ممَ نخاف !؟.
إب نيوز ١ يوليو
عفاف البعداني
ممَ نخاف ؟!! من العضو المبتور، والحقائب الفارغة، من سرعة القطار وهبوط الطائرة، من عشبة الموت، و فحيح الأفعى، وجنون النحل، من الأماكن المرتفعة، وجفاف البحار، من ارتجاج اليابسة، ممَ نخاف بالضبط ؟! من تهدم الجسور، و آثار الحروب، من صوت الغد، ورحيل الأمس، من مطر الليل، وصراخ اليتامى، ممَ نخاف ؟!! من سطو المرض، و استبداد الوحدة، من الفشل من الهزيمة، من تقدم العمر وموت الأحلام بداخلنا، ممَ نخاف ؟!! من الكوابيس المزعجة، من المصابيح الساهرة، من رقصة الموتى، وشراسة الأحياء، من النكران من الذهاب بلا عودة.
فعلاً كثيرة هي الأشياء التي نخاف منها دونما أن نعترف بها ، كثيرة هي مخاوفنا ومتعددة ولكن جميعها متفقةً على شيء واحد، وهو أن تسرق ملامحنا الربيعية كل سنة، وتهبنا تجاعيد مناسبة لعمرنا العشريني، تمنحنا ثوبا عريضا يغطي كل أفكارنا الفاتنة لنكن محافظين من الطراز الأول، تدفن تطلعاتنا في قبو خافت بعيدا عن الحرية.
لننسجم معها في النهاية؟! نعم ننسجم بالتبعية، بالرجعية السائدة والنزعة المتماثلة للشعوب دون أن نعي، نتوارث لغاتنا أثوابنا أطوارنا أخطأنا أعمالنا عاداتنا تقاليدنا أفكارنا ذنوبنا، كل شيء لأبد أن يكون له طابع عيني سابق خالي من عنصر التنحي ، نؤمن بالسلاح أكثر من إيماننا بالشجاعة، نؤمن بأهمية الماء ولكن للحظتنا لم نعرف ما لونه الحقيقي، ما علاقته باستمرارية الحياة، نؤمن بالجوع والحاجة والحب والعطف؛ لكننا لم نفكر كيف تكونت مزاجية كل تلك الشعورات ومادور الجهاز العصبي والماهية النفسية في تحديد الجهات والأشخاص في كل موقف .
ببساطة إننا مجملا نخاف… ..نخاف من الفكر والتأمل والابتكار والاكتشاف والاعتراف، نخاف من أقوال الشعوب المناقضة وسخرية المجتمع، نخاف من كل الأشياء الجديدة، نخاف من الأشياء الغريبة ولنا الحق في كل ذلك لأننا فعلا عشنا كل الصعاب مرتين، مرة قبل وقوعها ومرة آخرى بعد عبورها ، خوفنا هو القاضي المستبد في كل نائبة، والنادل الوحيد الذي نعرفه جيدا، كبرنا نخاف ونركض من كل الحقائق و الاعتراف، طلبا للمثالية واحتراما لكل معالم الحدودية، قدسنا الخوف وصرنا نردد عليه التحية كل صباح وكأن له شأنا عظيما في نفوسنا، نسينا أن نعيش ونبتكر، نسينا أن نجازف ونحب، ونختلف ،أن نجرب و نحاول وننهزم، نضعف لنرى حدود قدراتنا كم مقدراها وأين ستصل إن أعطيناها المجال، لكنَّ في كل مرة نبتعد لنسلم… وأي سلامة ونحن في دوامة الهروب نتناول قهوة الصباح بكل هدوء، نصمت، ونبتسم، وداخلنا شرود مطل على كل المخاوف.
الغريب ياسادة أننا نتجاوز كل الصعوبات بطريقة مدهشة، نستطيع و نبدع نتفنن ندون ، نبتكر نفكر نحلل، ولكن لازال الخوف هو المسيطر في كل انتصار، لازلنا نعتقد في قرارة أنفسنا أننا لن نتجازوا بقدراتنا وإنما هي مسألة حظ فنعود لما كنا عليه دون أدنى مقاومة، وفعلاً هي حقيقة: أن أكثر الذين يخافون هم أكثرنا أبداعا وتفكيرا واختراعا وحبا؛ لولا أن الحياة خذلتهم في أحد الأزقة فلم يعاودا المحاولة مرة آخرى .
ولبرهة أخذت أتامل في قضية المجاهدين مليا، يخضعون للتدريب والتأهيل لمدة وجيزة ومن ثم يتحولون لقائدة على أرض الواقع، انتابني شعور الغبطة كيف يجازفون وأين هو مرمى خوفهم، هل يعني أنهم تخلصوا من الذات السائدة، وجازفوا هل حرروا ذواتهم من التبعية، والرجعية، هل أخرجوا طاقتهم المخبأة التي كانت وجبة الخوف المفضلة، كيف استطاعوا أن يستغلوا قدرات العقل والروح والنفس، هل التجربة والألم والحرب والمعاناة وحر المسؤولية هي من صنعت فيهم القيادة في أعمار عشرينية، هل نستيطع أن نقول أن التجربة والألم هي من تولد الانجاز والعظمة .
المؤلم ياسادة…. أننا فجأة أصبحنا لانخاف ليس لأننا أقوياء أو تحولنا لقادة، وإنما فقدنا ماهية الشعور أصلا كل الأشياء صارت واحدة، متشابهة، متتابعة، الحزن الفرح ، الأمل البؤس، المدح الذم، تسارع الأيام، جميعها لاتعنينا بشيء…أمامنا أشباح ملثمة، وفوقنا طائرات مسممة، وتحتنا أراضي ملغمة، لكننا لازلنا نمضي… لا نهتم…… نحاول أن نعيش في كل مرة لكننا فقدنا معاني الحياة منذ زمن .
*استدراك*: عجبت لهذا العالم الكبير نخاف منه كثيرًا لكننا نحب العيش فيه على قدر مخاوفنا .