شعار (الموت لأمريكا ….)أهدافه و منطلقاته .

إب نيوز ٤ يونيو

عبد الملك العجري alejri77@hotmail.com

شعار (الموت لأمريكا ….)أهدافه و منطلقا ته
قراءة في الخطاب الحوثي

في 17/1/2002م وفي قاعة مدرسة الإمام الهادي (ع)بمران هتف أنصار السيد /حسين الحوثي لأول مرة (الله أكير،الموت لأمريكا ،الموت لإسرائيل،اللعنة على اليهود،النصر للإسلام) وما هي إلا فترة و تندلع حرب دفع اليمن ثمنها غاليا من أمنه واقتصاده ورجاله .
لم يرد احد أن يصدق أن شعار (الموت لأمريكا)يمكن أن تكون سببا لحرب بقدر ما تفاجأ اليمنيون والعالم باندلاعها تفاجئوا بالمدى الذي اتخذته زمانا ومكانا والتداعيات التي ترتبت عليها محليا وإقليميا .
القريبون من تطورات الإحداث كانوا أكثر قدرة على توقع حدوث مشكل ما بين السلطة والحوثيين بغض النظر عن نوعه أو درجته فإرهاصات المشكلة كانت تجري بعيدا عن مرأى ومسمع وسائل الإعلام شانها شان( صعدة ما قبل 2004م )الوقعة خارج نطاق التغطية والخدمة والتنمية.
وسواء صدقنا دور الشعار في الحرب أم لم نصدق فالحوثي قد طرح الشعار مع ما يترافق معه من توعية وتعبئة جماهيرية حلا عمليا في مواجهة المستكبرين والاستكبار العالمي وفي مواجهة الحرب الكونية0التي تشنها أمريكا ضد كل ما هو إسلامي ما عدا الإرهاب منذ أحداث 11 أيلول /سبتمبر2001م .
فبعد حديث طويل عن الوضع الراهن الذي يعيشه العرب والمسلمون وما تمر به المنطقة من أحداث متلاحقة يقول الحوثي “إمام هذه الإحداث هل نحن مستعدون أن نعمل شيئا ؟وإذا قلنا نحن مستعدون أن نعمل شيئا فما هو الجواب على من يقول ماذا نعمل ؟ أقول لكم أيها الإخوة اصرخوا ألستم تملكون صرخة أن تنادوا (الله اكبر ،الموت لأمريكا….الخ)وهو اضعف الإيمان أن نعمل هكذا في اجتماعاتنا بعد كل صلاة جمعة” .
بطبيعة الحال الحوثي لا يطرح الشعار حلا سحريا لكل مشاكل العرب والمسلمين المزمنة والبالغة التعقيد فهو يتحدث عن حلول مرحلية تقبضيها خطورة المرحلة وطبيعة الإمكانات المتاحة فالمرحلة التي يعشها المسلمون هي مرحلة خطرة و حرجة بلغت من الحرج و الخطورة حدا لا يجوز السكوت معه, والتحدي الذي تفرضه أمريكا وإسرائيل/اليهود والنصارى وسياسة الخسف والبخس التي يمارسونها بحق الشعوب الإسلامية تقتضي منا كشعوب مسلمة التحرك والقيام بعمل ما مهما كان تواضعه(من يعمل مثقال ذرة خيرا يره)
الحوثي في تشخيصه لواقع المسلمين الراهن يتكئ على أساس ديني بحت يقول”لنعرف أننا في واقع مظلم…أليس المسلمون الآن أليس العرب الآن تحت أقدام اليهود والنصارى حكومات وشعوب ..تحت رحمة اليهود والنصارى “.هنا يحدد الحوثي موقع العرب والمسلمين على الساحة العالمية بأنه موقع كائن تحت أقدام ورحمة من ضربت عليهم الذلة والمسكنة وحال من ضربت عليه الذلة والمسكنة هي بلا شك حال سيئة ما بالك بحال من هم واقعين تحت وطأة أقدامهم ،يتساءل الحوثي وهل رفعت الذلة والمسكنة عنهم ؟يقول “لا لم ترفع ما يزالون كذلك لكن نحن من ضربت علينا ذلة ومسكنة أسوا مما ضربت على بني إسرائيل ”
من خلال ما سبق نستطيع أن نستشف نظرة الحوثي للآخر /العدو ورؤيته لطبيعة الصراع الغربي -الإسلامي فالعامل الديني يلعب دورا أسياسيا في صناعة السياسة الأمريكية والصهيونية والسياسة الغربية عموما والتخوف من نهضة إسلامية محتملة تقوم على أساس ديني هي ما يقض مضاجعهم ولذلك الحوثي ينظر إلى أمريكا وإسرائيل ككيانات دينيه (اليهود والنصارى)،وفي سياق كلام الحوثيين يأتي استخدام كلمتي (اليهود-النصارى)في المرتبة الأولى يليها (أمريكا –إسرائيل )في المرتبة الثانية وهذا التناوب في الاستخدام يعني أن دعوى قيام هذه الجماعات على أساس سياسي لا ديني ودعوى فصل الديني عن السياسي لا تصدقه السياسة الصهيو-أمريكية والغربية تجاه العالم الإسلامي بالذات فالغربيون لا زالوا ينظرون إلى العالم الإسلامي بعيون مسيحية الشيء الجديد هو التحالف الناشئ بين اليمين المسيحي والصهيونية العالمية
إن فرضية دور الدين في السياسة الغربية تجاه العالم الإسلامي والنظرة الغربية للمسلمين أخذت تتسلل إلى عقول وكتابات من خارج صفوف الاسلامين وتتأكد يوما بعد آخر من خلال التصريحات التي تأتي على السنة الساسة ورجال الفكر والدين في الغرب أو من خلال حادثة هنا وأخرى هناك تكشف بما لا يدع مجالا للشك حقيقة نواياهم وان الإسلام هو المستهدف. صحيح أن مكانة الدين شهدت نوعا من التراجع في الأوساط الغربية منذ بداية العصر الحديث إلا إن أمريكا شهدت عقب الحرب العالمية الثانية حركة إحياء ديني يميني وأثناء مرحلة الحرب الباردة أضيف “تحت سلطة الرب “إلى قسم الولاء وأصبح شعار “في الرب نضع ثقتنا “الشعار القومي للإمبراطورية الأمريكية .يعلق كاتب أمريكي على مكانة الدين في المجتمع الأمريكي قائلا “إن الفكرة القائلة بان الدين في مركز الحياة القومية وليس على هامشها لا يعلن عنها الجمهوريون وحدهم بل الديمقراطيون أيضا. ،وقبله عبر بانرمان رئيس وزراء بريطا نيا (1902م)عن التخوف الغربي من مخاطر قيام أي وحدة بين الشعوب الإسلامية- بما تملكه من مؤهلات تمكنها من التحكم في مصير العالم –على أوربا .
والنتيجة التي يخلص إليها الحوثي أن محاولات التقرب والتودد إلى أمريكا والاطمئنان إلى الوعود الأمريكية والرهان على أحلام السلام الوردية التي تمنيهم بها إسرائيل ما هي إلا سرا ب, وبما انه يرى أن صراع الغرب/اليهود والنصارى مع المسلمين يأخذ طابعا دينيا- طبعا من دون إنكار وجود عوامل أخرى-فهو يضع آيات القران التي تحدثت عن علاقة أهل الكتاب بالمسلمين في قلب الصراع الإسلامي- الغربي ومن هنا يأتي استشهاده بآيات مثل قوله تعالى (ها انتم هؤلاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ)يقول” مهما عملتم لهم لن يقدروا لكم جهودكم ،لن يرعوا لكم جميلا لن يكافئوكم بإحسان”ويقول “لو رجعوا –يقصد العرب-إلى أية واحدة لأعطتهم درسا أن كل ما يؤملونه في ظل الدولة الإسرائيلية غير ممكن أن يتحقق الله قال عن اليهود(أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا )والنقير هو الحبة البيضاء الصغيرة في نواة التمرة عندما يكون لليهود سلطة لا يمكن أن يعطوا الآخرين منها ما يعادل النقير فكيف يطمع الفلسطينيون إلى أن بإمكانهم أن يتهيأ لهم إقامة دولة داخل إسرائيل ” .
الحقيقة الثاني التي ينطلق مها الحوثي كرجل دين انه مادام الأمر كذلك فالله لا يرضى لنا أو بنا أومنا هذه الوضعية, وفي مقاربة دينية ومن خلال علاقة جدلية بين النص (القران )والواقع- يقارن بين المكانة التي أرادها الله لهذه الأمة والواقع الذي اختارته لنفسها أو وجدت نفسها فيه .يقول الحوثي “هؤلاء الأميين ..الذين لم يكونوا يشكلون أي رقم على الساحة العالمية بعث منهم رسولا عربيا تكريما لهم ونعمة وتشريفا لهم انزل أفضل كتبه وأعظم كتبه بلغتهم …أراد الله لهم أن يكونوا خير امة ..الأمة المهيمنة على هذا العالم بكتابه المهيمن برسوله المهيمن بموقعهم الجغرافي المهيمن “لكن العرب والمسلمين لم يستطيعوا الاستفادة من التكريم الإلهي واستغلال الإمكانات المادية والمعنوية التي وفرها الله لهم فكانت النتيجة أن وجدوا أنفسهم تحت رحمة أمريكا وإسرائيل /اليهود والنصارى ,وهو واقع يكشف عن قصور وتقصير في أدائهم وتفريط في الشعور بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم لا تجاه أنفسهم فحسب بل تجاه العالم. فحسب الحوثي كل فساد وكل ظلم في العالم من يتحمل مسؤوليته هم المسلمون وبالذات العرب باعتبار أن النبي منهم والقران نز ل بلغتهم فالمسؤولية عليهم أكثر واكبر (وانه لذكر لك ولقومك ولسوف تسالون)وفي هذا السياق يوظف الحوثي الآيات التي تحدثت عن تاريخ بني إسرائيل فالحديث المكثف في القران عن بني إسرائيل هو تأهيل للمسلمين وتحذير لهم في نفس الوقت من باب (إياك اعني واسمعي يا جاره),إذ من خلالهم قدم القران نموذجا لأمة منحت من الامتيازات ما يؤهلها إن هي استفادت منها وأحسنت استغلالها لان تكون امة ناجحة ،قوية عزيزة مقتدرة ،وعندما لم يستفيدوا من الإمكانات المتوفرة بين أيديهم كانت النتيجة أن ضربت عليهم الذلة والمسكنة واستبدل الله بهم غيرهم ,وما جرى مع بني إسرائيل قابل لان يجري مع غيرهم .
وفي النهاية يصل الحوثي إلى أننا في هذه المرحلة أمام مسؤولية دينية وتاريخية وهي مسؤولية تقع على عاتق الجميع شعوبا وحكومات ورجال دين, وتخلى فئة ما لا يعفي الآخرين من تحمل مسؤوليتهم ,والأعذار التي نقدمها عادة للتنصل من مسؤوليتنا من مثل الاعتذار بالاستضعاف وانعدام الحيلة أعذار غير مخلصه أمام الله, يتساءل الحوثي مستنكرا, في واقع الرسالات هل مهمة التغيير منوطة بالمستكبرين أم بالمستضعفين ؟
الحقيقة الثالثة: أن حجم المسؤولية يكون وفقا للإمكانات المتاحة (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ),وفي حدود الاستطاعة هناك الكثير مما يمكن عمله كشعوب مستضعفة وهنا يقترح الحوثي إضافة إلى الدعم المادي والمعنوي لحركات المقاومة والمقاطعة الاقتصادية للبضائع الأمريكية والإسرائيلية الصرخة أو( شعار الموت لأمريكا) على أن يترافق معه حملة توعية مركزة ضد المشروع الصهيو- أمريكي .
وهنا أيضا يؤكد الحوثي ويجزم بان الشعار عمل سيترك اكبر الأثر في نفوس الأعداء وانه ” بمثابة ضرب الرصاص إلى صدورهم “ويلخص أهم الأهداف التي يمكن أن يحققها بأنه اقل موقف يمكن تقديمه للخلاص أمام الله ولاستنقاذ أنفسنا من حالة الذلة والسخط الإلهي ,وثانيا يمثل الشعار نوعا من الحرب الوقائية النفسية فالترديد المستمر للشعارات المعادية لأمريكا وسياسيتها الخارجية في الأوساط الشعبية يخلق لديهم انطباعا بأنه لا محل لأمريكا من الإعراب في بلد هذا حاله وان السياسة الخارجية لأمريكا لا يمكن أن تكون محل ترحيب فيه, ما يجعلهم يفكرون ألف مرة قبل اتخاذ أي حماقة ضد هذا البلد ,وخلق هكذا انطباع في نفوس الأعداء أمر مطلوب دينا كما قال تعالى (واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ورباط الخيل ترهبون بها عدو الله وعدوكم )فمجرد مرابط الخيول أمام بيوتكم تظهركم على حالة من الجهورية ترهب الأعداء “فعندما يأتي احد المشركين فيرى عند بيت هذا خيلا وبيت الآخر خيلا سيرى أن هذه الأمة معدة لنفسها..”.
ثالثا :انه يعكس وبشكل مستمر حالة الاستياء الجماهيري من الممارسات الأمريكية فهو بمثابة تظاهرة أسبوعية تعرب فيها الجماهير في عموم القرى والمدن عن موقفها الرافض للسياسة الأمريكية ,وانتشار ظاهرة( العداء لأمريكا) تثير حساسية و قلق الأمريكيين ,يستدل الحوثي على هذا بالانزعاج الأمريكي لنتائج استطلاع زغبي الدولي (2002م)في سبع دول عربية إضافة لعرب إسرائيل -غير الايجابية تجاه الولايات المتحدة والسبب- كما يقول -أنهم ليسوا أغبياء مثلنا فهم يحرصون على تحقيق أفضل المكاسب بأقل الخسائر الممكنة وبخبث يحاولون تمرير مخططاتهم من دون أن تثير فينا أي ردة فعل وحتى لا يكون ذلك باعثا لنا على التفكير في أي عمل جدي يفشل المشاريع الاستعمارية الصهيو-أمريكية.
رابعا :ما يترافق مع الشعار من توعية مستمرة وتعبئة جماهيرية يعمل على تحصين الجبهة الداخلية لأي بلد من أي اختراق أمريكي أو الانخداع بالأهداف التي بررت بها أمريكا حملتها العالمية ضد الإرهاب ,فنحن إذا رجعنا بذاكرتنا إلى الفترة التي تبنى فيها الحوثي مشروعه هذا(فترة ما بعيد أحداث 11/سبتمبر) حينها كان التوجه الأمريكي نحو مغازلة شعوب العالم الإسلامي بدعاوي مثل تحقيق الديمقراطية وحقوق الإنسان وإسقاط الأنظمة الديكتاتورية ومكافحة الإرهاب…الخ وقد رأينا كيف استهوت البعض الفكرة ,وكيف دغدغت بها مشاعر بعض الجماعات المضطهدة والمحرومة التي وقعت في فخها , وعلى أساسها احتلت العراق, وحينها تفاوتت الإنباء حول من يكون الهدف الثاني ؟وتضاربت الآراء في من يحتل المرتبة الثالثة في سلم الاستهداف الأمريكي ؟
إن إحدى الاستراتيجيات الدفاعية السياسية والاجتماعية التي تلجا إليها كثير من دول العالم هي التعبئة الجماهيرية ورفع الروح المعنوية ورح المقاومة لدى الجماهير ضد أي دولة تشكل خطرا عليها وهي السياسة التي انتهجتها إيران واغلب دول أمريكا الجنوبية كفنزويلا في مواجه الإطماع الأمريكية
وعلى كل فالحضور الجماهيري الحي والفاعل والنشط في المشهد السياسي أمر لا يمكن تجاهل أهميته فإذا كانت أمريكا بما تملكه من إمكانيات مادية واقتصادية وعسكرية تستطيع فرض املائاتها على الأنظمة العربية (المرتهنة أصلا في وجودها وفي بقائها على أمريكا ورضا الكونجرس الأمريكي)إلا أن هذه الإمكانات تبقى عاجزة أمام إرادة ا لجمهور( الجيش الذي لا يقهر) والتاريخ يعلمنا كيف تهاوت عروش المستكبرين والجبابرة تحت أقدام المستضعفين .

You might also like