامة، ولاحقا في جنوب لبنان في عامي 2000، و2006.
المواجهة القادمة لن تقتصر على الصواريخ وانما بالحرب البرية المعاكسة هذه المرة، أي من الجنوب اللبناني الى العمق الفلسطيني المحتل، وفي آخر لقاء جمعنا مع الشهيد سمير القنطار قبيل استشهاده، اكد لنا ان تدريبات جرت وتجري في هذا الاطار، وان التوغل في الجليل المحتل وتحريره هو احد ابرز خيارات الحرب القادمة.
تأثرنا كثيرا نحن الذين كنا بين الملايين الذين تابعوا خطاب السيد نصر الله ودموعه العفوية الصادقة التي هطلت وهو يتحدث عن الاشقاء اليمنيين الابطال، والسيد عبد الملك الحوثي، زعيم حركة “انصار الله” تحديدا، الذي ابلغه في آخر اتصال معه ان اليمنيين سيتقاسمون رغيف الخبز مع الاشقاء الفلسطينيين المحاصرين والمدافعين عن المقدسات، الدموع سقطت، ولم يستطع صاحبها حبسها، لان الاشقاء في اليمن يعيشون تحت حصار تجويعي ظالم ايضا، ولا يجدون رغيف الخبز، وان وجدوه سيتقاسمونه مع اشقائهم المحاصرين في غزة، هؤلاء اليمنيون الشرفاء، وللتذكير فقط، حشدوا مليوني متظاهر تضامنا مع اشقائهم في غزة والقدس، وكانت مظاهرتهم هذه هي الاضخم في العامل وفي تاريخ اليمن أيضا.
بدموع الكرامة الصادقة والعفوية هذه، وتقاسم المحرومين لقمة الخبز سويا اذا توفرت، تقف الامة امام مرحلة جديدة، بمعادلة جديدة، وروحية عالية مختلفة، عنوانها الأبرز حماية المقدسات المسيحية والإسلامية في القدس المحتلة، وايام الانتصارات باتت قريبة جدا، واقرب مما يتصوره الأعداء وحلفائهم في المنطقة والعالم.. والأيام بيننا.
“راي اليوم”