عبدالباري عطوان : لماذا يعتبر كثيرون السيّد نصر الله “الإعلامي الأوّل” في محور المُقاومة؟وهل كان استِهدافه للإعلام الخليجي صُدفَةً وتَحَسُّبًا لحَربٍ وشيكة؟
Share
إب نيوز ٦ يوليو
عبدالباري عطوان :
لماذا يعتبر كثيرون السيّد نصر الله “الإعلامي الأوّل” في محور المُقاومة؟ وماذا يعني تخصيص حيّز كبير من خِطابه الأخير للحديث عن تطوير الإعلام؟ وهل كان استِهدافه للإعلام الخليجي صُدفَةً وتَحَسُّبًا لحَربٍ وشيكة؟
أن يُخَصِّص السيّد حسن نصر الله أمين عام “حزب الله” حيّزًا كبيرًا من خطابه الذي ألقاه الاثنين في افتتاح اللّقاء الوطني للإعلام في الضّاحية الجنوبيّة من بيروت، فهذا يَعكِس اهتمامه بشَكلٍ شخصيّ بتطوير الخِطاب الإعلامي لمحور المُقاومة استِنادًا إلى قيم الموضوعيّة والمصداقيّة، مثلما يَعكِس أيضًا إحساسه بحَربٍ قادمة في المنطقة تُفَجّرها أمريكا وإسرائيل في ظِل هزيمة الأخيرة في حرب غزّة، وتعثّر مُفاوضات فيينا للتّوصّل إلى إحياء الاتّفاق النووي الإيراني، وتصاعد حرب السّفن، واتّساع دائرة القصف للقوّات والقواعد الأمريكيّة في العِراق، وشرق دير الزور، وقُرب مخزون سورية من النّفط والغاز على حُدود البلدين.
لم يُجانِب السيّد نصر الله الحقيقة عندما قال إنّ العدوّ يَثِق بإعلام المُقاومة أكثر ممّا يُصدّق قادته الصّهاينة، لأنّ هذا الإعلام يسير على نهجه، أيّ المُقاومة، لأنّ خِطاباته التي يُلقيها بين الحين والآخر، تتميّز بالمعلومة الصّادقة، وتُقَدِّم عرضًا تحليليًّا دقيقًا للأحداث داخليّة لبنانيّة، أو عربيّة، أو عالميّة، دُون مُبالغة أو لوي لعُنُق الحقائق وببَساطةٍ مدروسةٍ بعنايةٍ حتى تَصِل إلى أكبر دائرة مُمكنة من المُتابعين من مُختلف الشّرائح وعلى جميع المُستويات العلميّة، وهذا ما يُفَسِّر ترقّب الملايين لها، وتسابق محطّات تلفزة على بثّها على الهواء مُباشرةً، ناهِيك عن المُحلّلين والخُبراء الإسرائيليين ووسائل إعلامهم.
مِصداقيّة إعلام المُقاومة الجديد، بشقّيه التّقليدي (تلفزيون وصُحف مكتوبة وإذاعات)، والإلكتروني المُتمثّل في السوشيال ميديا، ووقوفه بقُوّةٍ إلى جانب القضايا العربيّة والإسلاميّة العادلة، وتمسّكه بالثّوابت الوطنيّة، كلّها عوامل جعلته لا يُنافس الإعلام الخليجي فقط، بل يُزيحه تدريجيًّا عن المُقدّمة التي احتلّها طِوال العُقود الثّلاثة الماضية، ومكّنته من الإغراق بالتّضليل، وتزييف الوعي، بإيعازٍ من حُكوماته المُرتبطة بالمشروع الأمريكي الاستِعماري في المنطقة.
مُعظم وسائل الإعلام الخليجيّة تغوّلت في بثّ حالاتٍ من الإحباط واليأس في أوساط الجماهير العربيّة، كوسيلة لبثّ رُوح الاستِسلام للمشروع الإسرائيلي الأمريكي المُشترك، والتّمهيد لاتّفاقات التّطبيع (أبراهام) مَدعومةً بمُوازناتٍ ماليّةٍ تُقَدَّر بالمِليارات.
السيّد نصر الله وضع إصبعه على العصب الحقيقي لهذا الإعلام عندما قال في كلمته “إنّه بدأ في طمس الحقائق والتّرويج لحَقّ العدوّ في فِلسطين، وتشويه المُقاومين، والسّخرية منهم”، وتسلّلت جُيوشه الإلكترونيّة الجرّارة إلى وسائل التّواصل الاجتماعي لمُواصلة الدّور نفسه باعتِبارها باتت الأكثر تأثيرًا هذه الأيّام.
جِنرالات الإعلام هم الذين يقودون حُروب هذه الأيّام، ووسائلهم الحديثة المُتطوّرة، لا تَقِلّ خُطورةً وأهميّة وتأثيرًا عن الطّائرات والمُسيّرات والصّواريخ والغوّاصات في حسم نتائج الحُروب، وقد كان الغرب أوّل من تنبّه إلى هذه الحقيقة واستثمر المِليارات فيها، وتمكّن من خِلالها من تدمير امبراطوريّات مِثل الإمبراطوريّة السّوفيتيّة، ويسعى حاليًّا لتدمير نظيرتها الصينيّة الصّاعدة، جَنبًا إلى جَنبٍ مع عوامل أُخرى لا يُمكن نُكرانها، تتمثّل في النّمو الاقتصادي، والتّقدّم العلمي، وبناء أذرع عسكريّة حديثة ومُتطوّرة.
خِطاب السيّد نصر الله يجب أن يكون “خريطة طريق” لإعلام مُقاوم مُضاد، ومُتطوّر، مدعومًا بأحدث الدّراسات العلميّة الحديثة، ومراكز الدّراسات، ويُديره خُبراء مُتميّزون على أرضيّة الجمع بين “الحُسنيين”، أيّ الكفاءة والولاء لقِيَم المُقاومة معًا، والمِليارات وحدها لا يُمكن أن تصنع إعلامًا ناجحًا ومُؤثِّرًا، خاصّةً في مِنطَقةٍ مُستهدفة مِثل مِنطَقتنا يُشَكِّل الشّباب تحت سنّ الثّلاثين 60 بالمئة من سُكّانها.
من واقع خُبراتنا بشقّيها السّياسي والإعلامي، وبحُكم وجودنا في لندن عاصمة الإعلام العالمي لعدّة عُقود، نستطيع أن نَجزِم، استِنادًا إلى دراساتٍ وأبحاث علميّة، بأنّ الكثير من إعلام المِليارات بارت بضاعته، وانفضّ عنه المُشاهدون والقُرّاء بالتّالي، بينما يُسَجِّل الإعلام الحُر والمُقاوم تقدّمًا مُتسارِعًا إلى الصّدارة، والتّحدّي الأكبر الآن هو كيفيّة الحِفاظ على هذه المُكتسبات أوّلًا، وتطوير هذا الإعلام باستِمرار ثانيًا، وتعزيزه بالكفاءات الشّابّة المُتعلّمة ثالثًا.
مِنطَقتنا على حافّةِ حَربٍ مصيريّة بكُلّ الأسلحة، وسيكون للحرب النفسيّة والدعائيّة دَورًا مُهِمًّا وفاعِلًا فيها، ولهذا يجب تكثيف كُلّ الاستِعدادات لخوضها جنبًا إلى جنبٍ مع رجال المُقاومة وصواريخهم، إنّها حَربُ العُقول في جميع المجالات.. والأيّام بيننا.